موعد إعلان نتيجة ال19 دائرة الملغاة بالمرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب    حادث في بنها.. صبة خرسانية تسفر عن 8 مصابين بمبنى تحت الإنشاء    قرار هام من القضاء الإداري بشأن واقعة سحب مقررين من أستاذ تربية أسيوط    قصة البابا ثاؤفيلوس البطريرك ال23 المثيرة للجدل    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    استقرار أسعار الخضراوات داخل الأسواق والمحلات بالأقصر اليوم 7 ديسمبر 2025    وزير المالية مع طلاب جامعة النيل: شغلنا الشاغل زيادة موارد الدولة لتحسين حياة الناس «بقدر المستطاع»    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    وزير الاتصالات: إطلاق خدمة التحقق الإلكترونى من الهوية يناير المقبل    «زكي»: 40.614 مليار دولار صادرات مصر من السلع غير البترولية خلال 10 أشهر    تحديد مستندات صرف تعويضات الصندوق الحكومي لتغطية أضرار حوادث مركبات النقل السريع    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    وزير الخارجية يبحث تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي    هزتان ارتداديتان قويتان تضربان ألاسكا وكندا بعد زلزال بقوة 7 درجات    سحب الجنسية الكويتية من الداعية طارق السويدان    تقارير: الدورى السعودي يستعد لاستقطاب محمد صلاح براتب أكبر من رونالدو    جيش الاحتلال يكثف عمليات هدم الأحياء السكنية ويوسع "الخط الأصفر" في قطاع غزة    القوات الروسية تسقط 77 طائرة مسيرة أوكرانية الليلة الماضية    ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سائحين بالهند    الحضري: تأهل مصر في يدها.. وجميع الحراس على أعلى مستوى    محمد السيد يتوج بذهبية كأس العالم للسلاح بعد اكتساحه لاعب إسرائيل 15-5    موعد مباراة ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    تعرف علي تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    الإدارية العليا تبدأ نظر 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب    كثافات مرورية للقادم من هذه المناطق باتجاه البحر الأعظم    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 20 درجة    ضبط 16 طن زيت طعام في 5 مصانع غير مرخصة ب3 محافظات    الأمن يضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل ترويجها بالسوق السوداء    اليوم.. مي عمر في جلسة حوارية ب مهرجان البحر الأحمر 2025    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا بمحافظات الجمهورية خلال نوفمبر الماضي    محمد قناوي يكتب: فيلم «الست»..تفكيك أسطورة أم كلثوم    بسام راضي، الأكاديمية المصرية للفنون بروما تحتفل بيوم الخط العربي    روجينا تبدأ تصوير مسلسل "حد أقصى" وتحتفل بأولى تجارب ابنتها في الإخراج    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية    مستشفى كرموز تجح في إجراء 41 عملية لتغيير مفصل الركبة والحوض    وزارة الصحة توضح أعراض هامة تدل على إصابة الأطفال بالاكتئاب.. تفاصيل    تعليمات من قطاع المعاهد الأزهرية للطلاب والمعلمين للتعامل مع الأمراض المعدية    هل تعلم أن تناول الطعام بسرعة قد يسبب نوبات الهلع؟ طبيبة توضح    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    النشرة المرورية.. زحام على الطرق الرئيسية فى القاهرة والجيزة    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    نائب ينتقد التعليم في سؤال برلماني بسبب مشكلات نظام التقييم    وزير الرياضة يهنئ محمد السيد بعد تتويجه بذهبية كأس العالم للسلاح    نظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    المتهم بقتل زوجته فى المنوفية: ما كنش قصدى أقتلها والسبب مشاده كلامية    رئيس جامعة حلوان: منتدى اتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية منصة لتبادل الخبرات    نظر محاكمة 9 متهمين بقضية خلية داعش عين شمس اليوم    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    كأس العرب.. مدرب الإمارات: أنا محبط    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروشتة الماليزية.. حكاية شعب آمن بشعار «ماليزيا أيضا تستطيع»
نشر في التحرير يوم 28 - 08 - 2014

وفقا لبيانات البنك الدولى فإن ماليزيا، الدولة ذات الدخل أعلى من المتوسط، صنعت ما اعتبره البنك أداءً مذهلا، إنها شهادة تبدو مهمة خصوصا إذا كانت بحقّ دولة كانت شديدة الحذر فى ما يتعلَّق بالاستدانة من المؤسسات الدولية وتبنى شروطها فى أوقات كثيرة، بل وما زال مسؤولوها السابقون يوجِّهون كخبراء نصيحتهم إلى الدول النامية بأن تكون على حذر مماثل فى التعامل مع مثل تلك المؤسسات الدولية المانحة.
