ما زلت أتذكَّر وأنا طالبة فى السنة الدراسية الأولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عندما وجَّهت إلينا أستاذة العلوم السياسية، الدكتورة وفاء الشربينى، سؤالا حول طبيعة نظام الحكم فى مصر، ولم نتمكَّن من الإجابة، لأننا لم ندرس فى ذلك الحين نظم الحكم المختلفة، وبعد أن قامت الدكتورة وفاء بشرح الفرق بين نظم الحكم المختلفة، وجدنا صعوبة أكثر فى الردّ على التساؤل، هل نحتكم إلى الدستور وطبيعة العلاقة بين السلطات الثلاث أم ننظر إلى الواقع وإلى التطبيق الذى يعكس تركيز السلطة فى يد شخص واحد هو رئيس الجمهورية؟ وأضحى هذا الفارق بين النصوص الدستورية والواقع العملى محددا لى فى الحكم على الأنظمة العربية فى سنوات دراستى، خصوصا مع أستاذتى د.نيفين مسعد، وأتذكَّر محاضرتها الأولى لنا فى السنة الرابعة، وسؤالى لها عما إذا كنا سنقوم بدراسة الدساتير أم سنتطرق إلى التطبيق الفعلى؟ بعد ثورة يناير العظيمة، كان هناك اتجاه قوى لتبنّى النظام البرلمانى، خصوصا من جانب التيارات اليسارية وتيارات الإسلام السياسى، فلم تكن الأخيرة قد عقدت العزم على تقديم مرشح لها فى الانتخابات الرئاسية، وكانت هناك رغبة حقيقية فى تقليص سلطات رئيس الجمهورية بعد التجربة المريرة التى عاشتها مصر من تركز السلطة فى يد الرئيس وعدم محاسبته، ناهيك بشكل البرلمان الخاضع بشكل تام لحزب الرئيس، ومن ثمّ لم يكن هناك مجال للحديث عن رقابة حقيقية، وبعد مداولات عديدة ومع تقديم الإخوان المسلمين مرشحا رئاسيا، بدأ الحديث عن النظام المختلط، وهناك عدة تعريفات للنظام شبه الرئاسى، من أبرزها تعريف «Maurice Duverger» له بأنه النظام الذى يتضمن الآتى: وجود رئيس منتخب له مجموعة من الصلاحيات، ووجود رئيس وزراء لا يتم سحب الثقة منه إلا عن طريق البرلمان. ومع قيام لجنه الخمسين بإقرار نظام الحكم فى الدستور، كان هناك تياران، الأول كان يدفع تجاه تبنّى النظام البرلمانى، والثانى كان يرى ضرورة تبنّى نظام رئاسى، خصوصا بعد الإرهاب الذى تواجهه الدولة المصرية مع الوضع الاقتصادى المتدهور وضعف الأحزاب المصرية، وتم فى النهاية تبنّى النظام المختلط شبه الرئاسى على غرار دول كثيرة تبنّت هذا النظام فى أوائل التسعينيات فى إطار انتقالها إلى الديمقراطية، لكن سرعان ما مثل هذا النظام فيها انتكاسة للديمقراطية بدلا من ترسيخها، ويمكن الاطلاع على التجربة الروسية ومأزق النظام المختلط فى كتاب «ديمقراطيات فى خطر»، هناك أيضا مجموعة من المعايير تم وضعها لتجنب تبنى مثل هذا النظام، منها المعيار الاقتصادى، ومسألة الأغلبية والأكثرية فى البرلمان، وأخيرا فترات التعايش، وإذا ما نظرنا إلى الحالة المصرية نجد أن هناك رغبة حقيقية فى تقليص دور البرلمان والصلاحيات التى أعطيت له، خصوصا فى ما يتعلق بإعطاء الثقة للحكومة المختارة من جانب رئيس الجمهورية، فلم تتناول لائحة مجلس الشعب أى ضوابط لحالة رفض النواب للحكومة الجديدة، الأمر الذى تم النص عليه فى الدستور الحالى من قيام حزب الأكثرية باختيار رئيس الوزراء، لكن ما يحدث حاليا من رغبة البعض فى تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى يتمكَّن التحالف المؤيد للرئيس من استكمال مشاوراته، أو من خلال ما تم نشره عن غضب الرئيس من استفحال أزمة الكهرباء وإعطاء تعليماته للحكومة بسرعة التصرف على غرار ما كان يحدث أيام الرئيس الأسبق مبارك، حيث كانت الأمور تدار بشعار «بناء على تعليمات سيادة الرئيس»، أو من خلال الأحاديث حول المعارضة الطيّعة، أو من خلال ما تم نشره بجريدة «الشروق» يوم السبت الماضى حول اقتراحات بتعديل الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس، كل ذلك يضعنا أمام تساؤل حقيقى حول الفلسفة التى تم فى إطارها كتابة الدستور، وهل هناك رغبة حقيقية فى إعطاء سلطات إلى البرلمان القادم أم أن حالة البلد لا تسمح بذلك؟ وما تعريف المعارضة لدى القائمين على نظام الحكم؟ وكيف ينظر إليها خلال الفترة الحالية؟ وما فائدة الرقابة البرلمانية؟ وهل يجوز تعديل الدستور قبل العمل به وتطبيقه فعليا؟ وهل سيمثّل النظام المختلط عائقا حقيقيا أمام عملية التحول الديمقراطى؟ وبالنظر إلى الحالة الراهنة، وفى ظل غياب إصلاح مؤسسى حقيقى، فإن وجود نظام سياسى لا يضمن الاستقرار يعنى أنه فى حالة أى نزاع سياسى بين السلطات فإن تلك المؤسسات السياسية غير المستقرة أساسا قد تكون عُرضة للانهيار، ويفتح الباب أمام اختراق أى من التيارات السياسية لها، الأمر الذى يفقدها الحيادية.. وأخيرا فإن شخصية الرئيس وشعبيته لهما تأثير على عمل النظام المختلط، وفى حالة عدم حصول أى حزب على الأغلبية فى البرلمان، وهو الأمر المتوقَّع، فقد ينعكس ذلك على تدخل رئيس الجمهورية بشكل أقوى فى العملية السياسية.