أجمل مصاب رأيته خلال الأسبوع الماضى، اسمه أحمد رجب، يرقد فى رعاية مستشفى الهلال، كنت هناك لأزور مصابا آخر اسمه شريف، مهندس، وعمره 28 سنة، متزوج وأب لبنت، فأصر الأطباء والممرضات على أن أذهب إلى زيارة أحمد، كل منهم كان يحاول وصف مشاعره المتعاطفه مع أحمد. زيارتى للمهندس شريف لم تستغرق أكثر من دقيقة، لأنه كان مصابا فى رأسه بضرب شديد، أدى إلى شرخ فى الجمجمة وارتجاج شديد فى المخ، ونزيف تحت آلام العنكبوتية، وكان قرار الأطباء أن يبقوه نائما أطول فترة ممكنة، حتى يستعيد المخ بنفسه حالته الطبيعية، إذن وجدت شريف نائما، حاول الطبيب إيقاظه، فنظر إلى، وقال (هو ليه كده، ليه ضربونى كده، ليه عملوا فى كده؟)، تساقطت الدموع من عينيه الملونة بلون الدم، ثم همس (الجيش.. الجيش)، ثم أغمض عينيه ونام. حاولت أن أتكلم معه، أسأله عايز حاجة يا شريف؟ إيه اللى بيوجعك؟ فلم ينتبه. فانسحبت متوجهة إلى سرير أحمد. أحمد عمره 19 سنة، هكذا أخبرنى الطبيب، أصيب بطلق نارى فى بطنه، أجريت له جراحة كبيرة، اضطر الجراح إلى استئصال إحدى الكليتين، وجزء كبير من الأمعاء، وجزء صغير من المعدة. حصل أحمد على دبلوم، وكان يرغب فى استكمال دراسته، هكذا قالت لى أمه، التى تعمل مشرفة تمريض فى مستشفى تعليمى. أحمد أصيب فى شارع مجلس الوزراء، كان معتصما مع المعتصمين. أحمد عضو فى 6 أبريل، قالت لى أمه هذه المعلومة، وهى تنظر إلىّ، وكأنها تنتظر رد فعلى، فلما لاحظت ارتياحا على وجهى أكملت (أحمد بيحب بلده بجد، وبيفكر فى الناس طول الوقت، وعايز يعمل حاجة كويسة.. عمره ما أذى حد، ولا كان فى تفكيره إلا كل خير، يقوم يبقى جزاءه يضرب بالنار كده، الرصاصة قطعت بطنه كلها، الدكتور بيقول لقيت بحر دم، وكل حاجة جوه متهتكة، فتح فتحة على الجنب، بيقول هايقفلها لما العملية تنجح). همس أحمد، وفهمت بصعوبة ما يقول (أنا عايز مُسكن.. بطنى بتوجعنى)، قال الطبيب بعد ساعة، فأغمض عينيه وملامح وجهه تصرخ ألما. فى اليوم التالى ذهبت لأطمئن عليه، كان أفضل قليلا قال (تعرفى طارق الخولى، جه زارنى امبارح، وفى ناس كتير بتيجى تزورنى، والدكاترة كويسين معايا أوى، بس أنا متضايق من دى)، أشار أحمد إلى (الرايل) الأنبوبة الرفيعة الموضوعة فى أنفه، والواصلة إلى بطنه، ومهمتها إخراج ما تبقى من دماء أو سوائل حول الجرح. فى اليوم الثالث وجدت أحمد غاضبا تماما، ورافضا أن يجيب عن سؤالى اليومى (مين زارك؟)، ورافض أن ينفذ أوامر الطبيب بأكل الثلج، واشترط أن لا يأكل الثلج إلا إذا نزعوا (الرايل). اندهشت قليلا من أمر الطبيب أكل الثلج، خصوصا أن معلوماتى كانت أن أحمد لم يدخل جوفه أى شىء منذ أجرى الجراحة، ويعتمد على المحاليل، بدأ الطبيب يشرح لى السبب، وأحمد يستمع معى بهدوء. فى نهاية الزيارة وافق على أكل الثلج، بعد أن فهم السبب، وبعد أن تلقى وعدا بنزع الرايل فى أقرب فرصة. الألم يجعل أحمد غير قادر على رفع صوته، لكنه لا يمنعه من النقاش. ما زال مشوار علاج أحمد طويلا جدا، وخطيرا جدا، رغم ذلك يؤكد الأطباء أنه سيصمد. أحمد مقاتل، هكذا يقول عنه كل من فى الرعاية. ويقولون أيضا.. أحمد مهذب و(ابن ناس).