سعدت جدا وأنا أرى نجمنا نور الشريف فى حالة ألق ووهج ونور، حيث تم إهداء هذه الدورة إليه فكانت اللمحة الصحيحة لإدارة المهرجان، شاهدته قبل أشهر قليلة فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية وشعرت ببعض القلق هذه المرة، كان قد فقد بضعة كيلوجرامات من وزنه، ولكنه عاد إلى نور كما أعرفه قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان. طال الأوبريت المسرحى الذى سبق صعود نور أكثر مما نحتمل، فكان يحكى ويعيد ويزيد بلا أى إضافة درامية أو فنية، وجاء حضور نور وسط تصفيق ووقوف الجميع له ليمحو كل ما علق بالذهن والمشاعر من تراكم وسأم. اختيار المكرمين المصريين فى هذه الدورة كان موفقًا لأقصى درجة، داوود عبد السيد ونادية الجندى ومحمد منير الذى كان هو مسك الختام وبكى على خشبة المسرح فأبكانا، ونحن نسمع تسجيلًا صوتيًّا من «المصير» بكلمات كوثر مصطفى وموسيقى كمال الطويل «علىِّ صوتك بالغنا» لنتأكد جميعا أنه لا تزال الأغانى ممكنة. على الإفطار جمعتنى جلسة بمدير التصوير سعيد شيمى، والمخرج محمد النجار، والإعلامى إمام عمر، وانضم إلينا نور فكان لا بد من المشاغبة الصحفية، نسيت أن أذكر لكم أنه كانت حاضرة معنا خمس من الأرواح، أولها عاطف الطيب، وقال نور الشريف إن كتاب سيد قُطب «الصورة فى القرآن» من الممكن أن يُصبح مرجعا غير مباشر لكى يتأمل صُناع السينما والدراما كيف نصنع شاشة مصرية خالصة لأنه يتناول الصورة ومدلولاتها وتفاصيلها التى لا يمكن أن يُدركها إلا الإنسان الذى يتقن بطلاقة العربية سواء أكان مسلما أو مسيحيا، ليست فقط الكلمات ولكن الحروف التى تَشع بين الجنبات، وأضاف أنه يستشعر أن عاطف الطيب ربما استفاد من هذا الكتاب وقدم لنا الواقعية المصرية لأنها تستند إلى خصوصية، وصلاح أبوسيف قدم الواقعية المطلقة، سألته عن فيلمه أو حلمه لتقديم حياة الطيب قال لى نعم حلمت ولا أزال ولكن الواقع الفنى حاليا غير ملائم، قلت له سبق وإن قلت إذا كنت أنا فى التمثيل أساوى 7 على 10، فإن أحمد زكى 10 على 10، أجابنى نعم أعنيها ولكن أيضا أقول لك إن ما تركه لنا أحمد زكى لا يعبر حقيقة عن موهبته، أحمد كان أقرب إلى روح الهواة فى التعامل مع الكاميرا، ولكن الفن يحتاج إلى احتراف، بمعنى أن الممثل المحترف يستطيع أن يلتقط شيئا بتعمد وسبق إصرار، وعندما يعيد اللقطة عليه أن يقنعك أيضا ببكارة وعفوية الأداء وكأنها المرة الأولى، بينما أحمد فإنه على المخرج أن يلتقط مباشرة ما ترسله أحاسيسه، كان ممثلًا ملهمًا لديه ما يدهشنا دائما ولكن الاحتراف شىء آخر. قلت له النجوم الآن يقدمون فيلما واحدا كل عام وأحيانا كل عامين بينما فى تاريخك أكتشف أنك كنت تُقدم فى العام خمسة أو ستة أفلام، أتذكر مثلًا أن محمود يسن فى النصف الثانى من السبعينيات كان يتجاوز رقم عشرة، وفى النهاية أكتشف مع مرور الزمن أن العشرة يعيش منها على الأقل أربعة أفلام، بينما نجومنا الشباب قد يسقط من الذاكرة مع مرور السنوات فيلمهم الوحيد، قال لى بالطبع خطأ ولكن شركات الإنتاج هى التى غيرت الإيقاع. قرأت أن محمود مرسى قال إنه كان حائرًا فى العثور على مفتاح أدائه لدوره فى مسلسل «زينب والعرش» وذهب إلى الاستوديو وعندما شاهد حسن يوسف الذى يمثل الشخصية المقابلة له لمعت على الفور بداخله تفاصيلها، أجابنى نعم فى أحيان عديدة ألتقط رد فعل وأمسك من خلاله المفتاح. وحضرت فى النهاية روح يوسف شاهين ويوسف إدريس وفيلمهما «حدوتة مصرية»، وقال لى إنه لا ينسى هذا المشهد عندما كان يلتقى إدريس كاتب الفيلم وشاهين المخرج كلًا منهما على انفراد، وكان كل منهما يحذره قائلا إن الآخر مجنون، ويضحك نور: ما أجمل هؤلاء المجانين!!