حسنٌ، أسفرت الانتخابات البرلمانية عن مجلس شعب بأغلبية إسلامية. من حق القوى المدنية إذن أن تتوجس وتقلق على الطابع المدنى للدولة وتترقب ما سيشرعه المجلس. ومن حق القوى الإسلامية التى حازت أغلبية أن تمارس صلاحياتها البرلمانية التى منحها إياها الشعب فى انتخابات، أيا كانت الملاحظات على هذه الانتخابات. ففى كل الأحوال كانت أغلبية الحزب الوطنى المنحل تمارس صلاحياتها البرلمانية ضد الشعب عبر انتخابات تخلو من أى مظهر ديمقراطى وتعرف نتائجها حتى قبل فتح باب الترشح. المجلس الذى ينعقد اليوم لأول مرة بعد ثورة 25 يناير مهما كان الجدال حوله هو المجلس الموجود بالفعل. وبالنظر إلى أنها المرة الأولى التى ينعقد فيها مجلس الشعب بعد الثورة، والمرة الأولى أيضا التى تشهد الأجيال الحالية فيها مجلس شعب جاء عبر انتخابات حقيقية أيا كانت الملاحظات عليها، سواء عدم إعطاء فرصة للقوى السياسية الجديدة لتنظيم صفوفها عقب الثورة أو استخدام الدعاية الدينية والتأثير بها على أصوات الناخبين أو أى ملاحظات أخرى. من الذى ينبغى أن يتوجس ويقلق اليوم القوى السياسية المدنية وأحزابها التى تخشى على الطابع المدنى للدولة. هناك حقيقة لا ينبغى لأحد تجاهلها، أن البرلمان الإسلامى أو أى سلطة أخرى لا تستطيع أن تعتدى على الطابع المدنى للدولة إلا إن وجدت استجابة شعبية وتأييدا كافيين لذلك، وإذا كان هناك تأييد شعبى لدولة دينية فينبغى النزول على رغبة الأغلبية مع الحق الكامل للأقلية فى المعارضة حتى تتغير الأغلبية وتتغير موازين القوى وفق آليات الديمقراطية. لا يوجد داعٍ للذعر والخوف من تشكيل برلمان بأغلبية دينية. بل العكس، من عليه أن يتوجس اليوم ويقلق هو من حصل على الأغلبية بالبرلمان وانعقدت له الشرعية وعُقدت عليه الآمال. أول مؤسسة منتخَبة شعبيا بعد الثورة تتسلم مع التهنئة بالفوز ملفات وملفات بعضها يوشك على الانفجار وبعضها انفجر بالفعل. لا توجس ولا ريبة من البرلمان الإسلامى، بل على العكس تهنئة وترحيب بالمجلس المنتخَب ومعها سؤال ومطالب ينتظرها الناخبون الذين لم يملّوا من الوقوف فى طوابير الانتخاب وانتظروا لساعات حتى يضعوا الأصوات التى يفخر بها الجالسون تحت قبة البرلمان. أصوات الناخبين هذه المرة لم تكن مدفوعة مقدما أو مشتراة حتى يعتبر النائب أن مقعده ملك له وأنه سدد قيمته رشاوى انتخابية ولم يعُد لأحد الحق فى مساءلته حول أدائه البرلمانى. المجلس المنعقد صبيحة الثالث والعشرين من يناير قبل ثمانٍ وأربعين ساعة من انصرام العام الأول للثورة المصرية مدين بالكامل لهؤلاء الناخبين الذين فرغوا من طوابير الانتخاب ليقفوا فى طوابير أنبوبة البوتاجاز وطوابير محطات البنزين وطوابير الخبز المدعوم وطوابير البطالة وطوابير تعويضات المصابين وأسر الشهداء. هؤلاء يدين لهم أعضاء البرلمان بالجلوس تحت القبة وممارسة صلاحياتهم البرلمانية، وبالطبع يتوقع هؤلاء من برلمانهم المنتخب أن يعالج بعضا من تلك الأوضاع التى يعانون منها. لا يمسك البرلمان بالطبع عصا سحرية ليحل كل الأزمات دفعة واحدة. ولكن العديد من الأمور لا يحتاج إلى عصا سحرية. يحتاج فقط إلى العدالة. فتوفير أنبوبة بوتاجاز ورغيف خبز ولتر وقود لا يحتاج إلى أى معجزة. وإعمال العدالة ضد من صوبوا السلاح فى وجه الشعب وقتلوا وأصابوا يمكن أن يتحقق دون عصا سحرية، وتطهير المؤسسات من رموز الفساد وقيادات الحزب الوطنى وتولية من يستحق من الكفاءات لا يحتاج إلا إلى الإرادة. الكثير من الأمور يستطيع البرلمان المنتخب أن يطرحه معبرا عن طموحات وآمال ناخبيه الذين تصدوا ببسالة للفلول ومنعوا برلمان مبارك من العودة تحت القبة. حتى إن لم يستطع نواب الشعب إحراز النجاح المأمول نظرا إلى المعوقات التى بالتأكيد ستقف أمامهم سيكون صدق محاولاتهم محل تقدير ودعم من الجميع. إن مشهد حصار برلمان مبارك فى مايو 2010 ومحاولة اقتحامه قبل الثورة سيظل ماثلا أمام المجلس المنعقد. إن عمال الشركات المبيعة والحاصلة على أحكام بالعودة لا تنفذ وأهالى الشهداء والمصابين وأهالى المحبوسين فى قضايا عسكرية والفلاحين الذين يريدون السماد وسائقى التاكسى الذين لا يمكنهم سداد الأقساط وأصحاب المعاشات الذين يبحثون عن أموال التأمينات وغيرهم... سيهنئون أعضاء المجلس بالفوز ثم يرفعون مطالبهم ثم يحتجون ثم يحاصرون البرلمان، وإما أن يحصلوا على حقوقهم، وإما الويل للمنتصر.