يبدو أن واضعو امتحانات اللغة العربية اعتادوا على «مغازلة السلطة» رغم قيام ثورة 25 يناير، ففي مشهد مشابه لما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. حيث وضع مدرسو اللغة العربية بمدرسة أبو صير الثانوية بنين بإلادارة التعليمية بسمنود فى محافظة الغربية، امتحان اللغة العربية في الدور الأول للصف الأول الثانوى لعام 2011 بالسؤال الأول الإجبارى فى الفقرة «ب» توجيه رسالة من كل طلاب المرحلة إلى المجلس العسكري المصري يشكره فيها على حمايته للثورة المصرية، وتصميمه على حماية البلاد من كل عميل وطامع، رغم ما تعرض له من إهانات. هذا المشهد الذي يعد بداية لعودة عهد المخلوع، يذكرنا بأسئلة التعبير التي كانت توضع في امتحانات الثانوية خلال العهد البائد والتى تحثهم على الكتابة عن إنجازات مبارك، لنتذكر الطالبة «آلاء فرج مجاهد» طالبة الصف الأول الثانوي، التى شغلت حياة المصريين لمدة أسبوعين، عندما انتقدت حسنى مبارك فى موضوع تعبير، عام 2006، وقالت إنه يستجيب للرئيس الأمريكي، ويوافق على سياساته، وقامت الدنيا ولم تقعد، وكال الجميع لها ولوالدها الاتهامات، فتحدثوا عن انتمائها لجماعة محظورة ما، لقلب نظام الحكم، ولكنها في الحقيقة كانت تكتب عن أوجاعها. وأشار أيمن البيلي -وكيل النقابة المستقلة للمعلمين- إلى أنه مازال جهاز أمن الدولة المعروف ب«الأمن الوطني» يمارس نفس الأدوار التي كان يلعبها سابقا في عهد مبارك ويتدخل في تمرير فكرة الزعيم الملهم، ولكن هذة المرة تنسحب على المجلس العسكري ومحاولة التأكيد على الوهم الذى يحاول الإعلام المصري اثباته أن المجلس العسكري هو الذي قام بالثورة وعلى الشعب ان يخضع له وان يرتبط ذلك بإذهان الأجيال القادمة، وكان ذلك هى السمة التى تميز النظام السابق، ويبدو ان تلك المدرسة الإعلامية فى التوجيه النفسي للشعب مازالت مستمرة لإحداث حالة من الثورة المضادة الفكرية أولا ، ثانيا «كيف يمكن أن يمرر مدير إدارة او وكيل وزارة هذا العبث الفكرى فى الامتحانات دون التحقيق فى تلك المخالفة فى قواعد ونظم الامتحانات وانتهاج منهج التحيز لموقف سياسى مخالفا بذلك كل المعايير العلمية والتعليمية، مطالبا وزيرالتربية و التعليم بالتحقيق مع واضع السؤال وتحويله للتوجيه الفني للتحقيق». وأوضح أن نقابة المستقلة سوف تراقب أعمال الامتحانات في الفترة القادمة، لنرصد هذا التوجه ان كان او ظاهرة . اما الدكتور جورج اسحاق -عضو نقابة المعلمين والقيادي بالجمعية الوطنية للتغير والناشط السياسى- أكد أن حث الطلاب على كتابة رسالة لشكر المجلس العسكري على حمايته للثورة بتعليم الطلاب ل«النفاق والدعاية الشخصية المرفوضة تماما» ، قائلا «هذا سياق سخيف ولايمت للتعليم بأى صلة، وكان من الأولى أن نطالب الطلاب بكتابة تعبير عن مايخص مستقبل مصر بعد الثورة او مايخص المسائل القومية، ولكن الإشادة بأى اشياء تروح وتيجى، هذة أفكار أحادية التفكير ويجب ان تنتهى بقيام الثورة». ومن جانبه، عبد الحفيظ طايل -مدير المركز المصرى للحق فى التعليم «قال ان التعليم من المؤسسات التى تصل اليها الثورة ببطء، خصوصا الجزء المرتبط بالقائمين على التعليم، وأخر حلقة بيوصل لها التغيير هم المعلمين والطلاب»، مشيرا إلى إذا كان العقل الذى يدير الوزارة ليس اعنى الاشخاص، وإنما النظام الذى يقوم عليه التعليم المصري الذي قام على مثلث قاعدته «الاستبداد السياسي والفساد وعدم وجود رؤية للتنمية وغيابها، وضعف الانفاق»، قائلا «اذا كان نفس المثلث ده هو اللى بيحكم التعليم حتى الآن دون حدوث أي تغيير، الا فيما يتعلق بتغيير قشرى أو بسيط فيما يتعلق باشخاص وزراء التعليم، لكن العقلية واحدة»، مؤكدا على أن جهاز الأمن السياسي رغم القيام الثورة إلا انه مازال مخترق المعلمين ومجند بعضهم بدء من المدرسة، ووصولا إلى مديريات التعليمية فى شبكة كبيرة من مندوبى الأمن فى المداس والادارات التعليمية ، وصولا الى الوزارة، هؤلاء المعلمي المجندين لجهاز الأمن إما أنهم الذين يضعون هذا النوع من الاسئلة والتى تبعد كل البعد عن التربية بالمفهوم الصحيح للكلمة، وايضا بعيدة عن التعليم، اما ان واضعى الامتحانات يخافون دائما من ذلك الجهاز الأمني، وبناء عليه الأمل فى تغيير هذة البنية الأمنية هو أن يبدأ أولا تطهير وزارة التعليم من أعلى عبر إبعاد الأمن السياسي عن التعليم قبل الجامعى ووجود رؤية واضحة للهدف من التعليم ووجود انفاق حقيقي على التعليم يغنى المعلمين والطلاب عن الدروس الخصوصية التى تساهم فى اخضاع المعلمين لمنظومة الأمن السياسى داخل التعليم، قائلا «لأن ببساطة المعلم الذى يقوم بإعطاء الدروس هو بالضرورة معلم خائف لأنه يرتكب مخالفات إدارية، ولان نمط التعلم فى الدروس الخصوصية قائم على مواكبة الأحداث وتحفيز الطلاب كيفية مغازلة من هم فى السلطة أيا كانوا وبغض النظر عن اشخاصهم، فقد يأتى البرادعي او عمرو موسى فى السلطة ليطالبوا الطلاب بالتحدث عن انجازاتهم».