أشعر بأننى أديت بعض الواجب عندما كتبت عن حسنى مبارك هذا المقال وهو فى السلطة عقب موقعة الجحش، وقد وجهت فيه الخطاب إلى السيدة زوجته، وسألتها إذا كانت تعلم أن زوجها الملياردير قاتل دموى.. وأحب اليوم فى مناسبة مرور عام على الثورة أن أعيد نشره مع إهدائه إلى صاحب فخامة آخر مسؤول عن قتل المصريين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء: «يبدو أن الكلمة التى ألقاها مبارك كانت تحوى كلمة سر مثل تلك التى كانت فى خطاب جمال عبد الناصر عند تأميم القناة عام 56، عندما ذكر كلمة «ديليسبس»، وبعدها انطلق الرجال ليسيطروا على مرافق القناة، ويتولوا القيادة بديلا عن الأجانب. وخطاب مبارك أيضا كان يحمل كلمة سر ما إن سمعها الشبّيحة والمجرمون من ميليشيات الحزب الوطنى حتى اندفعوا إلى ميدان التحرير فى موقعة الجحش الشهيرة، حيث قتلوا وجرحوا مئات من الشباب الصامد فى الميدان. وعلى أثر ذلك تم إبطال مفعول الشحنة العاطفية، وانقضى تأثير حقنة البنج التى تلقاها الناس فى خطاب الرئيس وبدؤوا يفيقون ويدركون فداحة أن يطمئنوا إلى وعود الرئيس الذى يريد أن يشترى وقتا إضافيا لترتيب الأوراق بثمن رخيص جدا جدا عند سيادته، وهو دماء أبناء مصر! عندما كان الإعلاميون يتشحتفون وينهنهون عقب الخطاب، وجدت نفسى أكاد أبكى من الحنق على حال الناس الطيبين الذين ابتلعوا الطُّعم. لقد كان أمس هو يوم الشهيد بميدان التحرير، وتم تأبين عدد من أقمار مصر من الشباب الأنضر من الورد البلدى الذين قتلتهم رصاصات وقنابل ومطاوى وأحجار السيد الرئيس، والذين معه من أصحاب المليارات. سألت نفسى: هل شاهدت السيدة سوزان زوجة الرئيس الملياردير وأم رجل الأعمال الملياردير وأخوه السياسى الملياردير صورة الشهيدة سالى مجدى زهران.. الفتاة الأحلى من البدر فى ليلة تمامه التى حلم والداها بيوم زفافها، فأرسلها الأخ حبيب العادلى صبى السيد الرئيس إلى الجنة بقرار فوقى صدر له فنفذه بمهارة يحسد عليها؟ وهل شاهدت الأم سوزان مبارك راعية الأمومة والطفولة دموع أم الشهيد رامى الذى تم اغتياله من أجل أن يظل سيادة الرئيس على الكرسى لستة أشهر أخرى؟ هل سمعت باسم الفنان الشهيد أحمد بسيونى الذى كان يحلم بالفن والخير والجمال ويرى مصر وطنا جديرا باحتضان مثل هذه القيم؟ هل شاهد الأمهات بكل بيت مصرى الفيديو الذى بثته «الجزيرة»، والذى تم تصويره من إحدى البلكونات فى الإسكندرية وفيه شاب أعزل يقف فى مواجهة قوات الأمن المسلحين بالرشاشات يطلب منهم أن يترفقوا بمصر؟ هل سمعت الأمهات صراخ البنات اللاتى كن يقمن بتصوير المشهد ولم يخطر ببالهن أن يطلق مجرم أثيم من ميليشيات أمن مبارك النار على الفتى فيخر صريعا فى الحال وسط صرخات البنات الهستيرية لهول المنظر مَن يعوّض أم هذا الشاب وأباه؟ مَن يعيد التوازن للفتيات اللواتى صورن المنظر وشاهدنه بكل الرعب والفزع والذهول؟ هل شاهد أعضاء المجلس القومى للمرأة من الهوانم الملتفات حول الهانم الكبيرة فى غدوها ورواحها صورة الشهيد أحمد إيهاب الذى تزوج من شهرين فقط وصرعته رصاصات الغدر يوم 25 يناير؟ هل شاهدن صورة القمر المغدور حسين طه الذى اغتاله رجال الرئيس بالإسكندرية يوم 28 يناير؟ هل شاهدن الطالب الجامعى عمرو غريب الذى ظن وهو يخرج فى مظاهرة سلمية أنه فى حماية مبارك فمات شهيد أفكاره البريئة؟ هل شاهدت الهوانم الشهداء إسلام بكير وكريم أحمد رجب ومحمد حسام الدين ومصطفى عبد الفتاح وأيمن على وغريب السيد ومدحت طاهر وحمادة لبيب ومحمد عاطف وغريب عبد العزيز ومصطفى محمود وسليمان صابر على ومحمد محروس ومحمد عماد حسن ومحمد راشد وكريم بنونة ومحمد عبد المنعم حسنين ومحمود سعيد هدية؟ هل سمع الوزراء وزوجاتهم من خدم الهانم اسم الشهيد سيف الله مصطفى البالغ من العمر 16 سنة فقط، الذى تم حرمانه من سبعين سنة كانت فى انتظاره بالحياة حتى يصبح فى سن الرئيس لولا أن فخامة الرئيس يريد أن يجلس معنا لستة أشهر أخرى؟! تحضرنى فى هذا الموقف المنظومة النثرية التى كتبها الشاعر والإعلامى زاهى وهبى بعنوان «فخامة القاتل»، التى وجهها إلى الرئيس اللبنانى عام 2005، عندما رآه يضحى بدماء الشباب، من أجل البقاء فى السلطة لفترة أطول: مَن التالى؟ مَن منا سوف يودّع مَن؟ وراء نعش مَن سوف نسير غدا؟ أى أم سوف تنزوى فى ثياب الحداد؟ أى زوجة سوف يطفح كيل حزنها وأساها؟ أى ابنة سوف تقطف وردة لروح أبيها؟ القتلى يشيّعون تباعا، والقاتل يحتفظ بابتسامته الصفراء. المفجوعون والمقهورون والحيارى يصلّون لراحة أنفس الضحايا والقاتل يحار: أى ربطة عنق سوف يرتدى هذا النهار؟ البلاد تسبح فى دموعها والقاتل يسبح فى حمام الحقد والكراهية والحسد. ينهض القاتل من نومه كل صباح ويرتدى ابتسامته كما يرتدى رابطة عنقه. الأرض تهتز من هول الجريمة والقاتل متشبث بكرسيه الهزاز. الإجرام ليس شكلا. ليس تقطيب حاجبين أو تكشيرة أسنان. الإجرام ذهنية. كل المجرمين والسفاحين والقتلة غلفوا جرائمهم بالشعارات، كلهم ادعوا العفة والطهارة. كلهم انتهوا إلى مزابل التاريخ أو أعواد المشانق. فخامة القاتل كفى.. ارحل».