مجلس الوزراء يوافق على إنشاء «المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار»    استقبال 10 سفن بميناء دمياط خلال 24 ساعة    تخصيص أرض الممشى السياحيّ بين المتحف المصري الكبير وهضبة الأهرام    محمود مسلم: اتهامات الصحف الدولية لمصر بشأن صفقة وقف إطلاق النار "سخيفة" (فيديو)    "بيع الحشيش وسط الشارع".. حبس "ديلر" جديد في المرج    لتفادي أى طارئ.. «السكة الحديد» تعلن تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط (تفاصيل)    محمد صبحى: تقدم الجامعات المصرية بالتصنيفات الدولية بلورة لتوجيهات القيادة السياسية    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    البطل التاريخي.. 6 مباريات رسمت طريق مانشستر سيتي نحو لقب الدوري الإنجليزي    وزير الصحة يفتتح الدورة التدريبية عن «الإدارة المعاصرة»    أصول البنك المركزي المصري تقترب من 6 تريليونات جنيه بنهاية أبريل    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    الشركات توقفت عن إنتاج ألف صنف دوائي والمرضى لا يجدون العلاج في زمن الانقلاب    باحثة سياسية: دور أمريكا أساسي لترسيخ الاعتراف بالدولة الفلسطينية    مصدر مصري رفيع المستوى يستنكر الاتهامات المغرضة للأطراف الوسيطة في أزمة غزة    البنوك الرقمية تُحدث نقلة نوعية في القطاع المصرفي المصري    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    تطهير شبكات ومواسير المياه بقرية الأبطال في الإسماعيلية    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    سيدة «المغربلين»    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    الحكومة العراقية تطالب بإنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية عنتيبي والخروج من أزمة مياه النيل
نشر في التحرير يوم 24 - 06 - 2014

اتفاقية عنتيبي هي "اتفاق حول إطار تعاوني لحوض نهر النيل" Agreement on the Nile Basin Cooperative Framework" ) ، وهى ثمرة التعاون الإقليمي منذ عام 1967 الذى بدأ فيه مشروع الأبحاث الهيدرومتيرولوجية بحوض البحيرات الاستوائية لجمع وتحليل البيانات المائية والمناخية من مياه بحيرات فيكتوريا وكيوجا والبرت، وتجمع الأندجو UNDOGU (الأصدقاء) في 1983- بمبادرة من مصر- لتبادل وجهات النظر حول قضايا التنمية الاقتصادية والمجتمعية، والذي دعي الي ربط دول حوض النيل بشبكة كهرباء واحدة، وتحسين مصايد الاسماك ، وإعداد برنامج تنفيذي للإقلال من الهدر المائي، واقامة مركز اقليمي للدراسات الاجتماعية.
وتشمل المبادرات إنشاء "لجنة التعاون الفني لترقية البيئة" Tecconile (1993) للتخطيط والحماية البيئية لوادي النيل، التي كان لها دوراً هاماً في تنظيم مؤتمرات النيل التي نوقشت فيها قضايا التنمية والبيئة ودور المرأة. كما قامت اللجنة بإعداد خطة عمل إشتملت على 21 مشروعاً علي أساس التعاون الاقليمي لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة في اطار رؤية مشتركة. كما نتج عن التيكونيل "مبادرة حوض النيل" NBI التي تم الاعلان عنها في فبراير 1999 لتمثل شراكة اقليمية للسعي نحو التنمية المستدامة لمياه النيل وإدارتها علي أساس رؤية مشتركة تشتمل علي الأهداف التالية:
1- تنمية الموارد المائية لحوض نهر النيل بطريقة منصفة ومستدامة لتأمين الرخاء والأمن والسلم لكل شعوبه.
2- ضمان كفاءة الادارة المائية والاستخدام الأفضل للموارد.
3- تأمين التعاون والعمل المشترك من أجل منفعة الجميع.
4- استهداف استئصال الفقر، وتحفيز التكامل الاقتصادي.
