انتهى زمن المذيع «الماريونيت» الذى تحدد أفكاره وآراؤه خيوطا غير مرئية، صارت الناس لديها قدرة على إدراك ما حقيقة الذى يقف أمام الكاميرا؟.. هل يعلن قناعاته أم يردد ما يملى عليه؟.. هناك دائما خطوط حمراء مهما قالوا فهى قائمة، وبالمناسبة كان كل وزراء الإعلام السابقين يؤكدون أنه لا توجد خطوط حمراء. أسامة هيكل آخر وزير إعلام، استهل تسلمه حقيبة الإعلام أيضا بإعلانه أنه أسقط تلك الممنوعات، وأنه لا يقيد إعلام الدولة بأى شىء، ورغم ذلك الكل يعرف ويدرك أن الخط الأحمر لا يزال أحمر، فقط تغير مدلوله، كان اسمه قبل الثورة مبارك والعائلة، أصبح بعد الثورة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم الفعلى للبلاد، فهو الذى يدير دفة وتفاصيل الحكم، ولا شك أن دولة الإعلام تشكل عصبا أساسيا ورئيسيا، فهى دولة أخرى ينبغى السيطرة عليها. الإعلام الرسمى أراه يدخل الآن معركة مستحيلة، الناس لا تصدقه حتى إن صدق، ولهذا يبقى سلاح الدولة هو الإعلام الخاص، أصحاب هذه القنوات ليسوا فقط أصحاب رؤوس أموال، لكن لديهم مصالح مع النظام، ولديهم أيضا قناعاتهم، وكان نظام المخلوع لديه القدرة على إرهابهم بين الحين والآخر، وهم بدورهم يملكون القدرة على كبح جماح أى مذيع يخرج عن الخط المرسوم، أو يقترب فى مساحة سبق إن نبهه صاحب القناة بأنها من الممنوعات، بعد ثورة يناير سطوة أصحاب القناة لم تعد مطلقة، اكتسب عدد من مقدمى البرامج قدرا من القوة، أيضا اكتشفوا مع انتشار سوق الفضاء الإعلامية، أن المذيع صاحب الموقف له ثمن، وأن الناس هى التى تملك أن تحدد الثمن. دائما ما كانت الدولة فى زمن المخلوع تعتبر أن الإعلام الخاص جزء من المنظومة، ومن خلالها تتحكم فى توجيه الرأى العام، ولو تذكرت تفاصيل برامج ال«توك شو» فى الفضائيات الخاصة من 25 يناير حتى 11 فبراير، سوف تجد أن أصحاب تلك القنوات كانوا دائمى الظهور عبر البرامج، لا يكتفون فقط بتوجيه المذيعة أو المذيع قبل الدخول للاستوديو، لكن يتدخلون فى توقيت ما لتوجيه المسار لصالح النظام. كان الإعلام الخاص يلعب فى مساحة محدودة جدا، خارج الخط الرسمى، بل إن بعض القنوات الخاصة كانت تقدم بثا مباشرا مع تليفزيون الدولة الرسمى، ثم بعد تنحى مبارك تغيرت موازين القوى، لم يكن المسار الإعلامى فى البداية واضحا، وأخذ ال«يوتيوب» يقدم لنا تناقضات المذيعين والمذيعات قبل وبعد الثورة. المجلس الأعلى فرض سيطرته على ماسبيرو من خلال اللواء طارق المهدى، وبعد ذلك تم إرسال الرجل المدنى أسامة هيكل، تأكدوا أن تليفزيون الدولة مرفوض، وتم طرد كاميراته أكثر من مرة من الميدان، طارق المهدى حاول أن يصعد على المنصة فى ميدان التحرير، فأنزلوه من عليها، فاتجه إلى منصة القطاع الخاص، وتباينت ردود فعل أصحاب تلك القنوات، بين إرضاء المجلس الحاكم وبين التحكم فى المذيع. مقدمو برامج ال«توك شو» صاروا الممثل فى المسرح الارتجالى، حيث فى البداية الاتفاق على الخطوط العريضة، لكن المذيع يملك التفاصيل.. مساحة المصداقية التى يكتسبها مقدم برامج ال«توك شو» هى التى تمنحه قوة فى مواجهة صاحب القناة. المذيعون ليسوا جميعا عرائس «ماريونيت» يحركها بأصابعه صاحب القناة، البعض ارتضى أن يصبح هو تلك العروسة، وهناك من قطع الخيط. الكل الآن صار عليه أن يحدد موقفه، هل هو دمية أم صاحب موقف؟.. فاختارت دينا عبد الرحمن أن تصبح دينا عبد الرحمن.