مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    رئيس جامعة سوهاج يستقل الطفطف مع طلابه لتسهيل التنقل مجانًا    جامعة السويس تستضيف مهرجان الأنشطة الطلابية    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    الإعلان عن وظائف المعلمين الجديدة.. ننشر التخصصات المطلوبة بجميع المحافظات    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    السيسي يشهد افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية    التنمية المحلية: الدولة تنجح في استرداد 618 ألف متر مربع بعد إزالة 1471 مبنى مخالفا    صندوق النقد يشيد بخطوات الإصلاح الاقتصادي في مصر (فيديو)    البورصة المصرية، تراجع جماعي للمؤشرات بمنتصف تعاملات اليوم    وزير الإسكان: مسئولو المدن الجديدة في جولات موسعة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    توريد 57 ألف طن قمح لشون كفر الشيخ    الشرق السعودية: وفد من حماس يزور القاهرة غدًا لبحث مقترح وقف إطلاق النار الجديد    مصرع 20 شخصا في انفجار بقاعدة عسكرية بكمبوديا    على ارتفاع شاهق، بركان إيبو يثور في إندونيسيا    روسيا تعلن تدمير أكثر من 17 طائرة بدون طيار أوكرانية    مصادر فلسطينية : مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى    السفير الروسي بالقاهرة: مشروع الضبعة النووية رمزًا للصداقة بين موسكو والقاهرة    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    مباراة التتويج، الكشف عن تشكيل إنتر ميلان أمام أودينيزي بالدوري الإيطالي    إمام عاشور يقترب من قيادة خط وسط الأهلي أمام الإسماعيلي    ريال مدريد يتصدر جدول ترتيب الدوري الإسباني    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    حملات موسعة لرفع الإشغالات في أحياء وشوارع القاهرة    ضبط ميكانيكى سرق حقيبة مشغولات ذهبية فى الجيزة    جريمة الدارك ويب، قائمة الاتهامات للقاتل والمحرض على قتل طفل شبرا    ضبط ميكانيكي استولى على مشغولات ذهبية من داخل سيارة بالهرم    حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 29 أبريل 2024 | إنفوجراف    بالأسماء.. 24 مصابًا في حادث تصادم بصحراوي أسوان    احباط محاولة بيع كمية من الدقيق البلدي المدعم في السوق السوداء بقنا    الرئيس السيسى: مراكز البيانات والحوسبة السحابية تكلف مليارات الدولارات    6 متنافسين بينهم مصري وحيد، إعلان الفائز بجائزة البوكر العربية اليوم    بيت السناري يستضيف ندوة "25 أبريل يوم له تاريخ" احتفالا بعيد تحرير سيناء    مصطفى قمر مفاجأة حفل علي الحجار ضمن مشروع «100 سنة غنا» الليلة    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    نصائح ذهبية لطلاب الثانوية العامة لأداء الامتحانات بدون توتر (فيديو)    "الوثائقية " تعرض ندوة نادرة للفنان الراحل نور الشريف احتفاءًا بذكرى ميلاده    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    وزير المالية: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة سيارات المصريين بالخارج .. غداً    مطروح تستعد لامتحانات الترم الثاني.. غرف عمليات ومراعاة مواصفات الأسئلة    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    لعدم الإحالة إلى لنيابة.. ماذا طلبت التموين من أصحاب المخابز السياحة؟    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان الأقصر يهدى لاسمه دورته الثانية عاطف الطيب عميد الواقعية المصرية الحديثة
نشر في صوت الأمة يوم 14 - 03 - 2013

هاجس الحرية والرغبة فى تحطيم القيود هو الذى كان يحرك شحنة الإبداع لدى المخرج عاطف الطيب، ولأنه كان صادقاً فى انفعاله فإن روحه أيضاً تحررت مبكراً من قيود الجسد، مثل المخرج الراحل عاطف الطيب ولا يزال نقطة فارقة فى تاريخ السينما المصرية، فقد كان يسابق الزمن ليترك له رصيداً من الأفلام تعيش بعده وتحمل اسمه، حيث إنه لم ينجب أطفالاً وفى لمسة وفاء إدارة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية إهداء الدورة الثانية التى تفتتح فى 18 مارس الجارى لهذا المخرج المتميز
رحل «الطيب» عام 1995 وبعدها بعام أعلن مهرجان القاهرة السينمائى نتائج أول استفتاء لأفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، ليأتى فيلم «سواق الأتوبيس» فى المرتبة الثامنة، وليكون عاطف الطيب هو المخرج الوحيد فى جيله الذى وصل لتلك المكانة، وجاء أيضا فيلمه «البريء» فى المرتبة 28 و«الحب فوق هضبة الهرم» فى المرتبة 68، ولا أدرى لماذا سقط فيلمه «الهروب» من القائمة. والمؤكد أن فيلم «ليلة ساخنة» لو لم يعرض بعد الاستفتاء لكان ضمن تلك الأفلام المائة.
كانت نقطة الانطلاق لهذا المخرج الاستثنائى عبر معالجة عصرية «لعطيل شكسبير» بعد أن جمع الراحل القليل من الأموال لإنتاج هذا الفيلم الذى وضع من خلاله بطاقة التعارف الأولى بينه وبين جمهوره، وحمل كل حرفية «عاطف الطيب» كمخرج وإن لم يحمل كل أفكاره وطموحاته التى شاهدناها بعد ذلك فى أفلامه التالية. أما فيلمه الثانى «سواق الأتوبيس» فقد انطلق بالطيب ليضعه فى مقدمة صفوف المخرجين ووصل إلى الذروة بأكثر من جائزة عالمية فى مهرجان «نيودلهي» منها جائزة التمثيل لنور الشريف!!
لم يكن عاطف الطيب هو أسبق أبناء جيله زمنياً فى الإخراج السينمائي، إذ سبقه المخرجان محمد خان وخيرى بشارة. ولم يكن فيلمه «سواق الأتوبيس» هو أول فيلم يقدم الانفتاح الاقتصادى والمتغيرات التى حدثت فى المجتمع المصري، ولكن لا شك أن عاطف الطيب كان هو أغزر أبناء جيله - ولا يزال بعد رحيله - فى عدد الأفلام التى قدمها – 21 فيلماً – ولاحقه فقط مؤخراً محمد خان.
فى مجمل أفلام الطيب تستطيع أن ترى أنه يقدم السينما كما يريدها وبشروط لا تتناقض مع السوق، تختلف أعماله أحياناً ولكن بدرجة لا تصل إلى حد التناقص. وقد جاء فيلمه «سواق الأتوبيس» متصدراً سينما هذا الجيل ومعلناً ليس فقط عن اسم «عاطف الطيب» ولكن أيضاً عن جيل جديد من المخرجين باتجاهات مختلفة.
إن «حسن» بطل «سواق الأتوبيس» هو أحد أبطال حرب 73 الذين دفعوا الثمن، ولكنه يجد أن الآخرين قد حصدوا معظم المكاسب بعد أن فرضت التحولات السياسية والاجتماعية نمطاً استهلاكياً مختلفاً، وعليه إما أن يخضع لهذا النمط أو يواجه طواحين الهواء، ليكتشف أن عليه أولاً أن يواجه نفسه وأن ينتصر على السلبية التى فرضت نفسها عليه. كانت القفزة الثانية للطيب بعد «سواق الأتوبيس» بمعالجة سينمائية لقصة نجيب محفوظ «الحب فوق هضبة الهرم» وشارك بهذا الفيلم فى أسبوعى المخرجين بمهرجان كان السينمائي. هذه الرؤية السينمائية نالت إعجاب الكاتب الراحل نجيب محفوظ الذى تنبأ بمستقبل واعد لعاطف الطيب.
وقال صاحب نوبل عن الفيلم «لقد قدمت لى السينما العشرات من الأفلام، ولكنى أعتقد أن الحب فوق هضبة الهرم من المعالجات السينمائية الجيدة التى لم تستغل الأصل الأدبى لأسباب لا تمت للأدب أو الفن بصلة، إنما حول القصة الأدبية إلى شكل سينمائى متميز جعل منها بالفعل علامة مهمة فى تطور السينما فى مصر، وجعل من مخرجها بحق عميداً للخط الواقعى فى السينما المصرية الحديثة». انتهت كلمات أديبنا الكبير.
ولأن عاطف الطيب كان مخرجاً لديه وجهة نظر وليس مجرد مخرج حرفى يجيد فقط «الديكوباج»، وهو تحديد اللقطات والزوايا وحركة الكاميرا، فإن الفيلم عنده كالطفل حين يمر بمرحلة حمل وحضانة وطفولة ومراهقة حتى يصبح قادراً على التنفس مع الناس، ولهذا فإن كل التفاصيل الدقيقة التى تسبق ولادة الفيلم يعيها الطيب ليجسدها لنا بعد ذلك فى فيلمه على الشاشة.
