مازال الطريق إلى النهب المنظم والسريع لثروة مصر ممهداً بكلمات النفاق والتقرب والزلفى إلى قلب حاكم هش.. يرضيه إعلان شكر ومبايعة على صفحات جريدة تسبح بحمد «الرئيس» ولا يقرؤها أحد سوى حاشية هذا الحاكم وزبانيته.. فيرضى بعده كبار موظفيه ثم صغارهم.. ليتحول «المنافق» بعد الرضا السامى إلى صاحب حصانة يضع يديه على ما يشاء من المال العام او اراضى الدولة.. ويضمها إلى املاكه الخاصة فى وضح النهار تحت حماية حراس النظام..دون رقيب او حسيب. حدث هذا فى عهد مبارك.. كما حدث مثله تماما فى عهد الإخوانى المتوضئ على الدوام.. محمد مرسى.. الذى مكن احدهم من وضع يديه بكل جسارة على قطعة أرض تتجاوز 22 فداناً من اراضى الدولة.. والادهى انها فى حرم الآثار.. فقط بعد نشره إعلانا فى صحيفة «الجمهورية» يشكر فيه السيد الرئيس القائد – وياللمفارقة الطريفة- على «إعادة الأمن للشارع فى عهده». تبدأ فصول هذه القصة من قصص الفساد، واستغلال مداهنة الحكام وحاشيتهم، فى نهب مصر، والتى تحولت إلى ملف قضية جنائية مازالت تتداول فى اروقة المحاكم، دون حسم، عندما تقدمت الوحدة المحلية بقرية الصوة بحافظة الشرقية، بطلب إلى منطقة آثار الشرقية، للموافقة على استغلال مساحة 22 فدانا و12 قيراطا و3 اسهم تقع فى القطع ارقام 292 و304 و306 و307 حوض الرمل نمرة 4، لاقامة مشروعات تخدم الغرض الاثرى للمنطقة. وبالفعل وافقت اللجنة الدائمة للآثار المصرية بجلستها المنعقدة فى 8 سبتمبر 2008 على تسليم تلك المساحة المذكورة إلى املاك محافظة الشرقية، بما عليها من اشغالات لاستغلالها فى الغرض المنوط لها، والسير فى اجراءات الاخراج من عداد الاراضى الأثرية طبقا للمحضر المحرر فى 12 اغسطس 2008. وبناء على قيام اللجنة المشكلة من الآثار والأملاك والمساحة ومندوب الوحدة المحلية بقرية الصوة، جرى تحرير محضر تسليم وتسلم فى 26 اكتوبر 2008، ولكن بدلا من ان تسلم هذه المساحات إلى الوحدة المحلية قامت اللجنة بتسليمها إلى واضعة اليد على جزء منها وتدعى السيدة منى جميل أيوب، والتى صدر لها قرار ازالة اشغالات عن الارض لم يجر تنفيذه حتى الآن. لكن رجلاً حراً ممن تربوا فى طين هذا البلد، ونشأوا على الوفاء لترابه، لم يرضه ماحدث وقرر عدم السكوت..كان هذا الرجل هو مصطفى محمد اسماعيل شيخ خفراء بمنطقة آثار الشرقية، والذى تقدم بمذكرة فى 27 ابريل 2010 بشأن وجود تعديات على منطقة آثار الصوة، قام بعدها المجلس الأعلى للآثار عبر الشئون القانونية بالزقازيق بتقديم بلاغ رقم 2114 فى اول سبتمبر 2010 بشان تلك التعديات، والتى تضمنت تعدى المواطن هشام زيدان محمد على الارض بعمل طريق فى ملك آثار بعرض ستة امتار بطول 100 متر..وعمل 3 اكشاك خشبية على المنطقة.. وانشاء مربط للمواشى من جمعة عوقل الغرباوى والقاء مخلفات البناء من كسر الطوب والاتربة فى حرم الآثار..اضافة إلى وضع السيدة المذكورة يدها على الجزء الاكبر من الأرض بدعوى ملكيتها. وقد تقدم المجلس الاعلى للآثار بناء على تقرير مفتش الآثار احمد عبد الوهاب فى 29 ابريل 2010، بتحرير محاضر ضد المعتدين ارقام 3 و4 و5 و6 بشرطة السياحة، ثم قرر الامين العام للمجلس الأعلى للآثار احالة الاوراق إلى النيابة الادارية ببلاغ، تحول إلى ملف القضية رقم 35 لسنة 2010، مرفق بها تقرير المكتب الفنى الذى تبين ان الوحدة المحلية نفسها ضالعة فى اقامة الطريق المذكور على أرض الآثار خدمة للمجمع الاسلامى بقرية الصوة مركز أبوحماد. شرعت النيابة فى تحقيق البلاغات، فى القضية التى اتخذت رقم 431 لسنة 2010، لتكتشف عدة مفاجآت حيث قال مدير عام املاك الشرقية إن محضر التسليم المؤرخ فى 26 اكتوبر 2008 غير قانونى اصلا..