لقد أشاد البنك الدولى بتجربة ماليزيا وما زال، بأنها سجَّلت متوسط نمو أعلى من 7% خلال 25 عاما، ونجحت فى خفض نسبة الأسر التى تعيش تحت خط الفقر بها من 50٪ فى عام 1960 إلى أقل من 2% الآن. لقد تطور اقتصادها بشكل مذهل من الاعتماد على الزراعة وتصدير المواد الخام إلى الصناعة، وقد أخذ اقتصادها فى التوسع فى مجالات التجارة وصناعة التكنولوجيا حتى أصبح واحدا من أبرز الاقتصاديات فى شرق آسيا، بعد أن نجح فى تنويع مصادره واستغلال كل الإمكانات المتاحة أمامه لتحقيق معدّل نمو عالٍ، وتقليل معدل الفقر فى البلاد. إنها نظرة على تجربة أخرى (من الشرق) تقدمها جريدة «التحرير»، وربما تستحق قليلا من النظر والتأمل والدراسة.
الاستقلال أولا.. وقبل أى شىء
ماليزيا هى دولة تقع فى جنوب شرق آسيا مكوَّنة من 13 ولاية و3 أقاليم اتحادية، بمساحة كلية تبلغ 329، 845 كم2، والعاصمة هى كوالالمبور، فى حين أن بوتراجايا هى مقر الحكومة الاتحادية. يصل تعداد السكان بها إلى 29.7 مليون نسمة، وجغرافيا تنقسم إلى قسمين يفصل بينهما بحر الصين الجنوبى، هما شبه الجزيرة الماليزية وبورنيو الماليزية المعروفة أيضا باسم «ماليزيا الشرقية»، يحد ماليزيا كل من تايلاند وإندونيسيا وسنغافورة وسلطنة بروناى. عمليا لم تكن لماليزيا دولة موحّدة حتى عام 1963، قبل ذلك كانت بريطانيا تفرض نفوذها على مستعمرات الهند وجنوب شرق آسيا حتى أواخر القرن الثامن عشر. وقد تكوّن النصف الغربى من ماليزيا الحديثة من عدة ممالك مستقلة. عرفت هذه المجموعة من المستعمرات باسم «مالايا البريطانية»، حتى جرى حلها عام 1946 وإعادة تنظيمها ضمن اتحاد الملايو. لقد حصلت ماليزيا على الاستقلال فى وقت لاحق فى 31 أغسطس 1957، وقد دمجت كل من سنغافورة، ساراواك، وبورنيو الشمالية البريطانية واتحاد مالايا جميعها لتشكّل ماليزيا يوم 16 سبتمبر 1963. وقد شابت تلك الصيغة فى السنوات التالية كثيرا من التوترات داخل الاتحاد الجديد، أدت إلى نزاع مسلح مع إندونيسيا، ومن ثمّ خروجها، وكذلك طرد سنغافورة فى 9 أغسطس 1965.
