أعترف بداية بأننى لم ألتق يومًا وزير الأوقاف د.محمد مختار جمعة الذى يشغل هذا المنصب من منتصف يوليو 2013 م فى حكومة الببلاوى إلى حكومة محلب الأولى، ولا أعرفه شخصيا، أقول ذلك ابتداءً، حيث تابعت أداء الرجل مع غيره من الوزراء، فلم أجد واحدًا مثله واضحًا فى الهدف وفى الرؤية وفى اختيار الوسائل الملائمة والأسرع فى الوصول إلى الهدف، والأكثر انسجامًا مع مطالب ثورة 30 يونيو، الامتداد الطبيعى لثورة 25 يناير. فالآخرون يجيدون المراوغة وأساليب اللف والدوران والسعى نحو إفساد المشهد وعدم الاقتراب من العدو الحقيقى للشعب، والسعى نحو الترويج لأجندات المصالحة حتى إن أغلب التحليلات تجمعت حول وصف هؤلاء المراوغين من الوزراء فى حكومة الببلاوى بأنهم «الطابور الخامس» والمقصود بذلك أن هؤلاء حاولوا إفشال الثورة والحيلولة دون تحقيق أهدافها، لأنهم اقتنصوا مواقع وزارية وعيونهم على الولاياتالمتحدة وأوروبا وأجنداتهم المخابراتية لصالح جماعة الإخوان «الإرهابية» وضرورة إدماجها فى المشهد السياسى!! إلا هذا الرجل، وهو وزير الأوقاف، فقد تفاعل مع الثورة وأهدافها، فبدأ بتحديد الهدف ووضع الوسائل لترجمته عمليا ثم انطلق فى التنفيذ وبكل قوة وحسم، الأمر الذى أدى به إلى دخول المعارك واقتحام عش الدبابير وكشف الغطاءات الخادعة، والماسكات المتلونة، وإسقاط المراوغين والمنافقين وتجار الدين. فبدأ بتحديد العدو السياسى والمجتمعى، للشعب المصرى الذى ثار من أجل إسقاطه، ورأى أنه هو ما يسمى «جماعة الإخوان وجبهة السلفيين» باعتبارهم تجار الدين والسلطة، وهؤلاء يستخدمون المساجد لإشاعة الأفكار المتطرفة والترويج لأفكارهم ضد الشعب وضد السلطة الحاكمة فى البلاد وضد الثورة، ويستهدفون الاستمرار بكل الوسائل فى المشهد، إلى أن تهدأ الأمور وتستتب الأحوال. فماذا فعل ولا يزال يفعل هذا الرجل الواضح؟ الجواب: إنه اتخذ القرارات التالية: 1- منع صلاة الجمعة فى «الزوايا» وعدم إلقاء الدروس الدينية فيها والاكتفاء بالصلاة فى أوقاتها الخمس وغلق الزاوية عقب كل صلاة. 2- قصر خطبة الجمعة على خريجى الأزهر بمدارسه وجامعته فقط، وعدم السماح لأى شخص خارج ذلك، باعتلاء المنبر وإلقاء الخطبة والدروس الدينية داخل المساجد. 3- عدم السماح لأى شخص لا يحمل ترخيصًا من وزارة الأوقاف بالصعود على المنابر، ومغزى ذلك هو تبيُّن صلاحيته للقيام بهذا الدور التنويرى والترويج لأفكار الإسلام الوسطى الأزهرى، وتفويت الفرصة على المروِّجين لفكر التشدد والإرهاب. 4- إلغاء تبعية المساجد لأى جمعيات، وإنزال جميع اللافتات المعلقة على المساجد واستبدال لافتات اسم الجامع أو المسجد بها، وتبعيته لوزارة الأوقاف. 5- إلغاء جميع المساجد الأهلية، وإخضاعها بالضم الكامل إلى وزارة الأوقاف. 6- إلزام جميع الخطباء فى يوم الجمعة، وشارحى الدروس الدينية فى غير ذلك، وعلى مدار الأسبوع بعدم الحديث فى الأمور السياسية أو الترويج لفكر سياسى أو شخصى أو انتخابات أو أحزاب.. إلخ. 7- تحديد موضوع الخطبة الأسبوعية يوم الجمعة مسبقا وتوحيدها على مستوى الجمهورية، الأمر الذى أدى إلى وجود شبكة اتصالية حديثة بين الوزارة والمديريات والمراكز فى كل المحافظات. 8- تنظيم دورات لتدريب الدعاة وإعدادهم لممارسة وظيفتهم فى خدمة الدين الإسلامى والمجتمع المصرى فى إطار منهج الوسطية الأزهرية. وبهذه القرارات الثورية الواضحة، استطاع الرجل أن يدخل فى معارك مع دعاة الدين ودعاة الفتوى، ومروِّجى الأكاذيب، وموظِّفى الدين الإسلامى فى تحقيق مصالح سياسية لجماعة هنا أو هناك. وشن الإخوان الإرهابيون وأنصارهم فى جبهة السلفيين حربًا على الرجل حتى وصل ذلك إلى تحدى قرارات الدولة، والإصرار على الصعود على المنابر يوم الجمعة، والإصرار على فتح الزوايا يوم الجمعة واحتكار المنبر من جماعات الإرهاب والعنف، الأمر الذى قاد الرجل إلى تجاوز القرارات الوزارية باستصدار قانون اعتمده وأقره وأصدره رئيس الدولة المختار بإرادة الشعب والقوى الثورية فى 30 يونيو 2013 م وهو المستشار الجليل عدلى منصور. والصحيح أن الرجل، وزير الأوقاف، واضح فى مواجهاته ونجح بدرجة «امتياز» فى معاركه، والصحيح أيضا أن الأمن والأجهزة لم تكن داعمة له بالقدر الكافى، لكن العذر قائم بسبب الانشغال بالمواجهات الدامية مع الإرهابيين يوم الجمعة من كل أسبوع، والتى انحسرت كثيرًا، ومن ثم فإن الأجهزة المحلية والأمنية فى كل محافظات مصر عليها دور لتفعيل القانون وتنفيذ قرارات الوزير على الأرض كاملة، إعلاءً للقانون واحترامًا للدين.. وإعلاءً لشأن الدولة وهيبتها. وأقول للمارقين من الإخوان والسلفيين الإرهابيين: لو كنتم تحترمون الدولة والوطن لقدمتم القدوة فى ذلك، ولكن تحديكم وإصراركم على كسر قرارات الدولة يؤكدان السعى الدائم لتحقيق مصالحكم الشخصية ومشروعكم السياسى الذى أسقطه الشعب. ولذلك فإن هذا الرجل د.محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، يستحق أن يستمر وزيرًا فى المرحلة القادمة، مرحلة الرئيس السيسى، لأنه ترجم أحلام الشعب ونفذ أهدافه، وعليه استكمال المشوار حتى النهاية، مع بذل الجهد فى حماية أراضى الأوقاف فى كل أنحاء مصر، التى تعرضت إلى الانتهاك والاغتصاب والسرقة بعد ثورتى 25 يناير، و30 يونيو، امتدادًا لمسلسل اغتصابها قبل 25 يناير، وعليه مواجهة مافيا فساد أراضى الأوقاف، ومنهم قيادات داخل الوزارة وقيادات كبرى فى السلطة وخارجها، وإنا لمتابعون حتى تصل مصر إلى بر الأمان. إنها صرخة داعمة لكل من يعمل لصالح مصر وشعبها، والثورة مستمرة حتى النصر، بإذن الله، ولا يزال الحوار متصلاً.