ومع اتساع نطاق التحقيقات اوصت النيابة الادارية بالزقازيق قسم اول فى 30 سبتمبر 2011، بالرجوع لقرار محافظ الشرقية رقم 1228 لسنة 2011 والذى ينص على حق المجلس الاعلى للآثار ومحافظة الشرقية فى سرعة اتخاذ الاجراءات الجدية اللازمة لازالة التعديات الواقعة على ارض الآثار وازالة الطريق الخالف بالقرار رقم 3015 فضلا عن كابلات الكهرباء التى تبين انها تابعة لشركة اتصالات بالمخالفة للقانون ومخاطبة الجهاز المركزى للمحاسبات بهذا الشأن. لكن شيئا ما منع ازالة التعديات فجأة، بعد مجئ الرئيس محمد مرسى والاخوان للحكم، ما دفع مدير عام املاك الشرقية إلى رفع مذكرة بتاريخ 29 نوفمبر 2012 إلى رئيس هيئة الرقابة الادارية بالشرقية، جاء فيها ان السيدة منى جميل ايوب تقدمت بطلب شراء رقم 10029 لسنة 2008 للإدارة، على مساحة الأرض التى وضعت يدها عليها، الا ان اجراءات البيع اوقفت، لان مساحة وضع اليد المذكورة وهى ستة افدنة و13 قيراطا و15 سهما ضمن المساحة الكلية لحرم الآثار الصادر بشأنها قرار ازالة تعديات. هبت هيئة الرقابة الادارية لفحص البلاغ، لتكتشف عبر التحريات ان مسئولى منطقة آثار الشرقية انفسهم لم يتخذوا أى اجراءات لتنفيذ توصية النيابة الادارية وازالة التعديات، ولم يصدر عنهم اى تحرك لانقاذ ارض الآثار من المعتدين عليها، لتتحول فصول القصة إلى القضية رقم 25217 جنح ابو حماد لسنة 2012. تصاعد ملف القضية إلى هذا الحد بعد تدخل الرقابة الادارية وتكشف علاقات مسئولى الآثار والوحدة المحلية والمحافظة انفسهم باستمرار التعديات، رغم الضجة التى صنعها خفير بسيط من أبناء القرية، والذى انضم اليه عدد كبير من اهالى القرية الشرفاء الذين اغضبهم هذا التواطؤ الواضح الفج فى نهب اراضى الدولة والآثار، فى عهد رئيس تعهد ان يحمى الثورة لا ان يعيث فسادا فى الارض هو وعصابته الاخوانية، التى تبين انها صاحبة مصلحة فى رصف الطريق المخالف على الارض لخدمة المجمع الاسلامى التابع للجماعة فى قرية الصوة. وأمام هذا التصعيد، وتكشف فضيحة التواطؤ والمشاركة فى نهب المال العام شيئا فشيئا، وأمام صخب الاهالى، وعجز التحقيقات وقرار المحافظ، عن نزع الارض من بين ايدى المعتدى، ظهر زوج السيدة منى ايوب للعلن للمرة الأولى، بوصفه صاحب المصلحة اساسا فى تلك التعديات، حيث سارع الزوج احمد فؤاد اباظة إلى نشر اعلان فى صحيفة الجمهورية بالعدد الاسبوعى بتاريخ 30 اغسطس 2012، على مساحة كبيرة بالصفحة الاخيرة- ننشر صورته هنا- يعرب فيه عن شكره وتقديره للرئيس، ليكشف عن علاقته الخفية بجماعة الاخوان، ويتمكن بعد نشر الإعلان مباشرة من وضع يده علنا وبكل تبجح على باقى مساحة ال 22 فدانا من ارض الآثار بقرية الصوة، بل وبناء سور من الطوب الاحمر والخرسانة المسلحة حول الارض، فيما اكتفت ادارة التعديات بالمحافظة باصدار قرار ازالة للسور لم ينفذ حتى تاريخه، رغم