منذ الغزو الأمريكى للعراق، كان المشروع الأمريكى طائفيًّا بامتياز، رغم أى حديث عن الديمقراطية والحرمات. ومنذ اليوم الأول للاحتلال تم تحميل آثام نظام صدام على طائفة «السنة» وتم حل الجيش وتفكيك مؤسسات الدولة والعمل على تقسيمها، وتكريس الطائفية أسلوبا للحكم وأساسًا للتقسيم. وسيطر على الموقف الأمريكى رأى جناح فى الإدارة الأمريكية بأن الإرهاب الذى ضرب أمريكا نفسها كان من «القاعدة»، التى تتجمع حولها جماعات أخرى كثيرة متطرفة نسبوها إلى أهل «السنة». وأن الحل هو فى تطويق المنطقة بهلال شيعى يبدأ من إيران إلى العراق ثم سوريا ولبنان، ويستحوذ على الخليج العربى ويمتد إلى أجزاء من السعودية بعد تقسيمها!! وكان غريبًا أن تطرح هذه الأفكار فى ظل عداء معلن بين واشنطنوطهران، وتهديدات بالحرب وأزمة حول النووى الإيرانى. لكن الرهان الأمريكى كان دائمًا على إمكانية التفاهم ومحاولة التغيير من الداخل. ولهذا لم يكن مفاجئًا أن ينتهى المشهد بعد عشر سنوات والعلاقات تعود بين البلدين، والنفوذ الإيرانى -بموافقة أمريكية- هو الأقوى فى العراق، وقواتها تحارب على البحر المتوسط فى سوريا، ولبنان بلا رئىس انتظارًا لتفاهم مع طهران. لكن الأخطر أن اللعبة الطائفية تحتاج إلى أطراف متشددة من الجانبين، ولهذا رأينا تصاعد منظمات التطرف فى المنطقة، ورأينا «القاعدة» تضرب بقوة، بينما أمريكا وحلفاؤها يرعون عملية تسليم الحكم فى دول الربيع العربى وغيرها لإخوان الإرهاب ومناصريهم، تحت زعم أن إرهابهم من النوع «المعتدل» وفقا للفتاوى الأمريكية!! وبينما كانت عملية تدمير سوريا تتم على قدم وساق، وليبيا تتحول إلى ساحة للإرهاب، كان المخطط يشمل تسليم سيناء لعصابات الإرهاب استكمالاً لحصار مصر وتمهيدًا لسقوطها الكامل، لولا عناية الله وإرادة الشعب وانحياز الجيش المصرى للثورة رغم كل الضغوط الأمريكية!! الآن نشهد الثمار المرة لهذه السياسة الأمريكية الفاشلة والحمقاء، ويدفع العرب -كالعادة- ثمن الصفقات السرية والمعلنة وكذلك ثمن فشلهم وتخلفهم وغيابهم فى وقت يتم فيه تنفيذ الخريطة الجديدة للمنطقة. «داعش» على أبواب بغداد وفى قلب سوريا، وهى تبعث برسائل تهديد إلى الكويت وإلى مصر!! و«داعش» ومثيلاتها من التنظيمات الإرهابية تتحكم فى ليبيا وتهدد باقى دول شمال إفريقيا، وما زالت تقاتل رغم الضربات التى تلقتها فى سيناء. العراق دخل مرة أخرى جحيم الحرب الأهلية الطائفية. العراقوسوريا وماذا بعد؟ سيمتد اللهب إلى الجميع. العالم يتفرج ولن يتحرك أحد إلا للدفاع عن مصالحه. أمريكا التى كانت سببًا فى قتل مليون عراقى منذ الغزو ربما تكون مرتاحة لأن ما خططت له قبل سنوات يتحقق الآن على الأرض. العراق ينقسم بالفعل إلى جنوب يملك البترول ويحكمه الشيعة، وشمال تحت حكم الأكراد، وجيب سنى فى الوسط لا حول له ولا قوة ولا موارد. المهم أن يبقى البترول فى أمان، ولعل التوافق الذى تم مع إيران سيضمن ذلك!! والمهم أن تؤدى جماعات الإرهاب مهمتها حتى يتم تنفيذ المخططات وحتى تكون صورة المسلمين هى صورة «داعش» وأخواتها!! وسط كل هذه المحنة ومع كل هذه المخاطر التى تهدد كل شبر فى الوطن العربى، يطرح السؤال نفسه: أين الموقف العربى من كل ذلك؟! ويأتى الجواب سريعًا: اجتماع فى الجامعة العربية على مستوى المندوبين(!!) أصدروا بيانًا أدانوا فيه الجرائم التى يقوم بها التنظيم الإرهابى «داعش» فى العراق!! قالوا كلمتين عن التوافق السياسى المطلوب!! لم يقولوا أين ومتى سيتم تلقى العزاء فى العراق الذى كان!!