بداية أهنئ الشعب التركي الشقيق علي أجواء الحرية والشفافية والديمقراطية والنزاهة، التي جرت فيها الانتخابات البرلمانية في الأسبوع الماضي، وفاز فيها حزب "العدالة والتنمية" ذو التوجه الإسلامي، بأغلبية أصوات الناخبين للمرة الثالثة علي التوالي، هذه الإرادة الشعبية الحرة سوف تمكنه من قيادة تركيا في السنوات المقبلة، وهو ما سوف يؤدي بالضرورة إلي استمرار الدور الحيوي والإيجابي، الذي ظهرت به في المنطقة في السنوات الأخيرة، وخصوصا علي الصعيد الفلسطيني. وأعتقد أن غالبية الشعب المصري، وخصوصا أبناء التيار الإسلامي، تابع باهتمام وشغف وتقدير ما يجري في الساحة التركية من أجواء انتخابية حرة، وممارسة سياسية شريفة، أملا في تحقيق هذه الصورة الراقية من التنافس السياسي في مصر بين التيارات المختلفة، وتأمل الكثيرون في هذا المشهد الحضاري الرائع، الذي نجح فيه الشعب التركي في التعبير عن نفسه، وفرض إرادته الحرة، بعيدا عن سطوة القوي العلمانية، وضغوط المؤسسة العسكرية، التي استمرت طويلا. لقد عانت تركيا لأكثر من ثمانين عاما من قهر الاستبداد والتسلط العلماني البغيض، الذي قاده مصطفي كمال (أتاتورك) وتلامذته من بعده، والذي حارب كل مظهر إسلامي بلا هوادة، وحاول طمس هوية الشعب المسلم بكل وسيلة، وصنع مؤسسات وهيئات قوية لحراسة العلمانية المحاربة للدين، والتي سرعان ما كانت تنقلب علي إرادة الشعب إذا حاول التملص من العلمانية، لكن الأتراك استطاعوا أخيرا أن يكشفوا عن هويتهم الإسلامية الأصيلة، وأن يعبروا عن إرادتهم الحرة. كانت تركيا في العهد العلماني البائس هي الحليف الإستراتيجي الأول في المنطقة للكيان الصهيوني الغاصب، وهي الدولة المسلمة الوحيدة التي وفرت للصهاينة نقاط العبور الدولي، وبرامج التدريب والتسليح العسكري، واتفاقات التعاون الاقتصادي، من خلال ترتيبات وامتيازات وبروتوكولات، سوف تظل تركيا تعاني منها ردحا طويلا من الزمن، ولم يكن الشعب التركي العظيم، سليل الخلافة العثمانية التي امتدت لأكثر من ستة قرون، يقبل بأن يستمر هذا الوضع الشائن أكثر من ذلك. أما تركيا في مرحلة التوجه الإسلامي، سواء في عهد القائد المؤسس نجم الدين أربكان رحمه الله، أو في عهد تلميذه رجب الطيب أردوغان، فقد نجحت في نقل الوطن إلي نقاط التأثير في المشهد الإقليمي والدولي، وحققت الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي، وتصالحت مع طائفة الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعلت مع اليونان، وفتحت جسرا مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وفتحت الحدود مع أكثر من دولة عربية، وألغت تأشيرة دخول المصريين إلي أراضيها. وكلنا يعرف ويثمن الدور التركي الحالي والواعد، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورفض وإدانة استمرار الحصار العنصري الصهيوني لقطاع غزة، ودورها في إطلاق أسطول الحرية الأول لكسر الحصار، والثاني الذي يجري الإعداد له الآن، وأيضا موقف أردوغان في منتدي ديفوس من أكاذيب الإرهابي شيمون بيريز، وكذلك الدور التركي الداعم للحوار مع حركة حماس علي المستوي الدولي، بما يؤكد علي أن دخول تركيا في هذا الملف هو إضافة حيوية واستراتيجية هائلة. لقد نجح الإسلاميون في تركيا بامتياز في إقناع الشعب بقدرتهم علي تحقيق آماله وطموحاته، وبجدارتهم في قيادة البلاد إلي المستقبل المشرق، من خلال حوار موضوعي وواقعي وشفاف يتناول كل الملفات، ومن خلال رؤية إبداعية خلاقة تطرح برامج اقتصادية وتنموية عملية، ومن خلال رؤية إستراتيجية واضحة للوضع الإقليمي والدولي، وهو ما دفع الشعب إلي مزيد من الدعم والتأييد في الانتخابات الأخيرة، وأعتقد أن هذا النجاح التركي سوف يلقي بظلاله الإيجابية علي الانتخابات المصرية المقبلة.