«تغازل العصافير قضبانها»، وتبتسم عندما تعلم أن هناك من يساندها، ويتعاطف مع حالتها. الناى يبدأ كلامه برقة، ثم تدخل رنات العود السريعة والمبهجة، ويعود الناى يرقص فرحا. إن المساجين يضحكون أيضا، ويكسرون سلاسلهم، ويحطمون قضبانهم.. كلمات عبد الرحمن الأبنودى، وموسيقى فاروق الشرنوبى. والحجار يعلن رسالته لكل المسجونين باطل، ويواسيهم لأن الحجر أيضا يؤمن بعدالة قضيتهم: «زنزانة لاجلك كارهة سجانها».. هذا بعض مما تقوله أغنية «ضحكة المساجين». يعلو الحجار بنا فوق الزنازين والحجارة والقيود، وينبهنا: «أما اللى خان ناسك وأوطانى م الهيبة حاطينه فى قفص تانى»، يكاد يصرخ غاضبا، تشعر أنه سيترك لحن الأغنية ويجلسك أمامه ويمسكك من كتفك ويهزك كى تفيق وهو يتحدث عن سارقى الأوطان: «غيرك فى قفصه بيضربوله سلام.. وانت الجزم قبل الكفوف جاهزين»، يضحك أيضا ساخرا: «يا عم اقعد بس واشرب شاى.. الدنيا ماشية وشعبنا نساى»، ثم يقطب جبينه، لتكتمل الحالة التى وضعنا فيها بصوته، وكأننا داخل عرض مسرحى متكامل الأركان، ينتقل بين جملة وأخرى بين الحنية والسخرية والغضب والتفاؤل والرقة والعصبية، هذا الصوت الذى يغنى وهو فى كامل بهائه وصدقه لأناس محبوسين خطأ، يرسم بأصابعه ملامح بشر كثيرين يشبهون «أبو العلا البشرى» الذى غنى له من قبل فى ثمانينيات القرن الماضى من كلمات الأبنودى، وبموسيقى عمار الشريعى: «ماتمنعوش الصادقين من صدقهم»، و«ولو مش هتحلم معايا.. مضطر أحلم بنفسى.. لكنى فى الحلم حتى عمرى ماهحلم لنفسى»، هذه الأيام أيضا ما زالوا يفعلون نفس الأشياء ويحاولون أن يمنعوا الصادقين، و«مصر عارفة وشايفة وبتصبر.. لكنها فى خطفة زمن تعبر».