سألتنى صحفية شابة: هل صحيح أنك قاطعت حفل خطاب أوباما فى جامعة القاهرة بسبب وجود السفير الإسرائيلى وعدد من الشخصيات الإسرائيلية ضمن الحضور، للحظات هزتنى نشوة النضال المجانى وهممت أن أترك لعيالى بعضًا من الفخار الوطنى، لكننى تذكرت أن ذلك الفخار سينكسر فور نشر كلامى وإرسال منظمى الحفل تكذيبا يفيد أنهم لم يعبرونى أساسا، قررت أن أرفع شعار «الصدق منجة» وقلت لها إننى ربما كنت الكاتب الوحيد الذى لم توجه له الدعوة لحضور الحفل. إذ يبدو أن الكمبيوتر واللى قاعدين عليه خلطوا بينى وبين الناشط الطلابى بلال دياب الذى وقف ليهتف فى نفس القاعة بوجه الدكتور أحمد نظيف «مصر حزينة يا ريس»، وربما ظنوا أننى سأنهض وأهتف بكلمة قبيحة بالإنجليزى فى وجه أوباما، أو أنى سأحرضه على تغيير خط سيره والذهاب لأبى أتاته ليرى حزن مصر على أصوله. قالت لى الصحفية: هل التجاهل ده زعلك؟، قلت لها: بالعكس لقد شاهدت الخطاب من على كنبتى وكأنى خليفة عباسى تتراص أمامه أطباق الشيبسى واللب الأبيض والسودانى والخوخ السكرى، ولم يكن ينقصنى سوى بعض الفالوذج واللوذج لتكتمل الرفاهية، (كنت أكذب كعادتى عندما يسألنى أحد عن استبعادى من مؤتمر أو برنامج أو حفل أو ندوة، فأظهر أننى لريب الدهر لا أتضعضع. بينما أكون بداخلى حزينا لأننى لا أعتقد أن أحدًا سويًا يمكن أن يتصالح مع شعور الآخرين بأنه خطر داهم). لم أقل ما بين القوسين للصحفية لكى لا تفهمنى خطأ، وفضلت أن تفهمنى أنت خطأ. جاء سؤالها التالى ليتضح أن الأسئلة السابقة لم تكن سوى فخ يمهد للسؤال الأم الذى تسعى إليه: «لو فرضنا أنك حضرت ودعيت إلى اللقاء الصحفى مع أوباما والذى دعى إليه الأستاذان فهمى هويدى ومجدى الجلاد. واكتشفت أن هناك صحفيا إسرائيليا مشتركا فيه، هل كنت ستقاطعه مثلما فعل الأستاذ فهمى، أم ستحضره مثلما فعل الأستاذ مجدى؟» فكرت أن أتبع سياسة «أنا رب إبلى ولمجدى الجلاد رب يحميه»، وأطلب حذف السؤال الذى تلقيته فى عدة إيميلات سألتنى لماذا أستمر فى الكتابة فى «المصرى اليوم» وأنا المعادى للتطبيع، قررت أن أوفر رأيى لكى أكتبه بإحكام، وقلت للصحفية إنها ستقرؤه مكتوبا لكى أضمن عدم اجتزائه، كتمت زعلها وقالت لى «طيب فى كلمة واحدة كنت هتعمل زى أستاذ فهمى ولا أستاذ مجدى؟»، فقلت لها «الشبكة بتقطع» وأقفلت السكة والتليفون فهمى نظمى رسمى. لم أكن أهرب من السؤال، كنت فقط ضجرًا من تكرار توجيهه لى عمال على بطال، كنت عقب الضجة التى حدثت قد حكيت لأستاذنا الكبير فهمى هويدى أننى كلما سألنى أحد عن رأيى فيما حدث أخذت أدافع عن موقف مجدى الجلاد عن قناعة، فيضجر من أحدثه ويسألنى ذلك السؤال الاختزالى لأجيب عليه صادقا «هاعمل زى فهمى هويدى وأروح بيتنا على طول»، بعدها عندما سألنى مجدى الجلاد عن رأيى كدت أقول له «كنت هاعمل زيك طبعا» لكى أريح دماغى. لكننى راعيت ضميرى وأعدت عليه ما قلته للأستاذ فهمى بالحرف، وخلاصته أننى لو حضرت الحفل ككاتب مستقل كنت سأقاطع اللقاء الصحفى برغم حبى لأوباما لأنه لا يوجد ما يجبرنى على تحمل المشقة النفسية لوجود إسرائيلى إلى جوارى، لكننى لو حضرته كصحفى يمثل جريدته فسأتحمل تلك المشقة وأحضر اللقاء متجاهلا وجود الصحفى الإسرائيلى وسأؤدى عملى وأنصرف، وهو ما يفعله كل يوم مئات المثقفين والأكاديميين والفنانين والصحفيين العرب الذين لا غبار على وطنيتهم عندما يمارسون أدوارهم فى المؤتمرات الصحفية والعلمية والطبية ومعارض الكتب ومهرجانات السينما والمنتديات الاقتصادية التى لا يعقل أن نقاطعها لوجود إسرائيليين فيها، لأن انسحابنا منها سيكون نصرا حقيقيا نقدمه مجانا لإسرائيل. لكننى فى نفس الوقت لو مد إسرائيلى يده إلى ليصافحنى لن أفعل، ولو فعلت لأننى لم أكن أعلم هويته وعلمتها بعد مصافحتى له لسحبت يدى فورا وسمّعته كلمتين بايختين وابتعدت عنه فورا، وربما اكتفيت بسحب يدى والابتعاد فورا وأنا أمتلئ ندما وغيظا، لا أدرى هل حدث لك موقف مماثل، لهذا إذا كنت قد خضت تجربة الإقامة خارج مصر، وفوجئت وأنت تجرى حوارا وديا مع شخص فى مطار أو فندق أو حتى حديقة ثم اكتشفت أنه إسرائيلى؟، لا أدرى هل صرخت فى وجهه فجأة أم رحلت من أمامه مسرعا أم تجمدت صمتا وذهولا؟ أنا عن نفسى حصل معى ذلك، فماذا فعلت؟ سأخبرك غدا. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]