انتشر الحديث بين الناس مؤخرا حول نهاية العالم، التى توقع أحد العلماء الأمريكان أنها ستكون يوم 26 سبتمبر القادم، بعد أن يتحرك مذنّب «إلينين» ليقف على خط مستقيم بين الأرض والشمس محدثا سلسلة من الزلازل والبراكين الكونية التى ستلتهم كوكب الأرض بأكمله. اكتملت الإثارة بالنسبة لى بعد أن تلقيت اتصالا من أحد الزملاء الصحفيين يقوم بعمل استطلاع يضم 20 شخصية، أراد أن يعرف ماذا سيفعل كل منهم يوم 26 سبتمبر القادم، لو أنه كان فعلا يوم القيامة.. وإليكم ما أخبرت الزميل بأنى أنوى فعله فى ذلك اليوم: سأنهض فى الصباح وقد زايلنى القلق على مستقبل الثورة مع شعور بالسعادة لأن كل من آذوا الثوار من شرطة مدنية وعسكرية، ومدوا إليهم الأيدى بالضرب والحناجر بالسباب، سوف يذهبون سريعا جدا إلى جهنم وسوف يحشرون مع أحبائهم الذين يؤدون لهم التحية مثل مبارك وولديه وحبيب العادلى ومن اتّبعهم.. بوساخة. بعد ذلك سأجلس فى المكتب لأداء واجبى وكتابة المقال اليومى دون أن أدرى هل يصل إلى القراء أم يكون التراب قد احتوانى وإياهم قبل الطبع، يلى ذلك أننى سأكافئ نفسى بإفطار أفتقده منذ مدة ولن ألقى بالا إلى قرحة المعدة ومقتضياتها، حيث إن كل الآلام على وشك أن تنتهى، وسأذهب إلى السيدة زينب لتناول واحد فول بالزيت الحار والشطة من عند الجحش، ولسوف أدوس فى البصل الأخضر وألتهمه غير عابئ بمن يتضرر من رائحته بعد أن فات أوان العتاب! بعد الإفطار سيكون النزول إلى قهوة أم كلثوم بالتوفيقية وهناك سأطلب شاى بحليب وأستمع إلى الست.. إلى الهانم الحقيقية أم كلثوم لا الهانم الحرامية زوجة اللص. عند الظهيرة سأتوجه إلى مقام سيدى وحبيبى الإمام الحسين الذى أنعم فى رحابه بصفاء لا حدود له، وسوف أبثه أشواقى وأملى فى أن ألقاه فى الجنة لأجلس فى حضرته وأسعد بلقياه.. وأنا بالمناسبة أعتقد فى دخولى الجنة، ذلك أننى لم أعمل طوال حياتى فى خدمة كلب ولا اتخذت القوادين أئمة، كما أننى لم أكتم الشهادة مطلقا.. أما ذنوبى فلم تعد تقلقنى بعد أن عشت وشفت مبارك وعصابته وقوات أمنه ورجال إعلامه السفلة، ولا أظن العادل العفو الرحيم يساوينى بأى وغد منهم. بعد الصلاة فى سيدنا الحسين سيكون الذهاب إلى السينما حفلة الساعة السادسة مساء التى يبدأ فيلمها الساعة السابعة ومع ذلك ما زالوا يسمونها حفلة 6! ومن السينما سأنطلق إلى ساقية الصاوى لأحضر العرض أيا يكون.. غناء.. موسيقى.. فن تشكيلى،لا يهم.. المهم أن أودع مكانا أحببته وقضيت فيه أوقاتا جميلة. عندما ينتصف الليل سأعود إلى البيت وأبدأ حفلة القراءة الليلية ولن تخرج عن أحد الكتابين الذين أقرأ فيهما حاليا وهما رواية الجبل الخامس لباولو كويلو، والجزء السادس من قصة الحضارة للمؤرخ العظيم ويل ديورانت. لن أودع أحدا من أصحابى أو أحبائى لأننى أعتقد أنهم سيدخلون الجنة وسألقاهم هناك، وبالتالى ليس هناك داع لتضييع الوقت معهم.. لكن علىّ أن أفكر فى أحد من المثقفين الذين أثق فى دخولهم جهنم يكون يستحق أن ألقاه وأودعه.. لا لا.. فى الحقيقة لا يوجد بين من آذوا الناس ونافقوا اللصوص وكتموا الشهادة وكانوا عونا للمجرمين من يستحق أن أودعه لأننى فى الحقيقة لن أفتقدهم.. سحقا لهم. بعد ذلك لو فاض وقت ولم تكن القارعة قد أتت بعد وكان التسونامى الرهيب الذى سيكنس الأرض ما زال أمامه بعض الوقت فإننى سأنزل إلى حافة جبل المقطم القريبة من مسكنى وسوف أجلس هناك وأمارس ما كتب عنه الشاعر الكبير محمد الماغوط، وقد خبرته وجربته شخصيا وهو: البكاء فى ضوء القمر.