تحوَّلت متابعة العدوان الإسرائيلى الإجرامى على غزة إلى كابوس مفزع. كم طفل رأيته مقتول اليوم بوجه ملائكى صامت؟! كم جثة مقطوعة الأطراف رأيت لأطفال آخرين! ماذا عن صور المستشفيات المكتظة بالجرحى من نساء ورجال وشيوخ وأطفال، والجثث المحترقة والممددة فى الشوارع، أو تلك التى يتم انتشالها من بين حطام المبانى المنهارة من وقع الصواريخ التى تتساقط كالأمطار على رؤوس ساكنيها؟ كتبت عن العدوان الذى تشنّه إسرائيل على غزة هنا قبل أسبوعين، وكان عدد القتلى -آنذاك- قد تجاوز ال250 شهيدا. بعد 24 يوما من جرائم الحرب الإسرائيلية تجاوز عدد الشهداء ال1300، وربما عند قراءة هذا المقال صباح السبت يكون العدد قد تجاوز ال1500. عداد هو لقتلى من البشر من لحم ودم، على بُعد عدة مئات من الكيلومترات فقط من القاهرة، عربا، ومسلمين، ومسيحيين مثلنا، أم عدَّاد لسيارة أجرة يتحرك بسرعة جنونية بينما العالم صامت، متفرِّج ببلادة ومكتفٍ بتوجيه النداءات بوقف فورى لإطلاق النار وسط تنافس يدفع ثمنه الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين بين عواصم عدة، لكى تكون الطرف الذى يفوز بلقب صاحب المبادرة التى تمكنت من وقف هذا الجنون. فجر الأربعاء أفقنا على خبر قصف إسرائيل لمدرسة تابعة إلى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) فى مخيم جباليا، والتى اتخذ آلاف الفلسطينيين منها ملجأ بعد تهدّم منازلهم، وأخطرت المفوضية إسرائيل بموقع المدرسة كلمجأ 17 مرة، آخرها قبل عدة ساعات فقط من قصف المدرسة وقتل 16 شهيدا، غالبيتهم من الأطفال. فى المساء، هجوم صاروخى على سوق مدنية فى حى الشجاعية يقتل 17، أيضا من المدنيين. يوم الأربعاء بمفرده شهد مقتل ما يزيد على 150 فلسطينيا، طبعا بينهم كثير من الأطفال.. هل يحرك ذلك فيك شيئا؟ المفوض العام ل«الأونروا» السويسرى بيير كراهنبول، لم يتمالك نفسه، وأصدر بيانا ردا على قصف المدرسة «الملجأ» بدأه كالتالى: «الليلة الماضية قُتل أطفال، بينما هم نيام بجوار أهلهم على أرضية فصل فى مدرسة مخصصة كملجأ تابع للأمم المتحدة فى غزة.. الأطفال قتلوا وهم نيام. هذه إهانة لنا جميعا، مصدر للخجل على الصعيد العالمى. اليوم يقف العالم مُدانا»، وانتهى البيان بوصف قصف المدرسة ب«الخرق الخطير للقانون الدولى.. لقد تخطَّى الأمر العمل الإنسانى.. نحن الآن فى مجال المحاسبة». بعد كل حرب «مجازر» ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين أو اللبنانيين على مدى السنوات العشرين الماضية ترتفع الأصوات المطالبة بالمحاسبة والملاحقة للمسؤولين فى إسرائيل من قيادات سياسية وعسكرية عن كل هذا الكمّ من القتل والانتهاكات الفاضحة بحق المدنيين الفلسطينيين. لم تكن الحملة فاشلة، وكان بعض كبار الضباط والمسؤولين الإسرائيليين يخشون مغادرة طائرتهم فى عدة عواصم أوروبية لدى علمهم بوجود أوامر من محاكم باستجوابهم لتورطهم فى ما يمكن اعتباره «جرائم حرب». فى العدوان الأخير الجرائم الإسرائيلية فجَّة للغاية، وهناك استياء دولى واسع، وتضامن غير مسبوق من دول أمريكا اللاتينية، ومطالب واضحة من هيئات أممية عدة بضرورة وقف جرائم إسرائيل. لا يمكن أن تكون هناك حسابات سياسية فى محاولة وقف عداد القتل فى غزة، وإنهاء الحصار الخانق الذى يتعرض له أهلنا من الفلسطينيين القاطنين فى هذه البقعة الضيقة المكتظة بالبشر، والأهم تبنِّى الدعوة لملاحقة ومحاسبة إسرائيل على جرائمها التى لا يمكن التهاون معها.