توجهتْ مسيرات المواطنين من جميع شوارع وأحياء القاهرة إلى ميدان التحرير بعد أن استجاب الناس لدعوة مظاهرات 25 يناير! مرت المسيرات فى الشوارع والمناطق الشعبية.. من دار القضاء العالى وشوارع وسط القاهرة، ومن دار الحكمة فى شارع قصر العينى، ومن إمبابة وشوارعها مرورا بالمهندسين وميدان مصطفى محمود، ومن وسط القاهرة إلى باب الشعرية وشارع الجيش ومنطقة العباسية. يهتف الجميع «يسقط يسقط حسنى مبارك» و«الشعب يريد إسقاط النظام» و«عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».. وسقط خوف الناس من قوى البطش والقهر والظلم.. وانضم الناس فى كل الشوارع إلى المسيرات القادمة إلى ميدان التحرير. .. وأصبح الميدان مليئا بالشعب الذى يريد إسقاط النظام، النظام الذى استبد وفسد وأفسد، واستكبر على الناس.. ولتبدأ الثورة. .. كان الشعب التونسى قد نجح فى ثورته العظيمة فى خلع مستبده زين العابدين بن على الذى هرب إلى السعودية فى 14 يناير، فأشعلت الثورة التونسية مشاعر المصريين ضد الاستبداد والفساد. .. ولم يتعظ النظام المصرى وظل على كبريائه ليرسل جحافل الأمن المركزى وأمن الدولة إلى الميدان فى ساعة متأخرة من الليل بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه.. وكانت المحافظات المختلفة تعج بالثورة.. وكانت السويس على أشدها ليسقط أول شهداء الثورة.. وتصر السويس على الثأر لشهيدها.. بالاستمرار فى الثورة. .. وحاول النظام فى اليوم التالى 26 يناير أن يقضى على روح الثورة لدى الشعب الذى لم يعد يخشى قهر وظلم أزلام النظام فى داخلية العادلى الذى كان يحتفل قبلها بيومين بعيد الشرطة وبرجاله الذين قهر بهم المصريين وحاول إذلالهم.. فى حضور الديكتاتور مبارك. .. وحاول أمن النظام وعصابة العادلى فى يوم 26 يناير أن يقضوا على الثورة بأى شكل.. فبدؤوا فى اعتقال أى شخصيات من الشوارع ومن يقترب من ميدان التحرير. لكن الناس قرروا أن يخرجوا وينتصروا لثورتهم.. ولن يعودوا. .. فكان هناك كرٌّ وفرٌّ بين الثوار ومخبرى الشرطة السريين الذين انتشروا فى أنحاء القاهرة.. وتحول سلم نقابة الصحفيين إلى بؤرة ثورية استمرارا لرسالتها عبر السنوات السابقة.. رغم تهكم البعض من كتاب وأتباع مبارك وسلطته «وبعضهم الآن تم تعيينه فى مؤسسات ومنظمات الدولة بعد الثورة.. فهم مع كل نظام». ورأيت ما جرى أمام نقابة الصحفيين من ضرب واعتقالات ومع هذا استمر الشباب فى الهتافات والتجمعات والمرور فى شوارع وسط القاهرة. .. وبدأ الإعلام المصرى الذى يشرف عليه أنس الفقى فى مهاجمة الثوار والمتظاهرين.. واتهامهم بالتخريب. .. وفوجئت بحلقة على التليفزيون المصرى من البرنامج الذى يقدمه رئيس قطاع الأخبار وقتها عبد اللطيف المناوى، وكان أحد ضيوفه الصديق الدكتور عمرو الشوبكى.. وكان حاضرا فى المناقشات انتصار ثورة تونس ضد الاستبداد والطغيان.. إلا أننى فوجئت بما ردده عبد اللطيف المناوى عن عمليات تخريب وإشعال النيران وحمل بعض الأفراد «شوال» من الطوب فى شارع رمسيس خلف التليفزيون.. فعقب انتهاء الحلقة تحدثت تليفونيا مع صديقى عمرو الشوبكى لمشاركته فى هذا البرنامج.. ودائما عند الشوبكى ردود مقنعة. واتصلت أيضا بعبد اللطيف المناوى وبيننا علاقة طيبة تاريخية، لأعاتبه على ما ذكره.. حيث ذكرت له أننى شاهد عيان على ما جرى ردا على ما ذكره من افتراءات.. وسألته عن المخرّف الذى ينعم بجلوسه فى شرم الشيخ ولماذا لا يخرج ليخاطب الناس، ويتخذ مما حدث فى تونس عظة وموعظة.. فأكد لى أنه ليس فى شرم الشيخ وإنما فى القاهرة.. ولن يخرج لمخاطبة الناس.. وانتقدته كثيرا فى التغطية التليفزيونية التى تحولت بمرور الأيام إلى ما رفعه المتظاهرون فى التحرير «الكدب الحصرى على التليفزيون المصرى».. واتفقنا فى النهاية على لقاء يوم السبت الذى لم يأت أبدا.. فقد كانت جمعة الغضب يوم 28 قبله.. التى كانت بداية انتصار الثورة. .. ويخرج الشعب الآن ضد الممارسات التى حدثت خلال عام كامل من الإبقاء على جميع المؤسسات ونفس الوجوه ونفس الأحزاب الفاسدة التى شاركت فى فساد الحزب الوطنى بما فيها حزب وفد السيد البدوى الذى أساء إلى تاريخ ومستقبل هذا الحزب.. وظلت الوجوه الإعلامية كما هى وتلونت وتدّعى أنها كانت مع الثورة مع أن كلامهم وبرامجهم تفضحهم.. وعادوا إلى ممارسة نفس أدوارهم لكن هذه المرة مع المجلس العسكرى. لكن الشعب ما زال يثبت أنه عظيم، وقد خرج ليس من أجل إحياء ذكرى الثورة كما كان يريدها «العسكرى» ومن يتحالف معه وإنما هى من أجل ثورته التى يسرقها الآن العسكر ومن معهم.. فقد خرج الشعب يهتف: ثوّار أحرار هنكمِّل المشوار.