اصبح مصطلح الثورة المضادة دارجاً هذه الايام و يشار به الي محاولات بقايا النظام الي تشويه صورة الثورة والقفز مرة اخرى للصفوف الاولى و لاحظت ان ذهبت معظم محاولات تحليل نظريه الثوره المضاده في تحميل مسؤليته الى الايدي التي تختلقها، ناسين ان العنصر الاهم في نجاح هذه المؤامرة هو جزء كبير من الناس غير مسيسين يمكن ان يطلق عليهم ''وقود الثورة المضادة'' ... لا ينكر احد ان احداث ثورة 25 يناير قد قسمت الشارع المصري الى قسمين '' مع النظام و ضده. قد يبدو الآن مع سقوط مبارك ان الشعب قد توحد مرة اخرى، الا ان التحليل النفسي للشخصية الانسانية يؤكد انه مازال هناك تباين بين الفئتين. فالفئة الثائرة تتعامل الآن انها انتصرت و انها كانت علي حق و يصر معظم افرادها علي تذكير المختلفين معهم في كل مناسبه انهم كانوا مخطئين. لا انكر ان محاوله السيطره علي مشاعري تجاه الذين كانوا ضد الثورة ليست سهلة و انه تجتاحني رغبات بأن اصرخ في وجه كل منهم باننا كنا على صواب و انكم لم تؤمننوا بنا رغم وضوح الحق من الباطل ''في وجهه نظري'' الا اني اخذت قراراً بالسيطرة على هذه الرغبات بعد ان ترائى لي ضررها الذي انا بصدد مناقشته. الذي يمكن ترجمته لكلمه : مش قولتلك I told you so ان اكثر تعبير مكروه في اللغه الانجليزية هو و هي كلمة تقال للتشفي في شخص اختلفت معه في وجهة نظر وثبت صدق رؤيتك، الا انها غالباً ما تؤدي الى نفور الآخر منك و بل و نفوره من وجهة نظرك التي ادت الى اهانته علي الاقل فكرياً. لا يجب اغفال نقطه هامة في نفسيه الآخر ''المهزوم فكرياً'' انه خاضع لتأثير ما يسمي بالأستثمار الفكري، فقد ظل لسنوات و سنوات مؤمناً بفكر معين حتي أصبح من الثوابت في حياته و استثمر الكثير من مجهوده العقلي في الدفاع عن هذا الفكر ومنَطَقته. بناءً علي هذا يصبح الظن بأننا في 18 يوم سنغير قناعاته بهذه السهولة هو ضرب من السذاجة. نعم قد يرضخ لضغط الانتصار النفسي والمعنوي، بل و قد يحتفل معك و يعترف (راضخاً) انك كنت علي حق و لكن هذا المهزوم فكرياً لم يتم احتوائه بشكل كامل، بل و يذُكر يومياً من المنتصر انه كان مخطئاً (مش قولتلك) و بالتالي يتم دائماً تذكيره انه ليس جزئاً من هذه الثورة. نتيجه لهذا يكون من الطبيعي أن ،يبحث مضطراً عن اي قشه تثبت له امام نفسه انه لم يكن مخطئاً و انه كان صاحب بعد نظر. هذه القشه يقدمها له بقايا النظام في سيناريو (الثورة المضادة) الذي لا يمكن ان يتحرك خطوة بدون ان يجد العون في المهزومين فكرياً وهم علي اقل تقدير ربع الشعب المصري و الذين يمكن ان يؤثروا علي اقل تقدير على ربع آخر مثال حي لهذا السيناريو : ما يحدث لبعض من داعمي الثورة من عمليه تشويه بإتهامات اقل ما توصف به انها ساذجة و كوميدية الا انها وللغرابه تلقي قبولاً قد يُظن انه عام، ولكنه ليس كذلك ... بل انه قبول غير ممنطق من الربع المهزوم فكرياً قد يتسلل لآخرين. مثال آخر اتنبأ ان ينتشر قريباً: نشر الاحباط و هي فكرة ترددها قله الآن ستزداد ككرة الثلج مع انحسار موجة المدينة الفاضلة التي تسود الشارع والتي يستحيل ان تظل دائمة ألا مع تغيير النظام تماماً بعد سته أشهر. اخيراً اتمني من كل من يحذر من الثورة المضادة ان يلتفت لقطع الطريق علي الخبثاء و هم قله، بأن يتم احتواء '' وقود الثورة المضادة'' وهم كثر. احتواء هؤلاء لن يتم الا بأن يشعر الجميع ان الثوره هي ملك لكل مصري. إن استبعاد أي فصيل من شرف الاحتفاء بالثورة هو استعداء له، فمثلاً عندما تستبعد الشرطة فأنك استبعدت 1.2مليون شرطي، و علي اقل تقدير 2 مليون من أسرهم. بالتأكيد ان عدم استبعاد الشرطة لا يعني التفريط في نقطة دم واحدة من دماء الشهداء او المصابيين بل أن عدم استبعادهم لن يحدث الا اولاً بتطهير هذا الجهاز و إنزال العقاب بكل من اخطأ، ولكن يجب دائماً مراعاة عدم التجميع حتي لا ندفع فصائل كاملة لأن تضطر ان تعادي الثورة. ايضاً من اهم وسائل الاحتواء هي دوام التذكير بأن 90? من الذين تعاطفوا مع النظام في الثورة، لم يكونوا ابداً خونة، بل ان بعضهم تم استدراجه بخطاب عاطفي و الاخرين صدقوا نظرية ان الامان والديمقراطية لا يجتمعان ... و بلا شك كانوا يظنون ان انحيازهم للنظام هو قمة الوطنية، و هؤلاء ان كان يجب محاسبتهم فإن محاسبتهم تكون على عدم خبرتهم السياسيه او تعاطفهم الخاطيء و ليس الخيانة، أما 10? المنافقين وهم قلة معروفة فلا سبيل لإصلاح هذا البلد إلا بإستأصالهم، بدون الوقوع في فخ تخوين كل من أيد النظام. علي الرغم مما يبدو من هذا المقال من قلق علي الثورة، الا انه واقعياً لا خوف علي مكاسب الثورة التي ستحقق بمشيئة الله بلا شك. بل اني ادعو الجميع لتفاؤل منطقي و مستحق، ألا ان التحذير هو مِن أن يتسبب تخلف جزء من الشعب المصري عن الركب الوطني في ان تتأخر هذه المكاسب ... كل ما نحتاجه هو بعض الحكمة و بعد النظر لكي نطفأ وقود الثورة المضادة للأبد.