5- ضمان أن يفضي البرنامج إلي الانتقال من التخطيط الي العمل.
وأدت مبادرة حوض النيل إلي برنامج عمل استراتيجي للبيئة والطاقة، وزيادة كفاءة استخدام المياه، والادارة والتخطيط ، وبناء الثقة، والتدريب العملي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
كما نجم عن مبادرة حوض النيل مجموعة استشارية ICCON-CG تضم الجهات المانحة.
وكان من إسهامات المبادرة الهام' التوصل الي "اتفاق حول إطار تعاوني لحوض نهر النيل" المعروفة باتفاقية عنتيبي اساس اتفاق قانوني بين كل دول حوض نهر النيل. وقد وقعت علي اتفاقية عنتيبي في عام 2010 ست دول هي أثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، واوغندا، و بروندي، ورواندا من جملة 9 دول، ولقد صادقت عليها اثيوبيا وأيدتها دولة جنوب السودان (لم تكن حين التوقيع في 2010) وتحتاج الاتفاقية الي مصادقة 6 دول لتدخل حيز النفاذ.
وكان الهدف الرئيسي من هذه الاتفاقية إنهاء الخلافات القانونية بين دول حوض النيل بخصوص تفسير وصلاحية الاتفاقيات السابقة التي تمت بين بعض الدول وهي غير ملزمة لغيرها أو بين بعض الدول التي كانت تستعمر مصر والسودان أو ذات نفوذ خارجي.
وعلى سبيل المثال، قام وندمنية تيلاهون Wondimneh Tilahun – الأستاذ بجامعة أديس أبابا - كشف في كتابه الذي صدر في عام 1979 عن تخوفات إثيوبيا مما تصوره من سعي مصر للهيمنة علي إثيوبيا وعدم اهتمام مصر باحتياجات أثيوبيا المائية. كان ذلك عقب مقترح ترعة السلام وتهديد السادات باللجوء إلي القوة العسكرية لتأمين موارد مصر المائية، كما انتقد قيام مصر والسودان منفردين بالاتفاق حول تقسيم مياه النيل في 1959 دون الرجوع الي أو مشاركة أثيوبيا.
وتعرض وندمنية تيلاهون للمعاهدة الحدودية بين بريطانيا مصر وأثيوبيا (1902) التى يتعهد فيها الإمبراطور منليك الثانى- ملك ملوك أثيوبيا- بألا يقيم أو يسمح بإقامة أى عمل عبر النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يمكن أن يوقف تدفق المياه إلا بالاتفاق مع بريطانيا والسودان.
ويري تيلاهون أن هذه التعهدات "حشو" غير صلة بموضوع الاتفاقيات الحدودية، وأن المعاهدة الحدودية تلزم الإمبراطور منليك وليس الحكومة الأثيوبية، وأنها ليست بين حكومة السودان وأثيوبيا حيث أن حكومة السودان لم تكن لها شخصية اعتبارية أو قانونية حينذاك.
كما يعتقد تيلاهون أن مبدأ تعاقب الدولة لا يعنى نقل كل الحقوق والواجبات على الدولة التى خلفتها. ولكن ذلك الطرح يخالف إتفاقية ڤينا لعام 1978 بخصوص التوارث وعدم المساس بحقوق الدولة النهرية التى تتضمنها المعاهدات الدولية.
ولتفادى الإشكاليات القانونية وفي إطار توجه جديد علي أساس التعاون بين دول حوض نهر النيل وتعزيز نجاحات مبادرة حوض النيل كانت الدفعة لصياغة اتفاقية تضم الجميع ، وينعكس ذلك علي ما جاء بمقدمة الاتفاقية:
1- أهمية نهر النيل للجودة الاقتصادية والمجتمعية لشعوب دول حكومات (دول) حوض نهر النيل.
2- الرغبة في تقوية التعاون بين دول حوض نهر النيل كمصدر طبيعي عظيم وحيوي يربط دول الحوض وكأساس للتنمية المستدامة.
3- التأكيد علي الأهمية البيئية للنيل كمورد ذو قيمة لا حدود لها لكل الدول النهرية المشاطئة.
