بين كل ما عرض علي الشاشة الصغيرة من أعمال درامية وبرامجية تصل مدتها إلي 60 ساعة وتكلفت انتاجيا حوالي مليار جنيه مصري، وتسللت للعرض في رمضان، لم أضحك بصوت مرتفع إلا مرة واحدة مع إعلان مدته 30 ثانية فقط، فقد جاءت معظم الاعمال تدعو للاكتئاب بصوت مرتفع وغاضب.. إنه إعلان عن مشروب غير كحلي، تدعو فيه «شلة» من الشباب صاحبهم «الراجل» أن يضرب صاحبه أي صديقه إذ اضطر للمشاركة في مشاجرة مع عدد كبير من الشباب، حتي لا يضربونه، وفي نفس الوقت «يخفف» الضرب عن صحبه.. هاهاها. وأظن أن هناك المئات الذين ضحكوا مثلي مع الإعلان، إن لم يكن الملايين، فهو إعلان دمه خفيف فعلا، ولكنه يهدر في بساطة متناهية قيم أخلاقية ودينيةرفيعة، فالمعني الأخير للإعلان الدعائي أنه لا توجد صداقة ولا نبل ولا جدعنة، وليذهب صديقك والصداقة نفسها إلي الجحيم والرجولة هي أن تهرب والجبن سيد الاخلاق.. فما يتبقي من هذا الاعلان يمثل قيمة مدمرة وخطيرة اجتماعيا وأخلاقيا، فهو دعوة ضاحكة مأساوية أن «تضرب صحبك لو همه كتير»!! إلي هذه الدرجة إذن لم نعد ننتبه لخطورة الإعلام والإعلان وتأثيرها علي شعبنا، وما هذا الإعلان سوي صورة صاخبة لما يهدر يوميا من قيم اجتماعية وأخلاقية في كل ما يعرض علي الشاشة الصغيرة الفاقدة الوعي والادراك والقيمة، وما ينشر في الجرائد بعد ذلك عن كواليس هذه «الوليمة» الدرامية والبرامجية من أخبار تضرب بقوة أي دور إعلامي أو ثقافي أو اجتماعي من الممكن أن يلعبه هذا الجهاز الخطير.. ودعونا نقترب من الصورة أكثر. ما هذا الذي يحدث في البرامج الحوارية؟!.. في هذه البرامج يذهب الضيف الذي هو في الأغلب من النجوم لمجاملة المحاور أو المذيع، وفي نفس الوقت للحصول علي بضعة آلاف من الجنيهات وبعد قليل من الترحيب يبدأ المحاور أو المذيع في «ضرب صحبه» من أجل الاثارة وجذب الاعلانات والحصول علي أجر أعلي وشهرة طبعا!.. وتتحول البرامج إلي شيء سخيف بجد.. ولا أريد أن أضيف حتي لا أغضب أحداً!.. وعموما تدخل طارق نور صاحب قناة «القاهرة والناس» التي تعد أسوأ قناة عرفتها الفضائيات علي الاطلاق بما تقدمه من فضائح وسخف، أقول تدخله بوقف برنامج «مع نضال» يجعلنا نتفاءل بأن هذه بداية لاستبعاد كل البرامج المماثلة التي أصبحت نقطة سوداء في القنوات المصرية. لأن إهدار الفن هو إهدار لكل قيم الحق والخير والجمال، فإن التعامل معه بمنطق «السبوبة» وخطف جزء من «التورتة» الذي هو ملايين الجنيهات، يعد استنزافا لقيمة الفنان والفن المصري، ويبدأ هذا من مشاركة من نعتبرهم نجوما في الاعلانات تحت إغراء الملايين وحتي نصل إلي من يريد الاستفادة من التورتة بالاعلان عن المشاركة في العام المقبل في دراما رمضان، وللأسف الاسماء كبيرة ومهمة وليس الاساس أهمية العمل وإنما الحصول علي الملايين ومن الذين أعلنوا عن دخول