أو الانذار الأخير.. هكذا أطلق شباب الثورة علي هذه الجمعة الأخيرة.. كان الميدان يعج بالآلاف من الشعب المصري علي تحقيق مطالبه والصمود للنهاية بعد أن غاص السيف في قلوب شبابنا حتي مقبضه.. رأيت اليأس في عيون الشباب يتصارع مع بقايا الأمل.. يبلغ القبيظ بنفخ ناره وتكشف السماء عن همومها والهموم عن غيومها لتبدأ الأمطار بالهطول والصمت اذ يطول ينذر بالعواصف الهوجاء ويحمل وعداً صادقاً بثورة السيول.. اختفت الفرحة من عيون المتظاهرين المعتصمين وسكن اليأس قلوبهم ربما بفعل حرارة الجو الشديدة التي أسلبتهم قواهم. دخلت الخيام لأطمئن علي الشباب الذين أضربوا عن الطعام لأتحدث معهم بأمومة وبكيت وأنا أستمع لهم.. شباب وشابات يمضغون الهم والكدر علي مستقبل مظلم وعدالة مفقودة وفقر علي فقر علي فقر حتي أصبح الفقر دينهم وعقيدتهم.. قال لي أحدهم وهو ينظر إلي سقف الخيمة التي يجلس فيها «تعرفي يا أم القاسم أنا بخاف أحلم ببكرة لأني فقدت ثقتي في كل شيء وفي كل الناس أنا مش عارف لحد دلوقتي ما حاكموش حسني مبارك وزوجته وأولاده والعصابة كلها ليه؟؟ وليه المشير طنطاوي ساكت ومطنش وكأنه بيحميهم والله لو حكموا عليهم بمحكمة ثورة سريعة لينتهي كل شيء وكل واحد يشوف شغله لكن إحساسنا إنه فيه تواطؤ بيخلينا نفقد الأمل في ان فيه شيء حيتغير.. إحنا غلابة قوي يا أم القاسم واي حاجة بترضينا بس ما بقاش فيه ثقة.. هم بيقول علينا بره -وهو يقصد بره الميدان- أننا شوية رعاع وبلطجية وعواطلية.. تقدري تقولي لي مين اللي عمل فينا كده.. مش الحكومة اللي سرقت كل حاجة حتي الهوا والشمس وما سبتلناش إلا رصيف ميدان التحرير.. احنا مش بلطجية ولا احنا حرامية احنا ولاد الحكم الظالم المستبد».. التزمت الصمت لاني لا أملك الاجابة وتذكرت الشيخ الوقور حسن يوسف حين قال إن من في ميدان التحرير ليسوا مصريين وأنا أقول لك ياشيخ يوسف أن من في ميدان التحرير الآن هم أصل المصريين الحقيقيين وبقايا المحترمين.. هما خلاصة القضية ياشيخ يوسف لعلك كبرت في السن وما عدت تميز أيها الشيخ الوقور الحنون العطوف.. فرجائي منك أن تكتفي بصلواتك وترحمنا من فتاواك لنراك علي شاشة التلفاز في أدوارك الرائعة الهادفة «زوج الحاجة زهرة» نقطنا بسكوتك ياشيخ يوسف وارحمنا.. كان الأصح أن تنزل أنت لميدان التحرير وتجالس الشباب والشبات وتستمع لهم وتري بأم عينك كم هم بؤساء وصابرون.. سائرون وصامدون يجلسون تحت الشمس الحارقة في درجة حرارة تفوق ال40 درجة، يتصبب العرق الغزير من أجسادهم الهزيلة المسكونة بالمرض والعلة ليختلط بتراب أرض الميدان لينبت براعم العزة والكرامة والكبرياء.. أين المفر ياسيدي والحكومة تتجاهل مطالبهم الشرعية الممكنة وليست المستحيلة والواضحة وليست الغامضة والمتواضعة وليست المعضلة.. إنهم يتساءلون عن موقف المشير طنطاوي الغامض وظواهر المساندة للمخلوع «أحب أن أكتب هذه الكلمة» حسني مبارك ويتساءلون عن مسخرة حكومة شرف؟ فالضغط الشعبي وخروج المواطنين المصريين في مظاهرات سلمية واعتصامهم إن لزم الأمر هو الحل لتحقيق أهداف الثورة بعد أن تجاهلتها الحكومة.. وأنا أستشعر روح الاستعلاء والتكبر والتأفف من كثير من الناس، بل شريحة لا يستهان بها من الشعب المصري من أخواتهم وإخوانهم وأبنائهم الذين داخل ميدان التحرير الآن وأقول لهم إنهم منكم واليكم ينتمون.. هم نتاج الظلم والقهر والقسوة والحرمان.. هم افرازات غدر الانسان لاخيه الانسان.. نحن شعب فقدنا الرحمة علي بعضنا البعض، شعب مجهول معلوم.. شعب ليس له معني مفهوم يتبني أغنية البلبل لكنه يتغني بالبوم.. يصرخ من آلام الحمي ويلوم صراخ المعدوم.. يمسك سيف الظالم صبحاً ويولول ليلاً مظلوم.. يتماشي أن يدهس لغما وهو في الداخل ملغوم والثورة مستمرة والآتي أعظم والكرة في ملعب الحكومة التي نصفها من الفلول ولا