أزمة ما بعد الاحتلال
يرى مؤرخون ماليزيون أن بريطانيا شأنها شأن أى دولة احتلال قد تركت وضعا بائسا فى بلادهم بعد رحيلها، أبرز سماته كانت حالة الاحتقان العرقى التى كانت سائدة وقتها فى ماليزيا، ففى عهد الاحتلال الإنجليزى تحوَّلت ماليزيا من مجتمع شبه متجانس إلى مجتمع متعدد الأعراق، وذلك بسبب العمال الوافدين الذين جلبتهم شركة «الهند الشرقية» من الصين والهند وإندونيسيا (هى شركة أسسها التاج البريطانى ومنحها سلطات احتكارية على تجارة الهند وجميع مستعمراتها فى جنوب شرق آسيا، وقد تحولت الشركة من مشروع تجارى إلى مؤسسة تحكم جميع الولايات والمستعمرات البريطانية فى المنطقة).
وخلال تلك الفترة كان داخل ماليزيا ما يشبه حالة الفصل العنصرى، فصلا فى المجتمعات والقطاعات الاقتصادية التى تعمل فيها تلك الأعراق المختلفة، فالمالاى مثلا كانوا يعملون بالزراعة فى المناطق الريفية، أما الهنود فكانوا يعملون فى مجال العقارات، بينما كان الصينيون يعملون فى قطاع الأعمال، وبعد الاستقلال كان المالاى المسلمون يمثِّلون ما نسبته 65%، بينما مثل الصينيون 26%، ومثل الهنود 8٪، ومثّلت الأقليات الأخرى 2%.
لم تكن تلك المشكلة العرقية هى المشكلة الوحيدة فى ماليزيا ما بعد الاحتلال البريطانى فحسب، فمع بداية الاستقلال كانت البلاد تتصف بمعدل مرتفع جدا من الفقر والبطالة، ومع تزايد عدد السكان لم يكن فى استطاعة «القطاعات» (المطاط ومناجم القصدير) سوى توفير عدد ضئيل من فرص العمل، وبغير خلق فرص عمل للماليزيين كان من الممكن أن يتحوَّل الاستقلال إلى استقلال لا معنى له، وتغزو المشكلات الاجتماعية الدولة وتحولها النزاعات العرقية إلى برميل من البارود قابل للانفجار فى أى لحظة.
ليسوا اشتراكيين ولا رأسماليين
وإن كان البعض يرى أن اتجاه ماليزيا لم يكن بمنزلة خروج عن المألوف بقدر ما كان اتجاها نحو الافتتاح الاقتصادى والسوق الحرة، يؤكِّد مهاتير محمد، فى إحدى المحاضرات التى ألقاها فى كلية الاقتصاد بجامعة «أواتاوا» فى ماليزيا، عدم اتّباع ماليزيا نهجا أيديولوجيا بعينه: «نحن لسنا اشتراكيين ولا رأسماليين فى ماليزيا، الحقيقة أننا عمليون، نختار أى نظام نجده أنسب لمجتمعنا، هناك تجارة حرة، لكن هناك قواعد وضوابط وقوانين للتأكد من أن التجارة الحرة لا تؤدى إلى استغلال العمال أو أسواق الرأسماليين».
ويضيف فى نفس المحاضرة: «لا تتبع إدارة الاقتصاد الماليزية أى أيديولوجية أو حتى نظرية اقتصادية تقليدية، إنها أكثر حرية من الاقتصاد الرأسمالى، وهى ليست بدرجة تصلب الاقتصاد الاشتراكى أو الشيوعى فى ما نتمتَّع به من مقاربة. إذا كانت هناك مقاربة تناسب احتياجاتها فى وقت ما نتبنَّاها، وإذا لم تعد تلك المقاربة مناسبة أو لم تعد تؤدى الغرض نتركها لمصلحة مقاربة جديدة أو معاكسة تماما أو خليط من المقاربات الأيديولوجية من الأيديولوجيات المختلفة».
الاهتمام بالبنية التحتية.. من أجل التصنيع
لقد لعب الاهتمام بالبنية التحتية دورا كبيرا فى التنمية الاقتصادية فى ماليزيا، فلم يكن لأحد أن يستثمر إذا لم تكن هناك طرق جيدة وسكك حديدية وموانٍ جوية وبحرية لخدمة الاقتصاد. وهو ما أدركه الماليزيون وأولوه اهتماما بالغا، ومع مرور الوقت تمكَّن الماليزيون من امتلاك بنية تحتية جاذبة للاستثمار، وتدريجيا أصبح لديهم القدرة على استثمار وتصنيع كل شىء تقريبا مما يصنعه المستثمرون الأجانب، بما فى ذلك المنتجات الإلكترونية.
