­­­­­­­­رئيس جامعة المنصورة يقرر زيادة الأجر للعاملين بنظام اليومية بقطاعي التعليم والمستشفيات    مكاسب البورصة تقترب من 10% هذا الأسبوع    بديل صلاح يقود إنجلترا للتأهل لنهائي بطولة أوروبا للشباب تحت 21 عاما    ذكرى رحيل عماد محرم.. صاحب ملامح الشر الطيب بعد مسيرة فنية تجاوزت 100 عمل (بروفايل)    مينا مسعود يخطف الأنظار ب "في عز الضهر".. والإيرادات تقترب من 3 ملايين في أسبوعه الأول    كيف أظهرت السينما الخداع السياسى الأمريكى فى الحروب؟!    دياجاست الفرنسية تؤسس مصنعا لإنتاج أنظمة اختبارات المناعة الدموية وتحديد فصائل الدم بمصر    اختتام المؤتمر العربي العشرين لرؤساء أجهزة المباحث والأدلة الجنائية    محافظ بورسعيد: هذه إنجازات الدولة المصرية على أرض المحافظة خلال عام    مجلس المصري يجتمع بلاعبي الفريق الأول والجهاز الفني بقيادة التونسي نبيل الكوكي    غزل المحلة يسرّع وتيرة تحضيراته الصيفية: لجنة التعاقدات تدرس ترشيحات الجهاز الفني والاسكاوتنج    الصين: مستعدون للعمل مع "بريكس" لإحلال السلام في الشرق الأوسط ودعم الأمن الإقليمي    قرار جمهوري بإضافة كلية الطب البشري إلى كليات "جامعة الحياة" الخاصة    مجلس جامعة المنوفية يعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025/2026    رئيس الأركان يشهد تخرج دورات من دارسي الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: إقامة كأس مصر خلال تحضيرات المنتخب لكأس الأمم    الزمالك يستعيد أرض مرسى مطروح بحكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا    إصابة 19 مواطنًا في حادث على محور "دار السلام البلينا" بسوهاج صور    مصرع طفل غرقا في بحر يوسف ببني سويف    محافظ الغربية يتابع سير العمل بمشروع الصرف الصحي في عزبة الناموس بسمنود    الاتحاد العربي للفنادق والسياحة يُكلف محمد العجلان سفيرًا للاتحاد.. ويُشكل الهيئة العليا للمكتب بالسعودية    صلاة البراكليسي من أجل شفاء المرضى وتعزية المحزونين    أيمن سليم: "عبلة كامل حالة استثنائية وهتفضل في القلب"    أجمل عبارات ورسائل التهاني بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة 1447ه    بعد قليل.. الإفتاء تعلن موعد أول أيام العام الهجري 1447    الإفتاء تكشف عن حكم التهنئة بقدوم العام الهجري    ترامب: مسؤولون أمريكيون وإيرانيون يجرون مباحثات الأسبوع المقبل    رئيس الوزراء يستعرض تعاون "أكسفورد" و500500 في علاج السرطان    شرب الماء أثناء الأكل يزيد الوزن- هل هذا صحيح؟    الحرية المصرى: 30 يونيو استردت هوية الدولة المصرية.. والاصطفاف الوطني "ضرورة"    «يومين في يوليو».. «المحامين» تعلن موعد الإضراب العام اعتراضًا على الرسوم القضائية    في الذكرى ال12.. مجمع إعلام القليوبية يحيي ثورة 30 يونيو    سجل سلبي يطارد العين قبل مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    «النداهة».. عرض مسرحي في «ثقافة القصر» بالوادي الجديد    «أجهزة لكشف الكذب».. 4 أبراج تستطيع اكتشاف الأشخاص المزيفة من جلسة واحدة    "حماية التراث الثقافى الغارق بالمياه الاقتصادية" ورشة العمل بمكتبة الإسكندرية    زد يضع الرتوش النهائية على صفقة ضم خالد عبد الفتاح من الأهلي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن قبل دخولها المجال الجوي    محافظ الجيزة يتابع نتائج لقاءات المواطنين في هذه الأحياء    الرقابة الإدارية تنفى صدور أى تكليفات لها بضبط عضو نيابة عامة أو ضباط    عاطل يقتل شقيقه السائق بعيار ناري خلال مشاجرة بسبب خلافات بشبرا الخيمة    الرقابة الإدارية توكد عدم صحة ما تداول بشأن ضبط أحد أعضاء الهيئات القضائية    محافظ الدقهلية: 1517 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية بميت غمر    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    من البحر إلى الموقد.. كيف تؤمن سفن التغويز احتياجات مصر من الغاز؟    