الخطاب حمل علامات فى قضايا سياسية وأمنية يبدو أنها بدأت تتضح أمامه للمرة الأولى استشعاره غضبًا من قرارات رفع الأسعار استوجب التذكير باستدعائه للرئاسة وبأنه لم يسعَ للمنصب ألقى الرئيس السيسى خطابا إلى الشعب المصرى فى ذكرى العاشر من رمضان، وكانت مناسبة لعرض وجهة نظره فى قضية تحريك الأسعار، التى لا تزال يصاحبها غضب شعبى للتأثير السلبى المباشر، الذى وقع على عاتق عموم المصريين، ولكن الخطاب حمل رسائل وعلامات تتجاوز ذلك فى قضايا سياسية وأمنية، يبدو أنها بدأت تتضح أمامه للمرة الأولى منذ تصديه لفكرة الترشح للرئاسة، ولذلك كان علينا التدقيق فى معانى الخطاب ونصوصه، ولعل تلك هى أبرز علامات الخطاب ودلالاتها. 1 الاستدعاء للرئاسة: الخطاب استحضر مرة أخرى فكرة استدعائه للرئاسة، بما يوحى بأن استشعاره تململا أو غضبا من القرارات الأخيرة، استوجب التذكير بأنه لم يسع للمنصب كدفع سلبى فى مواجهة هذا الغضب، وأوضح أيضا أن تلك الفكرة مسيطرة على عقل الرئيس يتكئ عليها فى اتخاذ قرارات صعبة، مهما كانت كلفتها على الجمهور، وهو ما دفعه على الأرجح إلى التبكير باتخاذ هذا القرار بلا تردد، رابطا ذلك بفكرة استدعائه لمهمة إنقاذ الوطن، التى كررها أكثر من مرة فى خطابه، ويبدو أن تلك الفكرة إضافة إلى شعبيته الكبيرة قد حالت دون احتجاجات واسعة على قراراته، ولكن قد تتحول تلك الفكرة إلى نقمة مستقبلا، إذا تكرر الاعتماد عليها فى أمور مشابهة، لأنها لن تبرر الآثار السلبية لأى قرار فى كل مرة، ولن تغفر التعجل به أو الانفراد فى إصداره. 2 حالة الحرب: جاء فى الخطاب حديث متكرر عن أن مصر تعيش حالة حرب، وزاد بتصويرها على أنها مشابهة للحالة التى كانت تعيشها مصر بعد هزيمة يونيو، واستفاض الخطاب فى الشرح والتذكير بالتضامن والتحمل الشعبى لظروف البلاد وقتها، وربط بين ذلك وبين ما يجب أن يفعله المصريون، وهو مؤشر على أن الرئيس يعتبر نفسه داخل هذه الحالة، وهى حالة الحرب، وينتظر مؤازرة الحرب، بل وقد يتعجب لعدم حدوثها واستمرارها أيضا، بينما الشارع والناس لا يعيشون فى حالة الحرب تلك، بل فى ظروف طبيعية بها بعض الاستثنائية بسبب التهالك الاقتصادى والمشكلة الأمنية، ولكن بالنسبة للجمهور فهذه هى الأسباب الرئيسية التى انتخبوا السيسى من أجلها، أى قناعتهم بأنه سيعيدهم للحالة الطبيعية ويضبط الأمن والاقتصاد بما يصب فى صالحهم، هى بالنسبة إليهم أمر مسلم وفعلوا من أجله ما يرونه فى وسعهم، بالنزول فى 30 يونيو والتفويض، ثم الانتخابات، وليس فى تصورهم ثمة ثمن آخر يجب دفعه، وبالتالى فالارتكان إلى فكرة حالة الحرب لن تجد صداها عند الجمهور، الذى يرى نفسه على لحم البطن، وينتظر أن يأخذ، لا أن يعطى أو يضحى. 3 تحدى التوقيت: جاء فى ثنايا الخطاب إشارة إلى أن مثل تلك القرارات تأخر لعشرات السنوات، ولم تجرؤ حكومة على اتخاذه، خصوصا بعد أحداث 1977، كما لم يقبل هو تأخيره ولو حتى لستة أشهر، كما نصحه البعض، ويتضح من ذلك أن الرئيس السيسى يرى فى نفسه ويقدم نفسه على أنه القادر على التصدى الحازم والحاسم للمشكلات الصعبة أو المهمات المستحيلة، التى لا يجرؤ ولم يجرؤ عليها غيره، وفى ذلك ما هو إيجابى وما هو سلبى، فمن ناحية يشير إلى أن الرجل لن يقف مكتوف الأيدى أمام اتخاذ قرارات فى الصالح العام، حتى وإن كانت ستضر بشعبيته، وأشار هو إلى أنه لا يريد أن يسلم البلاد وهى غارقة فى الديون، والحقيقة أن الحلقة المفرغة التى يدور فيها الاقتصاد المصرى منذ سنين لن تنتهى إلا بإصلاحات هيكلية، تسمح بزيادة الاستثمار الداخلى والخارجى، وتساعد على تنمية شاملة، ليتوقف نزيف خدمة فوائد الدين وتتحقق معدلات نمو تلمس الفقراء، ولكن من ناحية أخرى فهذه الطريقة فى التعامل مع الأمور الشائكة والصعبة قد تصب فى اتجاه اتخاذ القرار وليس فى تفاصيله وتوقيته ونتائجه، أى قد يكون القرار صائبا، ولكن التعامل معه بطريقة شَجاعةِ اتخاذه، مثلما حدث فى تحريك الأسعار، قد يغفل على جوانبه أهمية الاعتناء بالتوقيت الملائم والإجراءات اللازم اتخاذها لتقليل الآثار السلبية للقرار على المواطنين، والتفاصيل داخل القرار، مثل قضية ضبط الأسواق وأسعار المواصلات، التى صرح هو نفسه أيضا بأن الحكومة لا تملك أدوات لضبطهما. 