4- أن تكون الاتفاقية أساسا للحوكمةGovernance الخاصة بدول نهر النيل لتحفيز الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة والاستخدامات المتناسقة للموارد المائية للحوض، ولحفظ وصون الموارد المائية لصالح الاجيال الحالية والمستقبلية.
5- من صالح دول حوض النيل أن تؤسس هيئة Organization لتساعد في إدارة الموارد الموارد المائية والتنمية المستدامة لصالح جميع دول حوض نهر النيل.
6- الاخذ في الاعتبار المبادرات العالمية لتحفيز التعاون لتحقيق الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة للموارد المائية.
وبينما كان الاتفاق بين وزراء دول حوض النيل علي الاتفاقية في مرحلته الأخيرة وتم التوافق علي 41 مادة ، وتبقى صياغة تعديلات 3 مواد، تمت إقالة الوزير المصرى ليخلفه وزير لم يكن علي علم بالملف أو تفاصيل الاتفاقية في مارس 2009 ، علما بأنه كان مخططا لتوقيع الاتفاقية 22 مايو 2009. ومع أنه تم الاتفاق على منح فرصة 6 شهور من يوليو 2009 لوضح حلول للنقاط الخلافية ، فجاء الوزير المصري الجديد الجميع خلال الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري لدول حوض النيل في 14 أبريل 2010 بعرض القيام بمؤتمر قمة لإصدار إعلان رئاسي لإنشاء مفوضية حوض النيل، وبذلك ضرب عرض الحائط بالأليات القائمة وكل المجهودات التي قام بها وزراء الموارد المائية خلال السنوات السابقة ، وبالطبع رفض الوزراء الاقتراح المصرى. وفي 14 مايو 2010 وقعت على الاتفاقية أثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا ثم وقعت عليها كينيا وبوروندي وبذلك تكون جميع دول المصب ماعدا الكونغو قد وقعت الاتفاقية بأغلبية 6 دول من تسعة للحوض ككل. ولقد صادقت عليها اثيوبيا وأيدتها دولة جنوب السودان (لم تكن حين التوقيع في 2010). وتحتاج الاتفاقية الي مصادقة 6 دول لتدخل حيز النفاذ.
وفى هذه المرحلة الحرجة نحتاج الى قراءة جيدة واعية حصيفة لاتفاقية عنتيبى، وإعادة النظر فى الموقف المصري القانوني. ومع غياب نص رسمي لموقف الحكومة المصرية حاليا نشير الى رأى الدكتور مفيد شهاب (المصرى اليوم 2/11/2013).
يشير د. مفيد شهاب إلى الحاجة إلى تعديل المادة 14 الخاص بالأمن المائى لتتضمن "عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحصتها التاريخية" مع أن المادة 4 (بند2) يعترف صراحة بحقوق كل دولة فى الإستخدامات الحالية، بل وتؤكد المادة حق الدول فى المطالبة بزيادة حصتها للاستعمالات المحتملة.
(4.e. existing and potential uses of the water resources)
والواقع أن التعديل يجب أن ينصب على بند 4h and 4i)) الخاص بالأخذ فى الإعتبار نسبة الموارد إلى حوض نهر النيل وحوض التصريف.
كما يوصى د. مفيد شهاب بأن يتضمن البند رقم 8 الخاص بالأخطار المسبق عن المشروعات المزمع إقامتها بدول أعالى النيل الذى ينص على "تبادل المعلومات خلال مفوضية حوض نهر النيل" إشارة إلى إتباع إجراءات البنك الدولى، وهى قضية فرعية إجرائية قد يكون مكانها الملحق الفنى علماً بأن مشاركة البنك الدولى ، فى مبادرة حوض النيل يضمن اتباع إجراءاته خاصة إذا ما أصبح طرفاً فى التمويل.