يعطى مهاتير محمد مثالا عن هذا فى صناعة البترول مثلا، حالة «بتروناس» الشركة الوطنية للبترول، صاحبة البرجين الأشهرين فى جنوب شرق آسيا، ويقول: «لم تقم الشركة بجمع الإتاوة والأرباح من المشاركة فى الإنتاج، لكنها قامت أيضا بتعلم كل ما يمكن تعلّمه من صناعة البترول، من التنقيب إلى الإنتاج إلى تسويق المنتجات حول العالم، والشىء نفسه أيضا فى الصناعات البتروكيماوية. اليوم تعمل شركة (بتروناس) فى أكثر من 30 دولة فى كل فروع أعمال البترول، وأصبح اسمها فى قائمة (فورتشن 500) (قائمة أكبر الشركات بالعالم)».
وفى سعى لتسريع نمو الاقتصاد، قامت الحكومة بخصخصة كثير من المرافق والهيئات والشركات الحكومية، وهنا فرضت الإدارة الماليزية شرطين للخصخصة كى تتم وفقا لما تراه فلسفة رشيدة لا تهدر حقوق العمال، يتمثَّلان فى الآتى:
1- لا يمكن الاستغناء عن العاملين إلا بموافقتهم، ويجب حينئذٍ دفع مكافأة مجزية لهم.
2- يجب أن لا يكون مستوى المرتبات والمزايا للشركات الخاصة أقل مما كان عليه إبان ملكية الحكومة لها إذا أمكن أن يكون أفضل منه.
ويقول مهاتير فى تقييمه لبرنامج الخصخصة الماليزى: «لقد أسهمت الخصخصة فى الإسراع فى تنمية الدولة، لأن القطاع الخاص أصبح يبنى كثيرا من حاجات البنية التحتية بالطرق السريعة وخدمات الاتصال التليفونية الحديثة، ومحطات الطاقة.. أصبح ما تنفقه الحكومة على مشروعات البنية التحتية دون عائد مباشر يذهب إلى التنمية».
شعار التمسك بالحلم«ماليزيا أيضا تستطيع»
وفى كلمة ألقاها مهاتير محمد، أمام منتدى جدة الاقتصادى فى عام 2004، قال: «للحاق بالدول المتقدمة يجب أن يتمتع الماليزيون بالثقة فى النفس.. إنهم يتلقون تشجيعا للقيام بأى شىء قام به الآخرون أو يستطيعون القيام به، وأن يقوموا به بشكل أفضل. قام بحَّار ماليزى بالإبحار منفردا حول العالم محققا رقما قياسيا عالميا، تسلَّق الماليزيون قمة جبل إفرست، وهبطوا بالمظلات على القطب الشمالى، وقاموا بالسباحة فى النقال الإنجليزى (المانش)، إلخ.. بالنظر إلى أن ماليزيا تقع فى المنطقة الاستوائية فإن هذه الأعمال تمثل تحديا أكبر، وتساعد على إقناع الماليزى بأنه لا يقل عن أى إنسان آخر، فتم إطلاق شعار (ماليزيا بوليه) أو (ماليزيا تستطيع)، أى أن ماليزيا والماليزيين يستطيعون فعل أى شىء يفعله الآخرون. لقد ساعد ذلك الماليزيين على مواجهة أى تحديات سواء على مستوى الفرد أو الأمة. يحفظ دفتر ماليزى كل الإنجازات التى قام بها الماليزيون».
