وصف تقرير ل"مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" الوضع الداخلي الفلسطيني خلال سنتي 2012-2013, بأنه لم يشهد أية تحولات جدية, وبالرغم من التوافق على شخص رئيس الوزراء منذ فبراير 2012، إلا أنه لم يشكل أو لم يتمكن من تشكيل حكومة التوافق على مدى العامين التاليين. وظلت ملفات المصالحة معطلة بشكل عام؛ وتراجع الاهتمام الجاد بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بينما نشطت على حسابه مسارات التسوية السلمية، وتكريس واقع الانقسام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب التقرير. ويرى التقرير أنه على مدار سنتي 2013–2012 واصلت حكومة الطوارئ في الضفة الغربية برئاسة "سلام فياض" ثم "رامي الحمد الله" الذى خلف "فياض" في إطار تعديل وزاري منتصف سنة 2013، أعمالها تكريساً لمرحلة ما بعد الانقسام الفلسطيني الداخلى, وواصلت قوى المقاومة الفلسطينية اتهام حكومة الطوارئ بالافتقار إلى الشرعية الدستورية، نتيجة لعدم عرضها على المجلس التشريعي لنيل الثقة، في الوقت الذي عاشت فيه الحكومة أزمة مالية خانقة، على إيقاع أوضاع اقتصادية صعبة، في ظل تراجع الدعم الخارجي للمانحين, وشهدت السنتان المنصرمتان فتحا محدودا لبعض ملفات الفساد في السلطة، فيما أجرت السلطة الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بمعزل عن قطاع غزة، الذي دخلت العلاقة معه في سلسلة من التوترات المتلاحقة والاتهامات المستمرة. وتابع التقرير: بالرغم من حصول السلطة على مسمى دولة غير عضو في "الأممالمتحدة", إلا أن تصاعد موجات التهويد والاستيطان الإسرائيلي، المقترن باستمرار سحب صلاحيات السلطة السيادية عن مناطق الضفة، أورثها ضعفاً متزايداً، وأدخلها في نفق من الإحباط السياسى. شكلت الأزمة المالية العنوان الأبرز لمسيرة حكومة الطوارئ طيلة سنتي 2012 ,2013 –بحسب التقرير- ففي مطلع سنة 2012 صرح رئيس الحكومة "سلام فياض" حول ضرورة اتخاذ إجراءات ملحة لتخفيض العجز في الموازنة الذي بلغ قرابة 800 مليون دولار في سنة 2011، حيث كان من المتوقع أن يبلغ 1.1 مليار دولار في موازنة سنة 2012 . وتسبب تراجع الدعم المالي الخارجي بسبب عدم وفاء بعض الدول المانحة بالتزاماتها المالية في أزمة مالية واقتصادية خانقة عاشتها السلطة الفلسطينية، ما دفعها لاتخاذ إجراءات أثارت الكثير من الجدل والاعتراضات مثل فرض الضرائب وتقليص النفقات، بموازاة دعوة البنوك لإقراض السلطة 300 مليون دولار, ومع ذلك فإن حكومة "فياض" اضطرت في منتصف فبراير 2012 إلى تخفيض النسبة العليا لضريبة الدخل إلى 20% بعد احتجاجات منظمات المجتمع المدنى, وقبل نهاية مارس 2012 أقرت الحكومة مشروع قانون الموازنة لسنة 2012 بعجز مالي يزيد عن مليار دولار . ومع تفاقم الأزمة المالية في صيف 2012، أجرى "فياض" مفاوضات سرية مع وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتز Yuval Steinitz ووقع معه اتفاقية حول الضرائب ونقل البضائع بين السلطة و"إسرائيل" –كما يشير "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارت- كما بادر "فياض" إلى طلب استشارة محافظ بنك "إسرائيل" المركزي Bank of Israel "ستانلي فيشر" Stanley Fischer, للخروج من الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة، وهو ما لم يتم ترجمته إلى واقع في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستوى البطالة، وبلوغ الوضع المالي للسلطة مرحلة بالغة الصعوبة نهاية السنة . ويواصل التقرير: مع مطلع سنة 2013 نشرت الحكومة بيانات تظهر أن الدين العام للسلطة الفلسطينية يقترب من تسعة مليارات شيكل (نحو 2.4 مليار دولار)، في إشارة ذات دلالة إلى عمق الأزمة المالية التي تئن تحت وطأتها السلطة الفلسطينية في "رام الله", وقبل نهاية مارس، أقرت حكومة "فياض" موازنة سنة 2013 بقيمة 3.8 مليار دولار بعجز متوقع يتجاوز المليار دولار . وهو عجز يتنافى مع خطط "فياض" بالازدهار الاقتصادي –بحسب التقرير- لأن