ويرى د. مفيد شهاب أيضاً أن يتم تعديل المادة 34 (وهى فى الواقع المادة 35) وهى مادة تختص بالإجراءات اللازمة لتعديل بعض بنودها(وهى بالتحديد (1,2,3,4,5,8,9,14,24,2433,34) إلا بالإجماع، وإذا لم يتسنى ذلك يتم التعديل على أساس أغلبية الثلثين من الحضور. ولا يتطلب تعديل هذه المادة سوى أن تضم هذه الأغلبية كل من مصر والسودان كدول مصب يمكن أن تتضرر من الأغلبية التى تضم دول المنبع ، وأثيوبيا كطرف أساسى فى موارد مياه النيل لمصر والسودان. مع العلم بأن الاتفاقية تنص علي أن قرارات المجلس الوزاري تمرر بالأجماع.
ومن ذلك نرى أن التعديلات المطلوبة محدودة ويمكن التوصل إلى تسويتها خلال مفاوضات فى إطار الاحترام المتبادل والثقة والتعهد بالالتزام بالتعاون نحو مستقيل أفضل لكل دول حوض النيل.
لقد خسرت مصر خسارة جسيمة عندما لم تقوم بدور إيجابي فى التوصل إلى تسوية الخلافات حتى ولو عن طريق وسيط دولى. وينبغى التأكيد على أن مكاسب مصر فى اتفاقية عنتيبى مكاسب تاريخية خاصة لأن الاتفاقية تضمنت الإقرار بالمبادئ القانونية الأساسية التى تشمل عدم التسبب فى الضرر ومبدأ الإنتفاع المنصف (العادل) والمعقول للموارد المائية.
والتعديلات المطلوبة بالمقارنة بالمزايا التى الإتفاقية خاصة وأن هذه الإتفاقية هى أول اتفاقية بين دول حوض نهر النيل، وأن الإنضام إلى الاتفاقية (ولمصر حق الإنسحاب فيما بعد) يضمن تمثيل مصر فى القرارات الخاصة بإدارة الموارد المائية لحوض النيل،كما يسمح للمجتمع الدولى أن يقدم العون المالى والفنى اللازم لإتمام المشروعات التى تصب فى المنفعة العامة للجميع.
ولقد تناول عدد من القانونيين والباحثين لإشكاليات القانونية الخلاصة بحوض النيل ويري د. فيصل عبد الرحمن علي طه رئيس قسم القانون والمقارن بجامعة الخرطوم سابقاً بالرجوع الي قانون المجاري المائية الدولية حسب اتفاقية الامم المتحدة حق دول المجري المائي بطريقة منصفة ومعقولة علي الا يحرم ذلك الدول الأخرى من الانتفاع ، كما يشير إلي أن محكمة العدل الدولية عززت هذا المبدأ، ويوضح أن الانتفاع المنصف لا يعني المساواة في حصص الدول من المجري المائي، لأن الانتفاع المنصف يأخذ في الاعتبار وقائع وظروف كل حالة كما وأن العوامل التي تأخذ في الاعتبار لا يمكن وضعها في قائمة حصرية وأن وزن كل عامل يختلف من حالة الي أخري ومن وقت لآخر، ولابد من الحوار بروح التعاون والنظر إلي جميع العوامل والتواصل علي استنتاج علي اساسها ككل وتحدد المادة (1) العوامل والظروف في القانون الدولي .
1- العوامل الجغرافية والهيدروغرافية والهيدرولوجية والمناخية والايكولوجية والعوامل الاخري الطبيعية (ويقابلها بالنص المادة "4" بند"25").
2- الحاجات المجتمعية والاقتصادية لدول المجري المائي المعنية (نفس المادة في اتفاقية عنتيبي).
3- اثار استخدام أو استخدامات المجري المائي في إحدى دول المجري المائي علي غيرها من دول المجري المائي (السكان اللذين يعتمدون علي الموارد المائية في كل دولة من دول الحوض كما في إتفاقية عنتيبي)
4- الاستخدامات القائمة والمحتملة (نفس الماده في إتفاقية عنتيبي مع استبدال المجري المائي بالموارد المائية).