2020 هى خطة اقتصادية ل30 سنة.. لا تحدد الهدف فقط لكن الاستراتيجيات والخطوات
اكتساب المعرفة الإدارية والتقنية ونقلها
لقد اختبرت الأزمة المالية فى آسيا قدرات الماليزيين، لقد اكتسبوا معرفة مكنتهم ليس فقط من التغلب على التراجع المالى، ولكن أيضا من إدارة تنمية الدولة دون الاعتماد الزائف على السلف الخارجية. وهنا يقول مهاتير محمد: «لقد استلفنا فقط بقدر ما نستطيع أن نرد بالتوازى مع نمو ماليزيا اقتصاديا، اتفق كثير على بناء الطرق وقنوات الرى والمطارات والموانى ومحطات المياه والطاقة. يسهم بناء كل ذلك فى العمالة والأعمال إلى النمو الاقتصادى، بعد تشغيلها تساعد هذه الأعمال على خفض تكلفة المعيشة وتشجيع الأعمال وتحسين مستوى المعيشة».
وبمرور الوقت وتراكم رأس المال وأيضا الخبرات المحلية أصبح كثير من مكونات المنتجين التى تصنعها الشركات الأجنبية تنتج محليا بأيدى صناعات مملوكة للماليزيين، تستطيع الشركات الماليزية اليوم تصنيع غالبية المنتجات التى بدأت تصنيعها شركات مملوكة للأجانب، يستثمر الماليزيون اليوم فى الدول الأجنبية فى تصنيع منتجات ابتداءً من الأجهزة المنزلية إلى الشرائح الإلكترونية. لقد أصبحت القدرة والمعرفة للماليزيين مساوية تقريبا للمستثمرين والصانعين الأجانب.
لقد أصبحت ماليزيا اليوم دولة صناعية، يقلّ اعتمادها على الاستثمار الأجنبى المباشر أكثر فأكثر، بينما أصبح شعبها يمتلك رأس المال للاستثمار ولإدارة التصنيع، لذلك فبعد أن كانت صادرات ماليزيا عام 1981 من المواد الخام 5 مليارات دولار، بلغت قيمة صادرات الإلكترونيات فقط 100 مليار دولار فى عام 2003.. إنها نسبة كاشفة وبحق عما جرى فى تلك الدولة.
بريطانيا تركت ماليزيا فى وضع بائس أبرز مشكلاته الاحتقان العرقى والفقر والبطالة
مهاتير محمد: لسنا اشتراكيين ولا رأسماليين.. نحن عمليون نختار نظامًا مناسبًا لمجتمعنا
20% من الموازنة الماليزية مخصَّصة للتعليم.. ونسبة البطالة وصلت إلى 3%
المشروع الوطنى للتعليم
لقد بدأ المشروع الوطنى للتعليم بالاستماع إلى المعلمين وأولياء الأمور والطلاب والاستعانة بخبرات أجنبية وعقد اجتماعات ومنتديات للحصول على آراء الجميع فى نوعية التعليم الذى يريدونه، 20٪ من الموازنة الماليزية مخصصة للتعليم، وتم توجيه استثمارات ضخمة فى التعليم وفى تطوير المدارس وكفاءة المعلمين، بحيث تحوَّل التعليم فى حدّ ذاته فى ما بعدُ إلى قطاع للاستثمار حتى أصبح لدى الماليزيين واحد من أهم محاور الاستثمار فى التعليم فى جنوب شرق آسيا. ما يزيد على عشرين جامعة حكومية، ونسبة تقترب من المئة فى المئة فى ما يتعلق بالطلبة المنخرطين فى التعليم الأولى، بالإضافة إلى عدد من فروع أشهر الجامعات فى العالم، وهؤلاء يأتون للاستثمار فى قطاع التعليم فى ماليزيا ثقة فى اقتصادها. ومع تطور مستوى التعليم انتشرت فكرة «المعامل» لإيجاد الحلول للمشكلات التى تواجه ماليزيا فى مجالات عدة، حيث تتولى مجموعة من المتخصصين داخل غرف مغلقة العمل فترات طويلة فقط على إيجاد حلول ما لأزمة ما لديهم، وهناك معامل فى السياحة، وتجارة الجملة، والبترول والتعليم والطاقة، إلخ.. أما نتاج تلك المعامل فيكون عرضة للنقاش والدراسة فى منتديات أوسع بعد الانتهاء من إخراج الحلول.