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    خالد عبد الغفار يوجه بضرورة تطوير التقنيات الحديثة في مجال الصحة الرقمية    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    وسط انتقادات حقوقية.. أمريكا تمنح 30 مليون دولار لمؤسسة إسرائيلية لإغاثة غزة    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون والانتخابات
نشر في التغيير الإلكترونية يوم 10 - 12 - 2010

كل من عرف المصريين وعاشرهم، يشهد لهم بأنهم شعب خفيف الظل، وكل من عرفت من العرب، من غير المصريين،
يشهد للمصريين بذلك دون تردد. بل وكثيرا مالاحظت على أفراد من شعوب أخرى، عربية وغير عربية، الاستغراب مختلطا ببعض الإعجاب من استعداد المصرى الفطرى لرؤية الجانب المضحك فى أى موقف، واكتشاف موضع السخرية حتى فى أكثر المواقف جدية.
كان لى صديق أمريكى يعشق مصر عشقا، ويجيد العامية بدرجة يندر أن تجدها فى أجنبى غيره، وكتب بعض الكتب عن الاقتصاد والسياسة فى مصر، جمع لأحدها مجموعة من الصور التى وجدها تعبر عن الحياة فى مصر وعن شخصية المصريين، ووضع تعليقا مناسبا تحت كل صورة. كانت احدى هذه الصور لسيارة اتوبيس تسير فى احد شوارع القاهرة، وهى تميل بشدة إلى الجانب الذى يوجد به بابا الصعود والنزول(كما نلاحظ على كثير من اتوبيسات مصر) وهى مائلة بسبب كثرة عدد الواقفين على السلمين الأمامى والخلفى، بل ظهر أحد الواقفين على السلم وكأن معظم جسمه يتدلى خارج الاتوبيس، من شدة الازدحام ولكنه تعلق بمقبض اليد بأعجوبة، واستطاع أن يحتفظ بتوازنه حتى ليظن من يشاهده أن جسم الاتوبيس به مادة ممغنطة تجعل الركاب يلتصقون به دون حاجة للإمساك بأى شىء فيه.
المدهش فى الصورة أن هذا الشاب الذى يبدو من ملابسه وموقعه هذا انه متواضع الدخل، والذى يقع جسمه داخل الاتوبيس وخارجه فى نفس الوقت، كان يبتسم ابتسامة عريضة لمن كان يلتقط الصورة وكأنه أسعد رجل فى العالم، مما دفع صديقى الأمريكى إلى وضع التعليق التالى تحت الصورة: «ما الذى يضحكه بالضبط؟».
إننى أذكر جيدا كيف استقبل المصريون الهزيمة العسكرية الشنيعة وغير المتوقعة بالمرة فى يونيو 1967، وأذكر ما أصاب المصريين من مختلف الطبقات من حزن شديد وإحباط، ولكننى أذكر أيضا كيف دفع هذا الحادث الفظيع المصريين إلى إطلاق عدد كبير من النكات والتعليقات الساخرة، كانت كلها مملوءة بالمرارة ولكنها كانت مع ذلك تستدر الضحك من كل من يسمعها.
الضحك إذن فعل طبيعى لدى المصريين، والاستعداد الفطرى لاكتشاف موضع السخرية فى أى موقف، سمة من سمات الشخصية المصرية، فمن أين ياترى تولد هذا الاستعداد؟
أظن أن وراء أى سخرية إدراكا للمفارقة بين هذين ويأتى الضحك عادة من لفت النظر إلى هذه المفارقة. والنكتة دائما تتضمن سخرية، أى لفت النظر إلى مفارقة لم تكن واضحة تماما لمن يسمع النكتة لأول مرة، فتأتى النكتة لتوضيحها. المثال المشهور على النكتة الناجحة والسخرية التى تنجح دائما فى استدرار الضحك، افلام شارلى شابلن الصامتة، فهو فى كل هذه الافلام يمثل شخصا صغيرا نحيفا فقيرا ومتشردا، وتتابع مواقف الفيلم التى يتعرض فيها هذا المسكين المتشرد، إما لعداوة شرطى ضخم الجثة يحمل هراوة سميكة، أو ملاكم عملاق يحاول شارلى شابلن أن يهزمه، فينجح فى ذلك بحيلة أو أخرى.. إلخ. وقد كانت مسرحيات وأفلام نجيب الريحانى تقوم أيضا على هذه المفارقات الصارخة، وكانت تستدر الضحك دائما بسبب هذه المفارقات.
