صقور الجمهوريين ومجرمو حرب العراق يظهرون على شاشات التليفزيون والصحف للتحريض على المنطقة مجددا واشنطن تريد حكومة عراقية جديدة يتم تشكيلها دون نورى المالكى. وقد أعطت الإدارة الإشارة إلى هذا، وأبلغت الأطراف العراقية بضرورة تبنى هذا التوجه. وحسب ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» على صفحتها الأولى أمس فإن الإدارة صارت مقتنعة بأن المالكى رئيس الوزراء الحالى غير قادر على التوافق مع الأقلية السنية فى العراق وتحقيق الاستقرار فى المشهد السياسى المشتعل. من ناحية أخرى أظهرت الإدارة، أول من أمس الأربعاء، تحفظها تجاه توجيه ضربات جوية فى العراق أو التدخل عسكريا لمساندة الحكومة القائمة ذاكرة للكونجرس أن القيام بالقصف الجوى له تبعاته، وأن انقسامات العراق السياسية يجب التعامل معها ومعالجتها أولا. وقد أجرى جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى، اتصالا هاتفيا، الأربعاء، مع نورى المالكى، رئيس الوزراء العراقى، وتحدث معه حسب بيان صادر من البيت الأبيض عن حكومة توافقية وضرورة احتواء الوضع الحالى ومخاطبة المطالب الشرعية للطوائف العراقية المتعددة. وفى جلسة استماع عقدت بالكونجرس حذر تشاك هيجل، وزير الدفاع الأمريكى، ومعه الجنرال، مارتن ديمبسى رئيس الأركان، من المخاطر العسكرية والسياسية المصاحبة لقصف جوى فى العراق، مشيرا إلى أن التسرع فى اتخاذ القرار قد يكون له رد فعل سلبى إذا لم يتم تحديد الأهداف بدقة. وقد ذكر ديمبسى أيضا بخصوص هذا الأمر صعوبة تحديد الأهداف، خصوصا أن العناصر المسلحة السنية «ذابوا وسط التجمعات السكانية». قيادات من الكونجرس التقت الرئيس أوباما خلف أبواب مغلقة ذكرت بعد اللقاء عدم وجود مؤشرات لقيام بعملية عسكرية فى الوقت الحالى. وأشارت تلك القيادات إلى أن الرئيس أوباما أبلغهم أنه ما زال يقوم بمراجعة كل الاحتمالات، وأنه (أى أوباما) يعطى الأولوية لمساعدة قوات الأمن العراقية، وتعزيز قدراتها. كما أبلغ الرئيس قيادات الكونجرس أنه لن يسعى للمطالبة بموافقة الكونجرس إذا قرر اللجوء إلى الحل العسكرى. وكانت البنتاجون قد عززت من وجودها الأمنى وانتشارها العسكرى فى المنطقة تأكيدا لاستعدادها تنفيذ الأوامر، إذا صدرت وطالبت بتوجيه الضربات الجوية ل«داعش» ومواقع تجمعها وتحركها. وقد شهدت واشنطن خلال اليومين الماضيين نقاشا وجدالا حول ما تردد عن ما يحدث فى العراق وتبعاته على المنطقة برمتها. والقضية الأكثر إلحاحا كانت هذا التقارب الأمريكى الإيرانى، الذى تم الإشارة إليه فى إطار «احتواء الموقف» ومحاولة الحد من انتشار قوات «داعش» وبسط نفوذها على امتداد العراق، خصوصا المنشآت العسكرية والبترولية. وفى هذا الأمر حرص مسؤولون أمريكيون على التأكيد أن هذا التقارب «محدود الأهداف والمدة»، وأن الهدف منه ليس أكثر من اجتياز الأزمة الحالية. إلا أن هذا التقارب، إضافة إلى التقارب أو الصفقة التى تمت من قبل بخصوص البرنامج النووى الإيرانى يعطى مؤشرات لتقارب ما تسعى واشنطن لتحقيقه مع طهران. ومثل هذه الأخبار الأخيرة تفتح الأبواب أمام تكهنات عدة حول ترتيبات قوى ومناطق نفوذ تسعى إليها واشنطن وتخطط لها فى المرحلة المقبلة. وبما أن التقارب الأمريكى الإيرانى له ردود أفعال عدة لدى دول الخليج. فإن واشنطن كانت حريصة فى الأيام الأخيرة على التواصل والتشاور بشأنه مع العواصم الخليجية وتحديدا الرياض. فى المقابل تظل «داعش» كقوة صاعدة ومنتشرة و«غير محددة المعالم» مصدر قلق وانزعاج وتخوف لدى الدوائر الأمريكية، خصوصا العسكرية. كما أن انتشار «داعش» عبر الحدود العراقية السورية يعطى أبعادا جديدة للإرهاب وشبكاته فى المنطقة، إضافة إلى أنها تشمل «عناصر أجنبية» بعضها «أوروبية وأمريكية»، مما يعطى طبيعة مختلفة أكثر تعقيدا للإرهاب والإرهابيين والجهاديين الإسلاميين فى المنطقة، ومخاطرهم على المصالح الأمريكية فى المنطقة. ولعل من أكثر الأسئلة المطروحة فى هذا الشأن عدد أفراد «داعش»، وهل هم فى حدود 10 آلاف أم أكثر بكثير إلى عدد يحدده البعض بنحو خمسين ألفا، علما بأن هناك تأكيدات واردة من العراق أن عددهم يتزايد بسبب «تعاطف» أو «تضامن» عناصر مسلحة أخرى معهم تسعى أيضا للتخلص من المالكى ونفوذ الشيعة. وفى كل الأزمات مثلما كان الأمر ولا يزال فى سوريا فإن المآسى الإنسانية المرتبطة بنزوح السكان وتهجيرهم وتحركهم داخل العراق تظل الهم الأكبر والملح أمام المجتمع الدولى والعواصمالغربية. إنها كارثة إنسانية بكل المقاييس، وقد بدأ الحديث عن 1.5 مليون عراقى من المحتمل أن يكونوا ضحايا التهجير والنزوح عبر الأيام. وهذا الأمر بدأ الحديث عنه أيضا خلال اليومين الماضيين. ولعل من أكثر الأمور المزعجة و«المقززة» (إذا جاز التعبير) سياسيا وإعلاميا عودة «المحافظين الجدد» أو «صقور الجمهوريين ودعاة غزو العراق» أو «مجرمى حرب العراق» (كما يوصفون أحيانا) إلى شاشات التليفزيون وصفحات الصحف للحديث عن العراق وتوجيه الانتقاد إلى الإدارة الحالية وإسداء النصيحة لها على أساس أنهم العارفون بالشؤون العراقية وقياداتها وما يحدث فى العراق. ومن هؤلاء ديك تشينى، نائب الرئيس السابق، وبول وولفويتس وبول بريمر وجون بولتون من كبار رجال إدارة بوش التى خططت وبررت وغزت العراق للتخلص من صدام و«تحقيق الديمقراطية» فى العراق. وهذه العودة وهذا الظهور الإعلامى يتكاثر ويتكثف ويزداد حدة وشراسة.