· سوف يظل هذا الكتاب (الكون) مثيراً للجدل، وسوف تثار دوماً محاولات طيه وإخفائه د. يوسف زيدان يدل الصخب الذي ظهر فجأة، قبل أسابيع، علي حيوية أفكار ابن عربي (شيخ الصوفية الأكبر، محيي الدين بن عربي، المتوفي سنة 638 هجرية) وعلي أهمية مؤلفاته، وأصل الحكاية الأخيرة ، أن عضواً من أعضاء مجلس الشعب المصري، اسمه (أبو لبن) اعترض في مذكرات قدَّمها للمجلس (الموقر) ضد ما أعلنته دار الكتب المصرية ، من نيتها استكمال نشر كتاب الفتوحات المكية لابن عربي ، وهو (الإعلان) الذي تم في ختام المؤتمر (الدولي) الذي نظمته دار الكتب للاحتفاء بذكري ابن عربي، بمشاركة جهات إسبانية. ومن هنا ثارت المشكلة التي انشغل بها الناس حيناً، وضحك بسببها الآخرون أحياناً، وأكَّدت الإصرار علي (طي) تراث ابن عربي، طيلة القرون الثمانية الماضية ، وهو الطي الذي لم يتحقق يوماً، علي الرغم من جهود الطاوين ومناوءة المخالفين. وتثير هذه المسألة عندي عدة اعتبارات، بعضها عام وبعضها شخصي .. فمن ذلك ، أن مصر كانت الرائدة في نشر تراث ابن عربي، قبل أن يلتفت إليه الآخرون شرقاً وغرباً في القرن التاسع عشر، في أربعة مجلدات، طالما نهبتها دور النشر البيروتية ، وأصدرتها مصوَّرة عن الطبعة المصرية الأولي ، الرائدة .. ثم شرعت هيئة الكتاب (المصرية) في نشر الفتوحات، بتحقيق أستاذ متخصص هو د. عثمان يحيي فصدرت في أجزاء غير كاملة لوفاة المحقق ومشكلات نشر الكتاب الذي يقع كاملاً في سبعة وثلاثين سفراً، لم ينشر منها محققاً، إلا ستة عشر جزءاً . إذن، الإعلان الذي أثار الصخب، هو إعلان عن (نية) الإكمال، وليس البدء ! وهو إعلانٌ فحسب، إذ لا أعرف أن أحداً قد تصدَّي لمهمة استكمال تحقيق الكتاب وفقاً لمنهج د. عثمان يحيي الذي انقطع الأمر بوفاته .. ومن الغريب أن يتحرك أعضاء مجلس الشعب ، المنتخبون من الشعب، بسبب (إعلان) مجرد، ما أظن أن وراءه خطة عمل! بينما لا يتحرك (الأعضاء) مع وجود تلك الدواهي التي يمور بها واقعنا المعاصر ، وتضج بها بواطن الناس في بلادنا، وتثور . وقد ثارت قبل قرابة الثلاثين عاماً ، مشكلة مماثلة حول الموضوع ذاته؛ إذ تقدم أعضاء بمجلس الشعب بمذكرات استجواب لوزير الثقافة آنذاك، لمنع نشر أسفار الفتوحات التي حققها د. عثمان يحيي. أيامها تصدت للأمر أقلام مرموقة، أذكر منها ما كتبته في جريدة الأهرام د. بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) ناعية علي مجلس الشعب اشتغاله بأمور الفكر التي تخرج عن مجاله، وإهماله ما يجب أن يعني به من أمور السياسة والمجتمع، ومنها حسبما قالت : أكوام القمامة التي تملأ القاهرة. ثم عاد الأمر للطفو فوق سطح الصفيح البارد، مؤخراً، بسبب هذا المؤتمر الدولي الذي كان في حد ذاته مثيراً لاستغرابي، فقد انعقد المؤتمر بمشاركة (متخصصين) لم يتخصصوا يوماً في تراث ابن عربي، ولم يكتبوا عنه حرفاً واحداً ، في أي يوم من الأيام .. بينما كان في الإسكندرية، أيام انعقاد المؤتمر بالقاهرة ، اثنان ممن اشتغلوا بتراث ابن عربي ونشروا مؤلفاته وكتبوا عنه كتباً معروفة . هذان الاثنان هما كاتب هذه السطور، ود. نصر حامد أبو زيد ، الذي كنتُ في أيام المؤتمر أستضيفه في مكتبة الإسكندرية، ضمن برنامج (الباحث المقيم) الذي يقوم خلاله مركز المخطوطات بالمكتبة ، باستضافة كبار المتخصصين في المجالات التراثية المختلفة، للإقامة في الإسكندرية فترةً يتم خلالها إلقاء عدة محاضرات، والالتقاء بالباحثين من أنحاء مصر .. لم تُوجَّه إلينا دعوات للمشاركة في المؤتمر (المتخصص) ولم نُدع للمشاركة فيه، ولم يشر إلينا خلاله. وكان ما كان مما لست أذكره، فظن إمراً ولا تسأل عن الخبر . الفتوحات المكية .. سوف يظل هذا الكتاب (الكون) مثيراً للجدل، وسوف تثور دوماً محاولات طيه وإخفائه ، لكنه لن يطوي ولن يغيب عن الأذهان . فهو أثر خالد من آثار التصوف الإسلامي، بل هو من أهم الآثار الفكرية للصوفية المسلمين في كل العصور.