جوهر المشكلة يكمن في الاحتلال نفسه، وليس بمجرد أداء السلطة والأفراد. وبالرغم من بعض المساعدات العاجلة التي قدمتها "المملكة العربية السعودية" و"الولاياتالمتحدة" وبعض دول "الاتحاد الأوروبي" European Union (EU) بقيمة 500 مليون دولار في يوليو وأغسطس، إلا أن الموازنة —حسب رئيس حكومة الطوارئ الجديد الدكتور "رامي الحمد الله"— بقيت عاجزة بمبلغ 550 مليون دولار للإيفاء بالتزاماتها المالية لغاية نهاية سنة 2013, ومن المتوقع أن تستمر الأزمة المالية خلال المرحلة المقبلة، في ضوء الاعتماد على المعونات الخارجية، وفي ضوء الاتفاقيات المالية والاقتصادية مع الاحتلال؛ وهي أزمة تعكس بأشكال مختلفة الظلم والإجحاف الذي حمله اتفاق أوسلوOslo Accord ، وما انبنى عليه من اتفاقيات، فرضت تبعية السلطة للاحتلال الإسرائيلي وارتهانه لسياساته. مع مطلع سنة 2012 استمرت "هيئة مكافحة الفساد" في متابعة قضايا الفساد التي تورط بها عدد من وزراء حكومة الطوارئ، فقد تمّ إحالة ملف وزير الاقتصاد "حسن أبو لبدة" إلى المحكمة في 10/2/2012، ووزير الزراعة "سماعيل ادعيق"، كما تمّ إحالة ملف وزير الخارجية "رياض المالكي" إلى الهيئة في 27/4/2012 . وبالرغم من تأكيدات رئيس الهيئة "رفيق النتشة" على تواصله مع الجهات المختصة في الخارج، من أجل استجلاب عدد من المشتبه بهم بالاختلاس المالي، الذين ترتبط بهم ملفات فساد بملايين الدولارات؛ إلا أن الهيئة تأخرت بوضوح، ولم تتخذ سوى إجراءات محدودة صادرت من خلالها أموالاً وعقارات ل"محمد رشيد" و"وليد النجاب", واستشعاراً منها بحجم القصور الحاصل من قبل "هيئة مكافحة الفساد"، فقد بادرت "نجاة أبو بكر" النائب عن "حركة فتح" إلى اتهام وزارة المالية في "رام الله" بالفساد عبر عقد صفقات جانبية مع شركات كبرى، مطالبة الرئيس "محمود عباس" بفتح تحقيق حول هذه التجاوزات بحسب تقرير "الزيتونة". ويرى المركز أنه بالرغم من المطالبات المتكررة ل"حركة فتح" للرئيس "عباس" بإقالة واستبدال رئيس حكومة الطوارئ "سلام فياض"، إلا أن الأول كان يعيد في كل مرة تكليف "فياض" ترؤس الحكومة المعدلة, إذ أمر بإجراء تعديل وزاري على حكومة "فياض"، حيث قامت الحكومة المعدلة بأداء اليمين الدستورية أمامه في 16/5/2012؛ ومع ذلك، فإن شدة الاعتراضات والانتقادات الصادرة عن قيادة "فتح" لاستمرار ترؤس "فياض" لحكومة الطوارئ دفعت "عباس" لقبول استقالته في 14/4/2013 وتكليف "رامي الحمد الله" بدلاً عنه . ويستدرك التقرير: لكن الحمد الله لم يلبث أن تقدم باستقالته بعد 18 يوماً على أداء حكومته اليمين الدستورية في 7/6/2013، بسبب تنازع حاد مع نائبيه (اللذين عينهما عباس) على الصلاحيات، وهو ما أدى إلى قبول استقالته وتكليفه بتسيير الأعمال، إلى أن تمّ تسوية الخلاف بين الرجلين، وتم تكليف "الحمد الله" بإعادة تشكيل الحكومة، وقامت بأداء اليمين الدستورية أمام "عباس" في 19/9/2013 . ومن الأسباب التي أدت إلى استقالة "فياض" حالة الصراع غير المعلن بينه وبين "عباس", فقد حاول "سلام فياض" استغلال موقعه، وما لديه من نفوذ مالي وإداري، لتشكيل كتلة من المؤيدين له, واستفاد من الدعم أو الارتياح الأمريكي لمنهجه في العمل. وقد انتهى الأمر ب"عباس" لقبول استقالته بعد تصاعد المخاوف لديه، ومستفيداً من تصاعد المطالب الفتحاوية بإقالته. وأشار التقرير إلى أنه قد شهدت سنة 2012 إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، فقد صادقت حكومة فياض في 11/7/2012 على إجراء الانتخابات المحلية في 93 هيئة محلية، وتمّ تنفيذ القرار في 20/10/2012، حيث اعتمدت "لجنة الانتخابات المركزية" في الضفة نتائج الانتخابات التي بلغت نسبة الاقتراع فيها 55%, وبدت نتائج الانتخابات المحلية باهتة وفاترة –بوصف التقرير- بحكم إعلان قوى المقاومة، وفي مقدمتها "حركة حماس"، عن مقاطعتها وعدم المشاركة فيها، ترشيحاً واقتراعاً، ما نزع طابع المنافسة الجادة عنها، وجعل العملية الانتخابية قاصرة على