ومن أفلامه الاستثنائية «البريء» الذى تجرى أحداثه من دون تحديد الزمان والمكان، ورغم ذلك يحمل جرأة كبيرة تفضح تسلط الدولة وديكتاتورية الحكم، ولهذا تعاملت الرقابة بشراسة مع الفيلم وأفرج عنه بعدما حذفت منه أكثر من 15 دقيقة. الفيلم يقدم البراءة فى قفص الاتهام، إذ لا يكفى أن تكون بريئاً وطاهراً حتى تعرف من هو العدو من الصديق، ولكن ينبغى أن تملك النضوج وأن تتسلح بالمعرفة والثقافة لتستطيع توجيه شحنتى الحب والغضب.
إنها مقاربة لمفهوم الحرية والقهر، حيث يصبح السجين هو السجان وتختلط جدران السجن بحدود الوطن، وعندما يتحرر الإنسان من داخله يستطيع أن يحرر أيضاً الوطن، لأن الوطن ليس هو مساحة الأرض التى نعيش عليها بقدر ما هو إحساس الكرامة الذى نحياه!!
ونتوقف مع فيلمه الذى أستعيده كثيراً وهو «الهروب»، حيث يعلن الفيلم بإيحاء فنى أن السلطة ليست دائماً هى الشرطى الذى يطارد المجرم، ولكنها أحياناً تصبح المجرم الذى يحاول الإفلات من عقاب الشرطة.
يوصف فيلم «الهروب» بأنه الأجرأ فى تاريخ السينما المصرية، وربما كان ذلك صحيحاً إلى حد بعيد، ولكن ليست الجرأة فقط هى سر هذا الفيلم، كما يوصف أيضاً بأنه كان الأسبق فى انتقاد العديد من السلبيات الاجتماعية والسياسية. وربما كان هذا أيضاً صحيحا،ً حيث يناقش الفيلم قضايا الناس الملحة، ولكن ليس السبق وحده هو سر هذا الفيلم، ربما تكون هناك أفلام أسبق أو أجرأ، لكن لا شك أن الهروب هو الأصدق. زاوية رؤية المخرج ليست هى فقط تشكيل الصورة فى الفيلم، ولكن اكتشاف زاوية جديدة وأماكن إبداع مختلفة داخل الممثل، وقد كان عاطف الطيب دائما قادراً على اقتناص لمحة جديدة ونبرة مختلفة ربما لم يكن يدركها الفنان نفسه من قبل، وهذا هو ما يمكن أن نكتشفه مثلاً فى أداء بطلة الفيلم لبلبة بفيلم «ليلة ساخنة».
الأحداث الساخنة هى التى تكشف المخرج، لأن عليه ألا تأخذه سخونة الحدث عن تأمله وأحداث فيلم «ليلة ساخنة» أكدت أن عاطف الطيب مخرج يجيد التأمل والهدوء فى عز لحظات الغليان، فكان «ليلة ساخنة» هو فيلم الوداع وترنيمة شجية لمخرج ودع حياتنا ولكنه لا يزال يسكن مشاعرنا. نعم من الناحية النظرية لا يمكن أن نغفل فيلم «جبر الخواطر» المأخوذ عن رواية عبد الفتاح رزق ولكن الحقيقة هى أن عاطف الطيب رحل بعد التصوير وقبل أن يشرع فى المونتاج وهى أهم مرحلة فى رحلة الفيلم السينمائي، كما أن عاطف الطيب كان يعتبر أن المونتاج هو الرؤية النهائية للفيلم، أتذكر أننى بعد عرض «جبر الخواطر» كتبت مقالاً كان عنوانه «عاطف الطيب يموت مرتين» كنت أقصد أن زملاءه الذين أشرفوا فى غيابه على المونتاج لم يمنحوا الشريط السينمائى ما يستحقه ولهذا فأنا أعتبر أن الطيب أنهى رحلته مع « ليلة ساخنة». كانت الحرية والرغبة فى تحطيم القيود هى الهاجس الذى يحرك شحنة الإبداع داخل «عاطف الطيب»، ولأنه كان صادقاً فى انفعاله فإن روحه أيضا تحررت مبكراً من قيود الجسد، لكن أتوبيس «الطيب» السينمائى لا يزال منطلقاً، أراه دائماً كلما لمحت عملاً سينمائياً ينضح بالجمال والصدق والإبداع على الفور أتذكر أنه كان يعيش بيننا قبل 17 عاماً عنواناً مضيئاً للجمال والصدق والإبداع، وكما وصفه بحق نجيب محفوظ بقوله إنه «عميد الواقعية فى السينما المصرية الحديثة».
نشر بتاريخ 11/3/2013 العدد 639


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.