5- حفظ الموارد المائية للمجري المائي وحمايتها وتنميتها والاقتصاد في استخدامها وتكاليف التدابير المتخذه في هذا الصدد (نفس المادة في اتفاقية عنتيبي.
6- مدي توافر بدائل ذات قيمة مقارنة لاستخدام معين مزمع أو قائم (نفس المادة في اتفاقية عنتيبي).
ولكن اتفاقية عنتيبي تضيف بند عامل خاص بإسهام كل دولة حوضية الي مياه حوض النيل، كما تضيف عامل آخر وهو مساحة ونسبة منطقة التصريف المائي، كما سبق ذكره ، ونري أن هذين العاملين في حاجة الي التعديل لان فيهما إجحاف بدول المصب (مصر والسودان)، ويمكن التوصل إلي تقليل وزن هذين العاملين في المعادلة النهائية لتحديد التوزيع المنصف والمعقول للموارد المائية وتجنب تسبيب الضرر الذي يعتمد اساساً علي الاحتياجات الحياتية وعدد السكان والاستخدامات الحالية والمحتملة من منطلق روح التعاون والتآخي.
ويناقش د. فيصل طه نقطة هامة بالنسبة للاستخدامات القائمة والمحتملة، علي اساس بعض اراء القانونيون الذين يرون أن القانون الدولي المعاصر يرفض الاعتراف بمبدأ الحق المكتسب المطلق لأن من شأنه تجميد تنمية النهر مما لا يتفق مع مبدأ التوزيع المنصف، ولذلك يتطلب الامر توضيح أن الاستخدامات الحالية ذات اولوية إذا لم تتعارض مع مبدأ التسبب في الضرر لأن الاستخدام المنصف يتضمن مبدأ عدم التسبب في الضرر . وقد يحتاج ذلك إلي مذكرات توضيحية.
ويري إشيتو جرما Eschetu Girma أن قانون المياه الدولية العرفي محدود النفع في حالة فض النزاعات، وأنه يحتاج إلي مفاهيم ومبادئ جديدة ليكون له دور فعال في المستقبل، وأن مبدأ التوزيع المنصف والمعقول هو الإختيار الوحيد لمنع النزاع واستعادة السلام والامن وإستخدام المجاري المائية للنفع العام.
ومن ناحية اخري يري ديريجى زيليكى Dereje Zeleke أستاذ القانون بجامعة ڤينا أن إقحام مفهوم "الأمن المائي" في الاتفاقية Water Security يؤدي إلي العديد من المشاكل لأنه مفهوم غير قانوني، وغير محدد (مبهم) مما قد يؤدي إلي نتائج سيئة، وأنه من الأفضل الالتزام بالاطار والمفاهيم المتضمنة في قانون المياه الدولي. وفي هذا الصدد، ينبغي إلا ننزلق في مسار " الأمن المائي " الذي مازال يحتاج إلي صياغات قانونية. ولكن د. أيمن السيد عبد الوهاب (آفاق سياسية 2014) يقترح إعادة رسم المسار التفاوضي عبر طرح العلاقة الثلاثية المتمثلة في مفهوم الأمن المائي وعلاقته بالأمن الغذائي والأمن الإنساني، ومع وجاهة الفكرة من الناحية النظرية والأخلاقية، و ولكن علينا أن نكون علي حذر لأن ذلك سيؤدي إلي تعقيد المشهد قانونياً. ولكننا معه في التأكيد علي المصالح المشتركة، ومبدأ عدم التسبب في الضرر، وإعطاء الأولوية لمشروعات التكامل الاقتصادي.
و يري مايكل هاموند Michael Hammond - من جامعة اكسترا بأنجلترا - أن القرار (الاحادي الانفرادي) الذي قامت به إثيوبيا عندما بدأت العمل في سد النهضة لا يمكن أن يكون خطوة مثمرة في نحو الامن المائي للجميع.
