تغييرات ماسبيرو التى شغلت أهل الإعلام خلال الأيام الماضية لن تسفر عن شىء من الممكن أن تراه على الشاشة.. صحيح أن من بين من تولى القيادة شخصيات أثق فى نياتهم وكفاءاتهم، لكن منظومة ماسبيرو نفسها لن تسمح بأى لمحة للتغيير. الإعلام المصرى فقد المصداقية قبل الثورة وجاءت الثورة لتصبح بمثابة الطلقة البائنة بينه وبين المشاهد.. يحاول التليفزيون الآن أن يلعب فى مساحة لتأكيد أنه لم يكن شريكا فى ما حدث، والناس كلها تعلم أن الإعلام كان هو سلاح الدولة فى دعم فساد مبارك وفى التمهيد لجمال وريثا.. من ينسى لقاءات جمال فى الإعلام الرسمى والخاص أيضا للتمهيد لاحتلال الكرسى وإقناع والده بالانتظار على الكنبة! الإعلام الرسمى منذ الثورة وهو يتخبط، جاؤوا فى البداية بالضابط اللواء طارق المهدى وانتهى إلى الضابط اللواء أحمد أنيس، وبين اللواءين كان لدينا تنويعات على اللون الكاكى حتى لو لم يرتد أبطالها زيا عسكريا، بدأت مع سامى الشريف رئيسا للاتحاد ثم عادت مقاليد السلطة إلى المهدى ثم انتقلت بعد ذلك إلى أسامة هيكل وزيرا للإعلام، ولم يستطع التليفزيون أن يتقدم بأى خطوة تجاه المشاهد.. تغير ثلاثة من رؤساء التليفزيون نهال كمال ثم صلاح الدين مصطفى وأخيرا عصام الأمير، كل ذلك فى أقل من عام بالإضافة إلى لجان استشارية ولجنة أخرى للنهوض بالأغنية الوطنية، وكان موقفا يدعو إلى الضحك وأنت ترى عددا من أعضاء اللجنة وهم يحملون فى أيديهم أغانيهم للتقدم للجنة بتسجيلها، اعتقد هؤلاء أن الفرصة جاءت مواتية لهم لكى يعودوا إلى الأضواء، وهكذا تقدموا للجنة التى هم أعضاء بها بطلبات للموافقة على أغانيهم ووافقت اللجنة على أغنيات اللجنة، وبالطبع هناك من رفض أن يشارك فى تلك المهزلة وانسحب من اللجنة.. وبعد أن أنهى أسامة هيكل بضعة أشهر قليلة فى الوزارة غادر موقعه ليأتى أحمد أنيس ويلغى اللجنة أو على أقل تقدير يجمد نشاطها، إلا أن المحاولات لتقديم أغنية عن الثورة لا تزال فى ظل هذه المنظومة تسير إلى طريق مسدود! تخلص التليفزيون من عدد من المذيعين والمذيعات بعد أن صار بينهم وبين الجمهور ارتباط شرطى يدعوهم للنفور أصبحوا مثل تامر بتاع غمرة أو تامر بتاع سلمى، مجرد صدى لما يريده النظام. المصير الذى ينتظر الإعلام الرسمى أراه فى جانب كبير منه يعبر عن مأزق تعيشه مصر كلها.. الإعلام كان ولا يزال هو صوت الحاكم سواء كان مبارك وبيته وبطانته أو المجلس العسكرى والدائرة الداعمة له. من يملك أن يقفز فوق السور، لا أحد يستطيع فعليا أن يقفز وإلا أصبح معرضا للإقصاء أو الفناء.. الإعلام هو السلاح الذى تحتفظ به الأنظمة القمعية ليظل الجميع تحت السيطرة والأمر ليس بهذه البساطة التى يتصورها البعض بإلغاء وزارة الإعلام، لأن تونس على سبيل المثال فى عهد بن على كانت قد ألغت وزارة الإعلام، صارت هيئة، إلا أن الإعلام التونسى كان مكبلا بما يريده الحاكم.. من يملك يحكم والدولة هى التى تدفع نفقات الإعلام وتتصور أن هذا يمنحها الحق فى تمرير الرسائل التى تريدها وحجب الأخرى.. سوف يفكر النظام ألف مرة ولن يترك الأمر يفلت من بين يديه، فهو تعود فى الماضى على السيطرة على كل أطياف الإعلام بما فيها الخاص الذى كان يسمح فيه بالترخيص للبث مقابل ضمان الولاء، وأغلب القنوات والصحف الخاصة والحزبية فى أثناء أحداث الثورة خلال ال18 يوما كانت مكبلة بما يريده النظام.. صحيح أنهم تمتعوا بهامش ما ولكن الدولة أمسكت بيد من حديد على أغلب أصحاب هذه القنوات. فى أثناء الثورة كانت التعليمات صارمة، الإعلام الحكومى ينحاز إلى النظام الذى يتداعى، بينما الخاص يحاول أن يرضى الثورة والنظام مع بذل كل محاولة للحفاظ على رأس النظام. وبعد الثورة لا تزال أصابع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحرك الكثير من الخيوط فى الإعلام الخاص مع الاحتفاظ بهامش تختلف مساحته بين قناة وأخرى. أما إعلام ماسبيرو فإنه تحت السيطرة تماما لا يتنفس سوى هواء السلطة! الأسلاك الشائكة لا تزال تحيط المبنى والمعنى فهى تُقبض على الجدران والأفكار!