هل سبب هذا الاستعداد الدائم للسخرية لدى المصريين هو امتلاء حياتهم الاجتماعية واليومية بالمفارقات الصارخة؟ بين رجل الشرطة والمتسلط والبائع المتجول الذى لا حيلة له، بين الموظف الحكومى المتجبر والمواطن البسيط الذى يحتاج بشدة إلى ختم أو تصريح أو إمضاء.. أى بين صاحب السلطة والشعب المغلوب على أمره؟
قد يكون هذا هو السبب، أو على الأقل واحدا من الاسباب وقد يؤيد هذا ما يلاحظ من أن هذه الصفة الرائعة (أى الاستعداد الدائم للسخرية أوخفة الدم) سمة حضرية أكثر منها ريفية، أى هى أوضح بين سكان المدن منها بين الفلاحين. الفلاح المصرى يضحك من أعماق قلبه ولكنه نادرا ما يبتدع النكتة، وإذا ابتدعها فهى عادة أقل ذكاء وحدة من نكتة «ابن البلد الفهلوى الذى عرك حياة المدينة وعركته».
كان لابد إذن لانتخابات الاسبوعين الماضيين فى مصر، أن تثير تعليقات المصريين الساخرة، وضحكهم المستمر، بما قدمته من مفارقات لم تحظ بمثلها أى انتخابات مصرية سابقة. فقبل الانتخابات بشهور عملت الحكومة على القضاء على أى احتمال للمنافسة، ومن ثم أصبح الخيار الوحيد المطروح هو بين أحمد والحاج أحمد، وفرضت الحكومة على من لم يكن لا هذا ولا ذاك (أى لم يكن أحد ولا الحاج أحمد) وسواء كان ماركسيا سابقا أو ناصريا أو وفديا أو مستقلا، أن يغير اسمه وهويته، وإلا ضُرب أو اعتقل، أو أغلقت جريدته، أو ألغى برنامجه التليفزيونى أو أطلق عليه وصف «المحظور أو المحظورة» أى الممنوع أو الممنوعة من دخول حلبة المنافسة بسبب اصراره على الاحتفاظ باسمه وهويته. منع أيضا أى صحفى يريد أن يغطى وقائع الانتخاب مالم يثق جهاز الامن بأنه لن يصف ما وقع بالفعل، ومُنع المصورون من الاقتراب من لجان الانتخاب وكأنها مواقع عسكرية.. الخ ومع كل هذا لايكتفى الحزب الحاكم بأن يعلن فى هدوء انه فاز بالاغلبية وينتهى الأمر، بل توصف الانتخابات بأنها كانت «معركة شرسة» فاز فيها الحزب الحاكم بسبب شعبيته الجارفة وفرط حب الناس له.. الخ.
رأى المصريون بحق فى كل ما جرى من استعدادات للانتخابات منتهى العبث والاستهزاء بهم، ففضلوا البقاء فى بيوتهم مالم يجبروا على ذلك، ومن ثم انخفض عدد من ذهب للتصويت إلى مستوى أقل بكثير مما كان فى أى انتخابات سابقة، ومع ذلك ظهرت الصورة فى الصحف وعلى شاشة التليفزيون للايحاء بأن الرجال والنساء والأطفال تزاحموا امام لجان الانتخابات لهفة على الإدلاء بأصواتهم فلم تقتصر الصور على رئيس الجمهورية وقرينته ونجليه ورئيس الوزراء والوزراء وهم يدلون بأصواتهم، بل شملت أيضا صورة امرأة فقيرة ذهبت للانتخاب وهى تحمل رضيعها على كتفها إصرارا منها على تأدية واجبها الوطنى، وصورة شيخ عجوز متهالك، يتوكأ على عصاه، سائرا إلى لجنة الانتخاب حرصا منه على إعلان تفضيله الخاص لمرشح دون آخر.. الخ
ظهرت الصحف إذن فى الصباح التالى بالخبر الذى يعرفه الجميع مقدما ولكن تظاهرت الصحف بأنه يحتوى على معلومات جديدة مثيرة للدهشة، إذ عبرت الصحف عن دهشتها، برغم كل ما حدث من أن يحقق الحزب الحاكم انتصارا كاسحا، وألا يحصل حزب معارض على أى صوت تقريبا، وكأن من المدهش أن الجماعة المحظورة، أى المحظور عليها أن تفعل أى شىء، أو أن تحصل على أى شىء، عجزت عن الحصول على أى شىء.
