«على الرغم من أن المستبدين العرب ظلوا يتعاقبون على كراسي الحكم من خمسينيات القرن العشرين إلى ثمانينياته حيث استقر معظمهم على عروشهم، إلا أن اقتصاديات تلك الدول في خاتمة المطاف أصابها الركود وتفاقمت ديونها ورأت الشرائح المتعلمة من السكان الوعود التي بشروا بها بإقامة مجتمعات مزدهرة تقوم على المساواة تتبخر، ليعتصر الألم الجميع علمانيين كانوا أو إسلاميين» هكذا في مقاله الأخير بالنيويورك تايمز، اعتبر جون أوين أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا ومؤلف كتاب «صراع الأفكار في دنيا السياسة العالمية» أن أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي راجعة لفشل الأنظمة الاستبداية في الوفاء بوعودها الكاذبة بالرخاء للشعوب. أوين أوضح أن الحركات الإسلامية لم تكن سببا في قيام الثورات لكنها أصبحت المستفيد الأكبر منها بعد إقصائها للعلمانيين الذين أشعلوها فقال إن «الربيع العربي بدأ ينبت أزهارا إسلامية اللون بدلا من أن يرفع الثوريين العلمانيين إلى سدة الحكم». على أن المقلق للكثيرين حقا -برأي أوين- هو أن الإسلاميين ربحوا بطريقة شرعية، فالأحزاب الدينية احتلت المرتبة الأولى في أول انتخابات حرة وعامة في تونس والمغرب ومصر، ثم يتساءل الكاتب قائلا إذن لماذا يصوت كثير من الناخبين العرب لهؤلاء الفائزين ؟ ويلتمس أوين الإجابة عند التاريخ الغربي نفسه، فيقول إن أوروبا في الفترة ما بين عامي 1820 و1850 كانت تشبه الوطن العربي اليوم في جانبين، فكلا المنطقتين شهدتا ثورات بدت سريعة العدوى في ظاهرها وانتقلت من بلد إلى آخر، وفي كلتا الحالتين التفتت الجماهير «المحبطة» التي لا يجمع بينها سوى قواسم مشتركة بسيطة في العديد من الدول حول فلسفة فكرية واحدة لم تكن من صنعهم بل ورثوها من أجيال متطرفة سابقة، فقد كانت الأيديولوجية السائدة في أوروبا إبان القرن ال19 الميلادي هي الليبرالية التي بدأت في الظهور في أواخر القرن ال18 كنتاج للثورات الأمريكية والفرنسية والهولندية والبولندية. واليوم، فإن العرب البدو منهم والحضر «ومع تباين ثقافاتهم وتاريخهم على نحو كبير» أظهروا أنهم يتشاطرون شعورا بالإحباط الشديد من الطغاة وميلا لانتزاع الكرامة، على حد تعبير الكاتب ويجمع بين معظم هؤلاء -معتدلين كانوا أو متطرفين، وسواء كانوا يعيشون في ظل ملكيات أو جمهوريات- قاسم مشترك يتمثل في فكر الحركات الإسلامية التي تنمو بقوة معززة بإخفاقات الفكر الناصري والبعثي وأمطار التمويلات السعودية والقطرية إلى جانب استلهام تلك الأحزاب للنموذج الثوري الإيراني الذي ظل لسنوات يقدم رؤية متماسكة لمشاكل المجتمعات المسلمة. وفي خلاصة مقاله يقول الكاتب أن الليبرالية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر والتيار الإسلامي الذي يعم العالم العربي اليوم كلاهما مثل قنوات حفرها جيل واحد من الناشطين وظلت مفتوحة بفضل الأجيال اللاحقة، وعندما تهب عواصف الثورة وتمطر سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط ستجد المياه تلك القنوات مفتوحة، فالتيار الإسلامي ينتصر لأنه القناة الأعمق والأوسع التي يمكن لحالة الاستياء العربي أن تفيض خلالها.