لم يفاجئنا فقط حينما عرفنا أن له العديد من المؤلفات فى الأدب والشعر أبرزها الأدب العربى فى عصره الأول، وأنه أحد أعضاء اتحاد كتاب مصر وله اهتمامات كبيرة بمجال التنمية البشرية التى حاضر فى كثير من منتدياتها كداعية وأستاذ جامعى متخصص فى العلوم الشرعية والأدبية بل فاجأنا أيضا بقراراته وأدائه الثورى والجرىء والمتزن أيضا. د.مختار جمعة وزير الأوقاف الحالى هو أحد عمالقة الأزهر الشريف وأحد كوادرها المتميزين وأحد تلامذة الشيخ أحمد الطيب أيضا.
يكفيك فقط أن تعرف مسيرته العلمية المتميزة فهو أحد أساتذة الدعوة وأحد المهتمين بالأدب الإسلامى ورئيس الإعلام الدينى السابق بمشيخة الأزهر، وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة المنتخب لهذا المنصب. حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وله العديد من الإسهامات العلمية والشرعية والأدبية، منها وضع مناهج اللغة العربية وآدابها لكليات التربية بسلطنة عمان وفى تطوير مناهجها.
مختار جمعة هو الوزير الوحيد الذى اتخذ قرارات ثورية حاسمة فى حكومة الببلاوى داخل أروقة وزارة الأوقاف، فى ظل تراجع تام لوزراء محسوبين على الثورة مثل كمال أبو عيطة أو أحمد البرعى واللذين لم يحققا أى شىء يذكر حتى الآن.
مختار جمعة استطاع خلال أشهر قليلة من تقلده منصب وزير الأوقاف أن يتخلص من أزمات عديدة داخل الوزارة، وخرج بمجموعة من الفتاوى والقرارات الإدارية والتنظيمية والمواقف الحاسمة والمؤثرة لتحسين الوضع فى جميع الملفات التى تتبع الأوقاف، وسد الثغرات التى ينفذ منها المتطرفون فكريا والفاسدون إداريا داخل الوزارة أو فى الهيئات التابعة لها.
وعندما جلس مع شيخ الأزهر فور تسلمه مهام الوزارة أبلغه أنه بحاجة إلى مدة من ثلاث إلى خمس سنوات حتى تتم إزالة التشوهات التى لحقت بالخطاب الدينى والوجه الحضارى للإسلام نتيجة الخروج عن المنهج الوسطى والأزهرى واقتحام غير المتخصصين لعالم الدعوة، وبدأ بالفعل فى عملية الإزالة السالف ذكرها بمعارك كبرى تحسب له.
خاض مختار معركة حامية مع المساجد التابعة للجمعيات الشرعية والسلفية وغير المؤهلين لإلقاء خطب الجمعة أو يستخدمونها لترويج أفكار تخدم كيانات وأحزابًا وأفكارًا سياسية ودينية متطرفة، وأصدر قرارًا تحذيريًا لهذه الجمعيات يتوعدها بسحب المساجد التابعة لها فى حال استخدامها فى أهداف سياسية أو ترويج أفكار قد تضر بالمجتمع، وكالعادة لم تلتفت الجمعيات لقراره واعتبرته مجرد تهديد لن يجرؤ الوزير على تنفيذه لأن من حاولوا مسبقا مجرد التفكير فى أمر كهذا تراجعوا على الفور خوفا من غضبة أعضاء هذه الجمعيات والتابعين لها، وكانت المفاجأة الكبرى لهذه الجمعيات فى 5 أكتوبر الماضى حينما وصلت العديد من الشكاوى بشأن خطبة الجمعة الماضية 4/10/2013م بمسجد الفتح بحدائق المعادى وتوظيف الخطبة لأغراض سياسية وكان طلعت عفيفى الوزير السابق فى حكومة قنديل هو من ألقى هذه الخطبة.
فأصدرت الوزارة على الفور قرارًا بتعيين إمام للمسجد لأداء الخطب والدروس ومنع أى خطيب من غير خطباء الأوقاف من صعود منبر المسجد، وذيلت الأوقاف قرارها الجرىء بأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة تجاه أى تجاوز فى حق مساجدها أو أئمتها والتعرض لهم فى أداء مهامهم الوظيفية.
ويرى الكثيرون أن قرار الوزير سيساعد فى بتر هذه الظاهرة التى استخدمتها التيارات الدينية المختلفة فى ترويج أنفسهم سياسيا من خلال المساجد ومنابرها، وبذلك نستطيع حماية المساجد ومصليها من أطماع سياسية مخلوطة بالدين.
قرار جرىء آخر اتخذه وزير الأوقاف الحالى بعدما صلى الجمعة فى أحد المساجد واستمرت خطبة الجمعة لأكثر من 50 دقيقة، لذلك أصدر قراراً بألا تزيد خطبة الجمعة فى جميع مساجد مصر التابعة لوزارة الأوقاف على 20 دقيقة «حتى لا تتعطل مصالح الناس».
وأصدر بيانا لجميع مديرى المديريات والإدارات والمفتشين بالتأكيد على جميع الأئمة والخطباء أن تكون خطبة الجمعة فى حدود خمس عشرة دقيقة ولا تجاوز العشرين دقيقة بأية حال للخطبتين معا، وذلك حرصا على التركيز فى الموضوع وعدم تشتيت المستمعين لطرح العديد من الموضوعات فى الخطبة الواحدة، ومراعاة لظروف الناس فمنهم المريض والمسافر، والعامل، وأصحاب الحاجات.
أما الفقه والسيرة والقضايا التفصيلية، فمجالها الدروس العلمية المحددة للأئمة والوعاظ وفق مقتضيات الوظيفة وخطة العمل الدعوى.
الوزير كان يعلم أن العديد من التيارات الإسلامية ستهاجمه بسبب هذا القرار، وستسعى لتشويهه ووضعه فى خانة المفرط والمتساهل، ولكنه لم يتوقف عن قراراته الثورية والتى عجز عنها من سبقوه.
ولم يتوقف عند هذا الحد بل اتخذ قرارا بغلق جميع الزوايا الصغيرة التى تقل مساحتها عن 80 مترًا، مبررا ذلك بأنه يوجد بعض الفصائل التى تقوم بتوظيف الدين لتحقيق أغراضها السياسية فى أى شىء وفى أى مكان، منوها إلى أن الأصل عند العلماء والفقهاء أن تصلى الجمعة فى مسجد جامع واحد فى كل قرية ولكنه أخذ بالرأى الأيسر وأغلق الزوايا فقط.
وأوضح أن الزوايا منشأة للتطرف والتشدد وبعض الخطباء يستغلونها فى نشر أفكارهم المتطرفة، لافتا إلى أن الزوايا كانت وسيلة للاعتداء على أملاك الدولة والأراضى الزراعية وأن إغلاقها سيتسبب فى إعمار المساجد الكبيرة.
وكانت آخر آرائه وفتواه المؤثرة إنه غير مسموح لأى حاج أن يشير بأية علامات أو يحمل لافتات تدل على انتمائه السياسى أثناء أداء مناسك الحج أو الوقوف على جبل عرفة، لأن ذلك يبطل الحج.. موضحًا أن الحج ليس مكانا لممارسة السياسة وإنما للعبادة وأداء الفريضة.
أعتقد أن مصر الآن وهيئاتها ومؤسساتها يحتاجون بشكل كبير وضرورى للنموذج الذى قدمه مختار جمعة وحقق حتى الآن تقدما ملحوظا ومهما.