النكتة سخيفة حقا، والمفروض ان تثير الغيظ أكثر مما تثير السخرية، ولكن المصرى لم يستطع كالعادة، أن يمنع نفسه من الضحك، فكان إذا قابل مصرى مصريا آخر فى صباح يوم الانتخاب بادره بالسؤال مبتسما: «لمن ستعطى صوتك؟ فينفجر الآخر ضاحكا دون أن يجيب. أو يسأل شخص صديقه: هل ذهبت لتأديك واجبك الوطنى؟ فينفجر الاثنان بالضحك..الخ
فى وسط هذا كله لابد أن الصور التى التقطت للمسئولين وهم يضعون بطاقات الانتخاب فى الصندوق وتعتلى وجوههم علامات الجدية التامة، قد بدت لقراء الصحف مزيفة تماما، ولكننى لا أشك، بناء على ما أعرفه عن المصريين، فى أن هؤلاء المسئولين أنفسهم، متى اختلى بعضهم ببعض، بعيدا عن الصحفيين والمصورين، لابد أن ينفجروا هم أيضا بالضحك إذ مادام كل هؤلاء المسئولين يعرف جيدا أنهم لا يفعلون أكثر من الضحك على عقول الناس، فهل يجوز أن يضحك أحد المسئولين على زميله الذى اشترك معه فى نفس التمثيلية العبثية؟
هكذا نظر المصريون إلى الانتخابات الأخيرة! تمثيلية عبثية لا بأس من التفرج عليها من بعد، و لكن من الغباوة اخذها مأخذ الجد، ناهيك عن أن تشترك فيها بالترشيح أوالتصويت اذا لم تكن تحقق أى مغنم من ورائها، ولكن هناك عددا قليلا من الناس اصابتهم نتيجة الانتخابات بالصدمة، ولم يروا فيها شيئا مضحكا على الاطلاق، هؤلاء هم الذين فكروا فى البداية فى مقاطعتها، ثم اغراهم الحزب الحاكم بالمشاركة فى مقابل بعض المقاعد القليلة فى المجلس، ثم ظهر، أن الحزب الحاكم كان لديه مخطط آخر لا نعرف سببه حتى الآن، وإن كنا سنعرفه بعد قليل. هذا المخطط الآخر والذى يتضمن احتلالا كاملا من جانب الحزب الحاكم لمجلس الشعب برمته، لايكفى لتفسيره فى رأيى الرغبة فى تمرير عملية التوريث، فالذى يبدو لى هو أنه كان من الممكن جدا تنفيذ عملية التوريث دون الذهاب إلى هذا الحد، بل إن شكل التوريث كان يمكن ان يبدو ألطف وأخف وقعا لو وجد فى المجلس عدد من المعارضين، إذا كان الأمر كذلك، فالطريقة التى أديرت بها الانتخابات الأخيرة لابد أن تثير خوفا شديدا مما يمكن أن يحدث فى المستقبل. نعم ما أكثر ما مر على المصريين من عمليات التزوير فى تاريخهم الطويل، حتى من قبل ان تخترع الديمقراطية وصناديق الانتخاب، ولكن الذى حدث فى هذه المرة يبدو كثيرا بدرجة تزيد على المألوف وأكثر غرابة من المعتاد ومع هذا أليست هذه الغرابة الشديدة، هى نفسها التى تفجر لدى المصريين عادة موهبتهم الرائعة فى اكتشاف سبب جديد للسخرية والضحك؟
جريدة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.