4 الأرض المثالية: تحدث السيسى فى جزء من الخطاب معاتبا أو ملقيا اللوم على السائقين والتجار، الذين استغلوا الفرصة لذبح المواطن، ولم يراعوا إخوانهم المصريين وحالتهم، وهذا يعكس تصورا لديه عن واقع غير موجود إلا فى أرض مثالية، فما دامت القوانين وآليات الضبط غائبة، فهدف الجميع هو المكسب والمكسب فقط، وينطبق ذلك على المستثمر الكبير وسائق الميكروباص، وهى نفس الخلفية التى أطلق على أساسها صندوق «تحيا مصر»، وينتظر فيه 100 مليار جنيه كتبرعات ممن يجب أن يشعروا بحرج أن البلاد تمر بأزمة، وبأنهم استفادوا منها كثيرا، ويجب أن يساندوها الآن، والواقع يقول إن نفرا كثيرا ممن يخاطبهم السيسى لو كانت البلاد تعنيهم فى شىء لما استحلوها منذ البداية، والنفر الآخر يمكن أن يستثمر ولكن صعب أن يتبرع، وبالتالى يجب النزول إلى أرض الواقع قليلا، والتفكير فى القوانين بدلا من التبرعات أو النصائح أو اللوم. 5 الفراغ السياسى: جاء فى الخطاب تساؤل عن القوى السياسية ودورها للمرة الأولى بهذه الصيغة، حينما قال السيسى إن هناك من نصحوه بالتأجيل، لأنه لا يملك ظهيرا سياسيا وفى لقائه فى اليوم السابق للخطاب مع رؤساء تحرير الصحف، تساءل بوضوح عن دور الأحزاب والقوى السياسية فى التوعية وشرح الضرورات فى مواجهة تحديات بناء دولة قوية، مما يعنى أن الرجل قد تغيرت فكرته عن أهمية الظهير السياسى والقوى السياسية والأحزاب عن فترة قليلة سابقة، حينما كان لا يعطيها أى أهمية، فلما سئل عنها، قال إن ظهيرى هو الشعب، الآن يظهر أن بعض حقائق إدارة الدولة بدأت تتضح فى ذهنه، التى يجب أن تلعب فيها القوى السياسية دورها الطبيعى كتروس للماكينة التى تعمل، خصوصا فى مصر بعد يناير 2011 وبعد 30 يونيو، فلن تدار البلاد من بعيد بالريموت كنترول، ولا بنموذج أنا والشعب بلا طبقات أخرى بينية، وبلا سياسة، ولكن المفارقة أن وضع القوى السياسية صعب وتحتاج إلى وقت ليس بقصير، حتى تنضج تجاربها الحزبية، لا سيما بعدما جرى ويجرى تشويهها على قدم وساق، والسعى لإفشال تجاربها كما حدث فى حكومة محلب الأولى، التى أقصت تقريبا كل من كان من خلفية سياسية. 6 دور الإعلام: اهتم الخطاب بدور الإعلام فى تشكيل وعى المصريين، وشدد على دوره فى الفترة القادمة، مما يعكس قناعة السيسى بأن الإعلام يمكن أن يقنع الناس بأن تبلع الزلط، أو أنه يمكن أن يكون سندا فى القرارات الصادمة، والحقيقة أن الإعلام لعب ويلعب دورا هاما، ولكن فى النهاية لا يمكن الاعتماد عليه فى تمرير ما لا يقبله الجمهور، فنظرية أن الإعلام يقود الجمهور تحتاج إلى مراجعة، وقد ظهرت علامات لذلك فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. 7 الخوف من الإخوان والبرلمان: نصوص الخطاب فى الشق الخاص بالبرلمان القادم وأهميته واستغلال الدين فى السياسة، يعكس قلقا عاليا للسيسى من الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسى، وإمكانية حضورهم مرة أخرى بكثافة فى البرلمان القادم، فالمنطق يقول إن الحديث عن استخدام الدين فى السياسة قد تجاوز وقته، خصوصا بعد فترة حكم الإخوان، وعليه فعودة الحديث عنها بهذه القوة تعكس تخوفا كبيرا لديه من احتمال أن يجد خطابهم أرضا تتقبله مرة أخرى، وينعكس ذلك على التمثيل فى البرلمان، وقد يكون ردة فعل الجمهور على القرارات الأخيرة قد أذكت هذا التخوف وعمقته من احتمالات أن يميل جزء من الشارع مرة أخرى إلى الخطاب الدينى، ولو ببطء، بعدما صدموا بعنف من جراء آثار قضية تحريك الأسعار. وحدة البحوث