تنافس قوائم انتخابية تابعة لحركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير" والمستقلين، فضلاً عن عناصر فتحاوية تم فصلها من الحركة وترشحت للانتخابات تحت عباءة المستقلين. وأقر "حنا ناصر" رئيس "لجنة الانتخابات المركزية" التي أشرفت على إجراء الانتخابات البلدية، عقب إغلاق صناديق الاقتراع، بحدوث انتهاكات خلال العملية الانتخابية، لكنه أكد أنها تعد "متواضعة"، متعهداً بمعالجة كافة الانتهاكات, ولاحقا أكدت اللجنة في بيان صحفي أن الشكاوى التي وصلت إليها من هيئات الرقابة، لا تؤثر على نتائج الانتخابات، وبالتالي قررت اعتماد النتائج؛ لافتة النظر إلى أن اللجنة تلقت خلال يوم الاقتراع عدداً من الشكاوى من هذه الهيئات، وتمت معالجتها أولاً بأول. وشهدت الانتخابات البلدية –فيما يذكر التقرير- حالة من الانقسام الفتحاوي الداخلي في العديد من مناطق الضفة، فقد تقدمت عناصر وشخصيات مفصولة من الحركة بقوائم مستقلة في بعض المناطق، وفازت على القوائم الرسمية المعتمدة التي أقرتها قيادة الحركة, ويرىأن أبرز الخسارات وأقساها هي خسارة "فتح" في مدينة "نابلس"، حيث كان يرأس قائمتها "أمين مقبول" أمين "المجلس الثوري" لحركة "فتح"، الذي فشل في التغلب على "غسان الشكعة"، وهو مفصول من الحركة ويشغل عضوية "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير". أشار التقرير إلى أن مصادر فلسطينية رأت أن انتخابات الضفة شهدت صراعاً خفياً بين الرئيس "محمود عباس" قائد حركة "فتح" والقيادي السابق في الحركة "محمد دحلان" الذي فصل منها في 11/6/2011، حيث قام الأخير بالرغم من تواجده خارج الأراضي الفلسطينية بدعم قوائم انتخابية نافست بقوة القوائم التي شكلتها اللجنة المركزية لحركة "فتح" برئاسة "عباس"، وخصوصاً في المدن الرئيسية الكبرى في الضفة الغربية، مثل "رام الله" ذات الثقل السياسي، والتي تتواجد فيها قيادة السلطة الفلسطينية . من جهة أخرى –فيما نقل التقرير- أكد "أمين مقبول" أن هنالك العديد من الأخطاء والخلافات الداخلية التي ارتكبت في العملية الانتخابية بخصوص مدينة "نابلس"، وبعمومية الحراك الفتحاوي في انتخابات البلديات في الضفة الغربية, وأقر في تصريحات صحفية بالمسؤولية عن الخسارة إلى حدٍّ كبير، معبراً عن ندمه لقبول الترشح في ظل الظروف التي كانت سائدة، مستعرضاً جملة من الأسباب للخسارة في "نابلس"، وموقف الأطر التنظيمية قبل العملية الانتخابية وفي أثنائها, واعترف أن ما حصل في الانتخابات البلدية يؤكد أن حركة "فتح" لم تتعلم من درس انتخابات المجلس التشريعي سنة 2006، مما يتطلب وقفة كبيرة أمام الحدث، متطرقاً إلى مدى علاقة القيادي المفصول من الحركة "محمد دحلان" بقائمة "نابلس" وبقية القوائم . في المقابل –يذكر التقرير أيضا- رأت حركة "حماس" أن هذه الانتخابات تمثل تعزيزاً للانقسام، ولا علاقة لها بالتوافق الوطني, مؤكدة أن إجراء هذه الانتخابات من دون مشاركة "قطاع غزة"، ومن دون وجود توافق وطني، يجعلها دون معنى ودون شرعية, ودعت السلطة الفلسطينية في "رام الله" إلى تحقيق المصالحة التي يريدها الشعب، وتوحيد الصف الداخلي، ومنح أولوية للديموقراطية التي تكون وفق مصالح الشعب . ومع تحسن العلاقات بين حركتي "فتح" و"حماس" أواخر سنة 2013 ومطلع سنة 2014، أعلن مسؤولون في "حماس" وحكومتها استعدادهم لإجراء انتخابات محلية ونقابية وطلابية في "غزة"، كبادرة حسن نية تجاه ملف المصالحة, وهو ما يعني –من وجهة نظر التقرير- أن ملف الانتخابات المحلية سوف يكون مطروحاً بقوة على أجندة العمل الوطني الفلسطيني، خلال المرحلة القادمة. فيما يتعلق بملف الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتبط بتطورات المصالحة الفلسطينية الداخلية، فقد أعلن "حنا ناصر" رئيس "لجنة الانتخابات المركزية" في 11/4/2013 عن انتهاء عملية تحديث سجل الناخبين في الضفة وغزة، معلناً الجاهزية التامة لتنفيذ أي مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات .