على مدار الأسبوع الماضي، كانت كل العيون العبرية والغربية والعربية باتجاه مصر العربية، ترقب مسار التجربة المصرية الجديدة والمثيرة للاهتمام والاحترام معاً، وتقرأ نتائج نهاية المرحلة الأولى وبداية الثانية لأول انتخابات برلمانية حرة بعد ثورة يناير الشعبية بمشاركة غير مسبوقة في التاريخ المصري، وترصد ما يجري فيها من تحولات ديمقراطية بدلالات معبرة، وما سينتج عنها من تداعيات مؤثرة لمصر في محيطها العربي والإسلامي والدولي. عبرياً، سيطر الخوف العلني على المسؤولين الصهاينة من تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي المصري بالديمقراطية الجديدة، إلى الحد الذي دفع نتنياهو في ظل العزلة الإسرائيلية الخانقة أن يقول بصلف: «إن إسرائيل لن تسمح للإسلاميين بالوصول إلى حكم مصر»، بما يضع الأصوات المشابهة في مصر في موقف حرج، وإذا كان الخوف الصهيوني من تأثير ذلك في مصير المعاهدة المصرية الإسرائيلية مبرراً، فإن الإسلاموفوبيا مصرياً مرض غير مبرر. وغربياً، ساد الخوف المكتوم الدوائر الغربية، وعكسته بوضوح أجهزة إعلامهم المأزوم، فتخلت عن حيادها المزعوم، قلقاً من استعادة مصر الدولة بالديمقراطية لذاتها الوطنية ولدورها الإقليمي الفاعل في المنطقة، وانزعاجاً من فشل مشروع الشرق الأوسط الصهيو أميركي وتحوله، بانقلاب السحر على الساحر، مع فوز التيار الإسلامي في دول إفريقيا العربية إلى مشروع الشرق العربي الإسلامي. وعربياً، اختلطت المشاعر بالتفهم والترقب معاً للموقع الذي سيختاره الشعب المصري سياسياً واقتصادياً واجتماعيا في الانتخابات الجارية بإرادته الحرة، وللتوجه الذي ستنهجه السياسة الخارجية المصرية تجاه القضايا المتفجرة والمحاور المتقاطعة بفعل التدخلات الغربية، وما يتبعه من تغيرات في موازين القوى الجديدة في المنطقة، وذلك بطبيعة الواقع والموقع، والمكان والمكانة المصرية. ومصرياً، فإن الشعب المصري الذي ثار وأعاد اكتشاف نفسه من جديد في الميدان بمشاركة كل أجياله وطوائفه وتياراته، هو نفسه الشعب الذي اختار وعاد ليستعيد إرادته من جديد بانتخاب البرلمان، متجاهلاً نخبة تحاول الوصاية عليه بينما تجافي حقيقته وتخالف طبيعته، أو من قلة تحاول اختطاف ثورته بشهادة زور على إرادته، فخرج عن صمته بالطوابير رغم التخويف، ليعلي صوته أمام الصناديق بلسان فصيح وبأسلوب ديمقراطي صحيح.لقد كشفت النتائج الأولية للانتخابات المصرية عن الحقائق التالية: أولًا، أن الذين فازوا بالقوائم يمثلون كل التيارات الرئيسة، وفي الانتخابات الفردية فاز بالجولة الأولى أربعة، الأول إسلامي إخواني هو الدكتور أكرم الشاعر، والثاني قومي عربي هو الأستاذ مصطفى بكري، والثالث ليبرالي علماني هو الدكتور عمرو حمزاوي، والرابع يساري وطني هو النائب أبو العز الحريري، لأن مصر بتياراتها الرئيسة الأربعة لا يمكن أن يحكمها تيار واحد ولو بالغالبية، ومهما تعدلت النتائج الانتخابية لاحقاً ستظل محكومة بالضرورة بالوفاق الوطني. ثانياً: كشفت النتائج عن الأوزان الحقيقية لكل القوى والتيارات والحركات السياسية في مصر، وبهذا لم يعد ممكناً لأقلية