الحلبة في العام المقبل كل من: عادل إمام «أجره 30 مليون جنيه» ومحمد هنيدي «20 مليون جنيه» ومحمد سعد «13 مليون جنيه» وكريم عبدالعزيز «18 مليون جنيه» وأحمد حلمي ومني زكي «15 مليون جنيه» وعمرو دياب «20 مليون جنيه».. والبقية تأتي!.. ولا تعليق!. بنفس المنطق نجد ممثلة مثل غادة عبدالرازق «وأزوجها الخمسة» هذا العمل الاستهلاكي الهابط تقرر التواجد في العام المقبل بدراما مأخوذة عن فيلم «سمارة» بعد أن قدمت العام الماضي «الباطنية» وهذا العام الحاج متولي ولكن في شخصية امرأة «أرزاق» وتدخل منافستها الحلبة، وأقصد سمية الخشاب وتعلن أنها ستقدم العام المقبل «شفيقة ومتولي»! ولعلنا نتابع هذا العام مهزلة «العار» الذي تحول من فيلم إلي مسلسل!.. والمعني الاخير أنه لاتوجد أفكار ولا دراما مبتكرة، ولكن لابد من الالحاق بالتورتة بأي شئ مهما كان الثمن وعلي جثة الفن والمشاهدين. قرأت بالمناسبة تصريحا لطيفا لغادة عبدالرازق تقول فيه «قاطعت البرامج التي تسئ إلي سمعة مصر».. ياست كفاية اساءة أزواجك الخمسة. لأنه لايصح إلا الصحيح.. أتمني أن ينتبه من أشرت إليهم في الفقرات السابقة أن «نور الشريف» أشهر نجوم دراما رمضان لأكثر من عشر سنوات لم يجد نفسه علي الخريطة هذا العام «ياتري ليه؟!». النجمتان يسرا وليلي علوي لهما سطوة التواجد علي خريطة دراما رمضان، بمسلسلي «بالشمع الأحمر» و«حكايات بنعيشها».. ولكن لحسن الحظ ليست لديهما نفس السطوة لإجبار المشاهدين علي المتابعة. إعلانات برامج «الدعاة الجدد» تملأ الشوارع.. لماذا لايكون لهم نصيب من التورتة؟!.. أرزاق! لأننا في موسم الشهرة والأضواء كان لابد من استكمال الصورة بتحويل الدراما والبرامج إلي «النيابة»: الممرضات يقاضين «زهرة وأزواجها الخمسة» وقبيلة الهوارة تقاضي «شيخ العرب همام» والاخوان يستعدون لمسلسل للرد علي «جماعة» وحيد حامد ومرتضي منصور يقاضي قناة «القاهرة والناس»، والمملكة المغربية غاضبة من مسلسل «العار»، و...و...!.. لم أقل لكم من قبل أننا في حاجة إلي «مركز للدراسات الاستراتيجية» لبحث ما يحدث في مصر إعلاميا! وأخيراً.. وحتي لا أتهم أنني لا أري سوي الجزء «الفارغ» من الكوب، فإنني أقول إن هناك بعض الماء الذي يروي العطش من خلال 4 مسلسلات هي: «الجماعة» اخراج محمد ياسين، «شيخ العرب همام» اخراج حسني صالح، «الحارة» اخراج سامح عبدالعزيز و«أهل كايرو» اخراج محمد علي.. فهي أعمال تستحق المشاهدة والاحترام سواء من ناحية المعالجة الموضوعية أو الفنية.. وهذه الاعمال الاربعة تمثل اضافة للدراما المصرية. ويبقي اختيار الافضل في استفتاء دراما رمضان، وأعتقد فيما رأيت أن أفضل مسلسل: «الجماعة» أفضل ممثل: إياد نصار في «الجماعة» أفضل ممثلة: صابرين في «شيخ العرب همام»، أفضل مخرج محمد ياسين «الجماعة» ومحمد علي «أهل كايرو».