أما هابتامو الباشي Habtamu Alebache أستاذ القانون من جامعة ميكيل بأثيوبيا فيرى أن القانون الدولي يتميز بالتعميم في حالة الانهار الدولية و أن الانهار الدولية حالات خاصة، وبضيف أن القانون الدولي غير واضح ومثالي وقابل لتفسيرات وتأويلات عديدة. كما يري أن المصريين بإصرارهم علي عدم التفاوض للتوصل الي صيغة مقبولة للطرفين في حالة سد النهضة قد وضعوا أنفسهم في وضع سيئ لأن عليهم الانتظار حتي يتم التحقق من مضار السد.
ومن المفارقات أن مصر كانت تطمح منذ بداية القرن العشرين مواجهة سنوات الجفاف المتعاقبة بالتخزين في البحيرات الاستوائية وبحيرة تانا . وفي 1988 طالب مهندس عبد الله محمد إبراهيم نقيب المهندسين السودانيين ورئيس الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل سابقاً بالتفاوض مع أثيوبيا لتنفيذ مشروع التخزين في بحيرة تانا لتوفير المياه الصيفية ولتوليد الطاقة الكهربائية.
ومع كل هذه الاطروحات القانونية، فنحن نتفق مع د. محمد سالمان طايع (مصر وأزمة مياه النيل) على أنه لا يجب تغليب النواحي القانونية لحل الازمة، وأن تكون نقطة الانطلاق هي الإلتزام بالرؤية التي تبنتها مبادرة حوض النيل والتي تسعي نحو شراكة اقليمية للسعي نحو التنمية المستدامة لمياه النيل وأدارتها لتأمين الرخاء والامن والسلم لكل شعوبه، والتعاون من اجل منفعة الجميع، وتحفيز التكامل الاقتصادي والقضاء علي الفقر.
ويري د. سلمان محمد سلمان، مستشار البنك الدولي لقوانين المياه، (فبراير 2014) إن الوسطاء والمانحون الذين وقفوا مع المبادرة لأكثر من عشر سنوات يفقدون حماسهم وبعضهم قد تقاعد مما يعنى أنه بمرور الوقت ستضيع الفرصة لتحقيق الآمال والرؤية التي جسدتها مبادرة حوض النيل، كما يري أن اتفاقية عنتيبي المقترحة لكل دول حوض نهر النيل هي البديل المنطقي لإتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان التي لاتلزم غيرهم.
ومن رأي حلمي شعراوي (خبير السياسات الافريقية والعربية) أن اتفاقية عنتيبي بتأكيدها علي مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لموارد المياه والالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم للدول الاخري تؤدي إلي ضرورة الحوار حول المبادئ لا مجرد التفاوض حول التفاصيل، وأننا في حاجة إلي القراءة السياسية للإتفاقية ، و يري أن المفاوض المصري و المفاوض الأثيوبي راغبين في التوافق لا الصراع، ويشير إلي الحاجة لتوخي الحذر من شبكة مصالح رأس المال العالمي التي قد تري أن مصالحها قد لا تكون في صالح التنمية المحلية والوطنية والاقليمية (سودانيل 14/2/2014)
ونخلص من كل ذلك أن من شأن الرؤية المشتركة لدول حوض النيل علي أساس عدم التسبب في الضرر والتوزيع المنصف والمعقول، والاخطار المسبق وتبادل المعلومات، والتأكيد علي المحافظة علي الاستخدامات الحالية ومراعاة الاحتياجات المستقبلية، والنص علي التوصل الي قرارات المجلس الوزاري - الذي يتكون من وزراء الموارد المائية لدول حوض نهر النيل- علي أساس الاجماع (مادة 23، بند 6) ضمان للتفاوض البناء علي أساس الثقة المتبادلة ومبادئ النص التمهيدي للاتفاقية.
إن رفض مصر التوقيع على هذه الاتفاقية علي اساس الحاجة لتعديل وبعض التفاصيل (بعض البنود من 3 مواد مواد مقابل 41 مادة ، كما ويطلق يد حكومات الحوض الأخرى للقيام بمشروعات قد تضر إيراد مصر المائي كما يحدث حالياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.