الأمور في مصر أصبحت تتغير كل يوم... بل كل ساعة ولا أحد يمكنه التنبؤ بما سوف تستقر عليه الأوضاع, يكاد غالبية المراقبين الغربيين للتطورات في مصر. يجزمون أن مستقبل البلاد ستحسمه نتائج الصراع الدائر الآن بين تيار الإسلام الراديكالي والتيارات الليبرالية العلمانية. ويؤكدون أن نتائج هذا الصراع قد تكون العامل الحاسم في الصراع القائم بالفعل بين الراديكاليين والعلمانيين في العالم الإسلامي منذ بداية القرن الماضي, بل أن بعض المحللين يرون أن ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة من انتصار لتيار أمام الآخر, قد يمتد تأثيره لما هو ابعد من مستقبل مصر, ليضم المجتمع الدولي بأسره,, خاصة ان العديد من المحللين الغربيين قد أكدوا أن من يحظي بدعم غالبية المصريين, يبدو أمرا غير واضح في بلد ظل زمنا طويلا وفكرة انتخابات حرة ونزيهة بالنسبة له نوعا من الرفاهية التي لا يحلم أن يحظي بها. يكتب جيدون راشمان مراسل الفيننشال تايمز في القاهرة أن التيار الليبرالي في مصر يفقد معركته أمام تيار الإسلام الراديكالي, يقول بعد أيام من الثورة اكتشف شباب الطبقة المتوسطة من المثقفين الليبراليين أنهم قد بدءوا بالفعل يخسرون كل ما جنوه من نجاحات أنجزت خلال18 يوما فقط,اسقطوا خلالها نظاما قمعيا استعبدهم لمدة ثلاثين عاما... اكتشف هؤلاء الشباب أنهم لم يكونوا القوة الوحيدة التي نالت حريتها بإسقاط نظام مبارك لقد تحرر أيضا التيار الإسلامي الراديكالي والممثل بقوة في ما يعرف بالتيار السلفي. بعضهم هؤلاء الليبراليون الشباب قالوا انهم بالكاد كانوا يدركون مدي تواجد وقوة هذا التيار إلي أن انتهت الثورة, ويمكننا ببساطة وفقا للتقرير- التنبؤ بنجاح أغلبية إسلامية بتيارات مختلفة في الانتخابات البرلمانية المقبلة, في حين يؤكد العديد من الدبلوماسيين الغربيين المقيمين حاليا في القاهرة أن الأمر يبدو بديهيا جدا. مخاوف الليبراليين في مصر الآن تتشعب في عدة مناحي, أبرزها: انه في حال وقوع مثل هذا السيناريو فمن المتوقع أن يعيد الإسلاميون صياغة الدستور الجديد وبهذا فإنهم سوف يضعون ملامح مستقبل مصر لعقود قادمة. كانت الهزيمة الساحقة للمعسكر الليبرالي قد بدأت في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي جاءت صادمة لهم, وكانت النتيجة بمثابة صافرة إنذار مدوية ليدركوا أن أحلامهم الطابوية بعيدة تماما عن الأرض الواقع وان أمامهم الكثير لانجازه في اقل فترة ممكنة, يكتب جيدون راشمان إذا فشلت الثورة المصرية, سرعان ما ستتواري السموات الزرقاء والمتفائلة لربيع الغضب العربي ويحل محلها سموات أخري أكثر صخبا وغموضا. من ناحيتهم يؤكد العلمانيون- وسط جهود لتنظيم صفوفهم في أحزاب- طوال الوقت أنهم ليسوا ضد الدين ولكنهم يعارضون تسييس الدين,العديد من المحللين الغربيين يرون انه علي المستوي الشعبي في مصر أصبح مصطلح الدولة العلمانية وعلي مدي العقود الماضية مرتبطا ب الكفر وأصبح هذا الارتباط مفهوما ايقونيا في الذهن المصري إضافة إلي كونه من المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها لدي غالبية المصريين, مما دفع الجماعات السياسية الجديدة إلي استبدال المصطلح بمصطلح الدولة المدنية, في حين ابدي بعض النشطاء السياسيين العلمانيين تخوفهم من توقيت الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل أي بعد شهر رمضان, بما قد يحمله هذا من تأثير كبير علي اتجاهات الانتخابات حيث تكون الحماسة الدينية في أوجها. وفي جميع الأحوال فان الصراع القائم الآن بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في مصر يبدو ثقيل الهضم علي هؤلاء الذين ضحوا بكل شيء أثناء قيامهم بثورة أطاحت بالفساد والقمع والركود السياسي والاقتصادي. , المفكر الايطالي فرانسسكو زانيني أستاذ الدراسات الإسلامية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في روما, يري أن التيارات الإسلامية, التي فرحت أخيرا بتخلصها من وضعها المنبوذ,بدأت تشكل أحزابا سياسية منظمة أكثر قدرة واستعدادا للمشاركة في انتخابات من المتوقع أن تكون أكثر الانتخابات حرية في الذاكرة المصرية. بعد الأحداث المرعبة في إمبابة جاءت معظم الصحف الأمريكية بتنديد واضح لما يحدث الآن في مصر من تعاظم لدور التيار الإسلامي الراديكالي, بل ان بعض المقالات حملت في طياتها لوم ربما كان غير مباشر لإدارة اوباما التي سارعت في الترحيب بإسقاط النظام المصري السابق, دون أن تضع في حسبانها أن أول المستفيدين من ربيع الديمقراطية في مصر سيكونون الإسلاميين. ويذكر أن المحلل السياسي البارز في الواشنطن بوست, ريتشارد كوهن كتب محذرا إدارة اوباما أثناء الثورة الحلم بمصر ديمقراطية, سينتج عنه بالتأكيد كابوس. المحلل البريطاني ستيف شانتلي يحذر من أن تصاعد التيارات الإسلامية الراديكالية في مصر سوف يقود بشكل فوري إلي تصاعدها في الدول المجاورة مما سيفرز العديد من الإيرانيات في المنطقة علي حد تعبيره, من ناحية أخري يكتب شادي حميد, مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة والباحث في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط, انه لم يعد هناك خيار أمام الولاياتالمتحدة سوي تعلم التعايش مع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط, بعد أن أطاحت الثورات في تونس ومصر بالأنظمة الديكتاتورية التي كانت تدعمها,ويقول أن الديمقراطية التي طالما حثت عليها واشنطن في العالم الإسلامي سوف تجعله عالما لا يمكن التنبؤ بتطوراته.وفي مقاله الأخيرة في دورية فورن افيرز, ينصح حميد الولاياتالمتحدة بضرورة الدخول في حوار استراتيجي مع التيارات الإسلامية المختلفة في العالم العربية لتشجيعها علي احترام المصالح الغربية الأساسية.... الآن قبل أن تصل تلك التيارات بالفعل إلي السلطة.