هل نجحت ماليزيا فى أن تخلق تعايشا للثقافات؟
بعد استقلالها عن إنجلترا كان الوضع فى ماليزيا معبرا عن حرمان لأغلبية السكان الماليين، فأغلبهم كما قلنا كانوا يعملون بالزراعة فى حين تعمل الأقليات الأخرى من الصين والهنود فى مجال لأعمال العقارات، ورغم أن المالاى كانوا يمثلون الأغلبية فإنهم كانوا الأكثر معاناة وفقرا، لقد بدأ الأمر بأنه لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل كثيرا، خصوصا بعد أعمال الشغب العرقية التى انفجرت فى 13 مايو عام 1969، والتى عبرت عن غضب إزاء استمرار الأوضاع كما هى، ولقد سعت الحكومة بعد ذلك لتبنى سياسة تمييز إيجابى لصالح الأغلبية غير الممكنة، وأطلق رئيس الوزراء الأسبق عبد الرازق حسين، الملقَّب ب«أبو التنمية»، سياسات اقتصادية جديدة أثارت جدلا واستهدفت زيادة حصة «السكان الأصليين» (أغلبية شعب المالايو) بالمقارنة مع غيرها من الجماعات العرقية، وقد حافظت ماليزيا منذ ذلك الحين على توازن عرقى وسياسى دقيق، مع نظام حكم يحاول الجمع بين التنمية الاقتصادية الشاملة والسياسات الاقتصادية والسياسية التى تعزز المشاركة العادلة لجميع الأعراق المشكلة للبلاد، وهنا يرى مهاتير محمد أن «ما مكّن الثقافات المختلفة فى ماليزيا أن تستمر وتتعايش هو روح التسامح والعملية التى يظهر بها الجميع، يعلم الماليزيون أن أى محاولة لفرض ثقافة واحدة سوف تؤدى إلى ضيق وعدم تعاون، وربما مواجهة عرقية. ستصبح الدولة فى هذه الحالة غير مستقرة وغير قادرة على النمو.. إننا نعتقد فى ماليزيا أنه من الأفضل أن تكون لك قطعة من كعكة تكبر عن أن تكون لك كعكة كاملة تنكمش، لقد أدى التسامح إلى أن تصبح ماليزيا آمنة ومستقرة. هكذا أصبح النمو الاقتصادى سريعا وكبر نصيب كل شخص بكثير من ثروة البلاد الاقتصادية الأصلية».
لا تتبع ماليزيا وصفة للتكامل الثقافى أى قاعدة جامدة وسريعة، وكلها نتيجة لطريقة تجاوب تجاه مواقف معينة، لو كان الماليزيون جامدين وغير راغبين فى تعديلات لما أصبح تكامل الثقافات ممكنا.
بينما لا يمكن أن تطبق وصفة ماليزيا على كل الدول ذات السكان متعددى الأعراق، فلا شك أن روحا من السماحة يمكن أن تساعد على التكامل الثقافى، فلا تعلو ثقافة على الأخرى يجب اعتناقها بأى ثمن.
فى النهاية ينبغى التأكيد أن تجربة ماليزيا فى تحقيق تطور اقتصادى ليست تجربة خالية من السلبيات أو العيوب، خصوصا إذا تحدَّثنا عن مناخ الحريات ومظاهر الطائفية التى ما زالت قائمة ومتمثلة فى الأحزاب العرقية، وعدد من الإجراءات غير الديمقراطية التى تبدو أن حكومات قد انتهجتها فى وجه من رأتهم خصومها، بالإضافة إلى ما تسجله تقارير دولية عن عدد من العقوبات التى قد تجدها ما زالت قائمة هناك مثل الجلد والضرب وغيره، بالإضافة إلى سلبيات تجربة تمكين المالاوى التى قادت ربما الآن إلى احتياج فئات أخرى فى المجتمع من الأقليات أصبحت فى حاجة إلى أن تمكن هى بعد أن جرى تمكين المالاوى على حسابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.