من أصحاب الأفكار السوداء بالصحف الصفراء، أن تحتكر الحديث باسم الثورة، ولا من الأصوات العالية والحناجر المبحوحة على شاشات الفضائيات الملاكي، أن تدعي الحديث باسم الشعب، أو أن تصنع قراراً ضد إرادة الشعب، أو أن تفرض أفكارها المغرضة على الشعب من خارج مجلس الشعب. ثالثاً: كشفت التجربة خطأ ما طرحته بضجيج عالٍ بعض النخب السياسية، خصوصاً الليبرالية والعلمانية، على عكس الإرادة الشعبية للغالبية، في حين أن التجربة الانتخابية التونسية والمصرية أثبتت أنها كانت ستمثل جناية على الثورة وعلى الديمقراطية معاً، فالذين طالبوا بالدستور أولًا، أقول لهم: إذا كنتم منزعجين الآن من غالبية إسلامية بالبرلمان لن تضع الدستور وحدها، فماذا كنتم ستفعلون بجمعية تأسيسية منتخبة بغالبية إسلامية هي التي ستضع لكم الدستور وحدها؟! رابعاً: إن ما يحيط مصر من تهديد على الحدود من الجهات الأربع يفترض أن يضع كل الوطنيين المصريين في خندق واحد ضد أية تدخلات أجنبية تضر بأمن الوطن والشعب والثورة، بوحدة وطنية قوية، وبتوافق سياسي حضاري، وبممارسة ديمقراطية حقيقية تحترم الإرادة الشعبية دون مماحكات، بما تجعل الأغلبية تحكم والأقلية تعارض، وترفض الديكتاتورية والتطرف في الأقلية أو الأغلبية أو من خارج البرلمان. خامساً: مع التسليم بما شاب العملية الانتخابية من أخطاء وملاحظات، ومع العلم أنها أخطاء طبيعية لأول تجربة حقيقية، فإن المنظمات العالمية الأممية أشادت بالانتخابات المصرية رغم الملاحظات، فقالت منظمة العفو الدولية إنها لم تسجل أي انتهاكات تؤثر سلباً في الانتخابات، ومع فرحة غالبية الشعب المصري بالمشاركة، إلا أن الفرح لم يخل من بعض الضجيج والتشويش والتشكيك والإثارة، وهو ما كان متوقعاً من غير المصريين! سادساً: لكن الغريب والمريب معاً هو ما صدر وما يزال من بعض المصريين الذين لم تفلح محاولاتهم المكشوفة لوقف الانتخابات، وفشلوا في فرض إرادتهم على الشعب، وفي القفز على السلطة على غير إرادته، وفي الوقيعة بين الشعب والجيش، أو من الذين لم يمنحهم الشعب ثقته وكشفتهم الانتخابات الحرة. والذين تستضيفهم برامج معينة في قنوات معينة ليكيلوا الاتهامات كل ليلة ويثيروا الغبار في وجوه الناخبين متهمين الشعب بالجهل أحيانا، وبعدم الأهلية غالبا عقابا له على خياره الحر، بما يدعو البعض هنا ليتساءل: ماذا يفعل المصريون بأنفسهم؟!!. سابعاً: لكن اللامعقول واللامقبول، أن تتشابه بعض أصوات الضجيج في الداخل مع أصوات الضجيج في الخارج، بما يبعث على الريبة ويدعو إلى التساؤل، ومن أهم الأسئلة هو ما طرحه الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي قائلًا: لماذا أصبحت خصومة أغلب الليبراليين والعلمانيين في مصر قريبة الشبه من بُغض الإسرائيليين وتوجسهم مما وصف بأنه صعود لما يسمونه الإسلام السياسي؟ وإذا تصورت إسرائيل أن ذلك الصعود يمثل تهديداً وجودياً لها، فكيف تصور الليبراليون والعلمانيون المصريون أن الإسلاميين يشكلون تهديداً مماثلًا لوجودهم؟ ولماذا نجح التوافق في تونس والمغرب، في حين فشل في مصر؟ نقلا عن البيان الاماراتية