كل عام وأنتم بخير.. بمناسبة سفر العبد لله وأن عامًا من عمر الثورة اكتمل أمس، اخترت لحضراتكم مقالين مما كتبت ونشرت أيام المخلوع أفندى، ورجائى كله أن لا تتمتموا بلوعة وأسى: يا الله! ما أشبه الليلة بالبارحة.. فإلى المقال الأول: زمان وقبل أن يسدَّ نظام الرئيس مبارك ثغرة الإشراف القضائى المنقوص على الانتخابات ويغلقها تماما ب«حزمة الفجل» التعديلى الدستورى المشهورة، كانت الحكومة تدعو إخوتنا المواطنين الناخبين للمشاركة فيها بأى حاجة ثم تعدمهم العافية أو تقتلهم على أبواب لجان الاقتراع إذا تهوروا واستهبلوا وحاولوا الاقتراب منها. وبعد أن تغيرت الدنيا للأسوأ وصارت الانتخابات مزورة من المنبع ولا يؤثر فيها على أى نحو وجود الناخبين (وربما المرشحين أيضا) من عدمه، فإن السذج أمثال العبد لله توقعوا أن السادة الذين يحكموننا بالعافية لن يحفلوا أو يشغلوا بالهم لحظة واحدة بهؤلاء الناخبين سواء حضروا أو ناموا فى بيوتهم أو حتى ماتوا كلهم، لأن النتائج مقررة ومعروفة ومخلوقة من العدم سلفا. غير أن واقع الأيام البمبى التى نعيشها الآن (بعد عودة «عيد الفن» على يد الأستاذ طلعت زكريا) أثبتت بالدليل «الفنى» القاطع أن ظنوننا وتوقعاتنا بشأن مصير إخواننا الناخبين المدعوين للانتخابات المزورة المقبلة ظنون خائبة وتوقعات غير صحيحة بالمرة ولا تستند إلى قراءة واعية وعميقة لطبيعة نظام حكم يكره صنف الشعب عموما، وخصوصا عندما يتحور بعض أفراده ويظهر الواحد منهم لسيادته بالليل والدنيا ضلمة على هيئة «مواطن ناخب» والعياذ بالله.. وإلا فما تفسير كل هذا السيل من تصريحات التهديد والوعيد التى بدأ كبار المسؤولين وأصاغرهم يطلقونها يوميا بينما هم يحذرون كل من يصدق دعوة المشاركة فى «مهرجان التزوير» المنتظر بأن الحكومة ومباحثها لن يترددوا فى وضع السيخ المحمى فى «سرسور ودن» أى تخين من المصريين لو حاول هذا التخين «استغلال الانتخابات» واستعمالها ك«طفَّاشة» ل«الخروج عن الشرعية» أو دخولها. ورغم أننى شخصيا حاولت كثيرا وفشلت فى معرفة أين ترقد الست شرعية هذه، فإننى وباقى المصريين كنا تعودنا وتعايشنا مع حقيقة أن الأخت «شرعية» عبارة عن شبح يشبه اللهو الخفى الذى يداهمك بالكوارث دون أن تراه، لكن صحيفة «الأهرام» الحكومية الغرَّاء فاجأتنا يوم الثلاثاء الماضى بتصريحات تحذيرية انتخابية قوية جدا قالها الرئيس مبارك وفهمت منها أن مدام «شرعية» لن تكون وحدها التى تتمتع بالصيانة والحماية فى «مهرجان التزوير» المقبل وإنما سيشاركها لهو خفى جديد يُدعَى «القيم»، إذ قالت الصحيفة حرفيا: «الرئيس حسنى مبارك دعا إلى اتخاذ إجراءات رادعة مع أى شخص يخرج على القانون والقيم خلال انتخابات مجلس الشعب المقبلة»! أما وزير الداخلية فكان سبق رئيسه فى التهديد والوعيد وتحدث فى حوار نشرته صحيفة «الأخبار» يوم الإثنين الماضى عما سماه «استغلال مناخ حرية التعبير فى تنظيم مظاهرات ومسيرات»! وأضاف سيادته: «أقول لمنظمى تلك المسيرات والمظاهرات إن أهدافكم واضحة، ودليل ذلك عدم تجاوب جموع الشعب معها أو الانضمام إليها، رغم جهود مكثفة ومضنية لمحاولة دعوة المواطنين أو تجميع كوادر سياسية شرعية، وضعا فى الاعتبار أن تحرك عناصر تنتمى إلى كيانات غير شرعية ولها نشاطها المجرم يضع هذه التحركات فى مجال المساءلة القانونية بصدد النشاط»! هل تسأل حضرتك الآن: يعنى إيه «بصدد النشاط»؟! الحقيقة ماعرفش، لكن بإمكانى توضيح الآتى لجنابك: أولا: النظام يحتفظ بترسانة «شرعية» و«قيم» تكفى لإبادة المصريين جميعا. ثانيا: نحن نتمتع ب«حرية تعبير» غير قابلة للاستخدام فى أى «تعبير». ثالثا: كما نتمتع ب«انتخابات» محصنة ضد أى ناخبين أو حتى مرشحين، ومن يحاول اقتحامها فسوف يقع حتما تحت طائلة «الصدد» أو «النشاط». أيهما أشد. (نُشرت فى صحيفة «الدستور» الأصلى بتاريخ 1 / 10 / 2010).