طرد الاخوان من الحكم. لم تتوقف اجراءات نهب الأرض فى حماية الاخوان والمتواطئين معهم من موظفى المحليات والآثار عند هذا الحد، حيث مضت الزوجة منى ايوب فى الخفاء فى استئناف اجراءات شراء الارض بالرغم من صدور قرار مدير عام املاك محافظة الشرقية بوقف الاجراءات تنفيذا لتوصية النيابة الادارية وقرار محافظ الشرقية، وهى اجراءات شديدة البطلان من الناحية القانونية. ومن طرائف التلاعب الرسمى فى هذه القضية ما ورد فى تحقيقات النيابة مع محمد عبد النبى فؤاد مفتش الآثار بمنطقة جنوبالشرقية، والذى شهد بأن الوحدة المحلية لقرية الصوة اصدرت موافقات وتصاريح بأسماء المعتدين على الارض لاقامة اكشاك خشبية بالمخالفة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، حيث قامت بشكل مثير للسخرية بإعداد رسوم تخطيطية للاكشاك المصرح بها على الارض لاضفاء صفة قانونية عليها، فى اضرار واضح وعمدى بالمصلحة العامة.. بل ان الوحدة المحلية وافقت على طلب استغلال مساحة 3 أفدنة لاقامة مشروعات عامة عليها عقب قرار اللجنة الدائمة للاثار بتسليم الارض للاملاك الاميرية بما عليها من اشغالات واعدت رسما كروكيا لمسار الطريق المخالف فى التل الاثرى..ما ادى لإقدام أباطرة الطرق بالمحافظة على المشاركة فى التعدى على حرم المنطقة الأثرية، رغم اعتراض الحراس والمفتشين واخطار المنفذ للطريق واسمه هشام زيدان محمد بمخالفة المشروع للقانون..الا انه اصر على التنفيذ فى حماية مسئولى الاخوان بالوحدة المحلية والمحافظة، فتحرر المحضر 41 احوال فى شرطة السياحة والآثار واخطر المحافظ ومدير الامن بخطاب رسمى من التفتيش، فى حين ان مسئولى الوحدة المحلية راحوا رغم كل ذلك يتوسعون فى التعديات، وتمكين الغير من السيطرة على الارض.. وقال الشاهد فى مفارقة فاضحة اخرى ان منطقة آثار الشرقية تحركت فى تغطية الواقعة بمعزل عن ادارة التفتيش ولم تتعاون مع ادارة التفتيش فى كشف التعديات والتلاعب الذى يجرى على الارض، وبلغ ذروته فى عام حكم مرسي، ما دفعها لرفع مذكرة مباشرة إلى الامين العام للمجلس الاعلى للآثار بشان كل تلك التجاوزات.. الا ان مصيرها كسابقيها ولاحقيها كان أدراج المسئولين الكبار فى حكومة هشام قنديل. ومن أكبر المفاجات فى هذا القضية، التى حصلت عليها «صوت الامة» بالمستندات، ان وراء هذه اللعبة الكبيرة، للاستيلاء على ارض الدولة فى حرم الآثار بمنطقة الصوة، مغزى اكبر من وضع اليد على الارض، حيث ان اكتشافات مهمة لقطع اثرية تمت فى سرية قبل عدة سنوات، والمفاجئ ان تلك القطع الأثرية اختفت من الارض بعد وضع الإخوان وشركائهم يدهم على الارض فى متاهة الاجراءات بمشاركة فساد موظفى المحليات، فقد جاء فى شهادة هانى احمد ابو العزم مدير ادارة البعثات واللجان الدائمة بالمجلس الاعلى للآثار أمام النيابة انه جرى العثور على نصف اناء طولى من الألباستر يعود إلى عهد أسر الدولة الوسطى فى العصر الفرعونى، فى القطعة رقم 292 بالأرض أمام كشك حراسة الآثار ضمن عملية تنقيب وحفر على الآثار فى 21 مايو 2010، وقال ان القطعة كانت شاهدا وقتها على وجود آثار اخرى بالمنطقة تعين على منطقة الآثار عرضها على اللجنة الدائمة للاثار والمجلس الأعلى للآثار، الا ان ادارة الآثار لم يرد اليها اى اوراق بشأن تلك القطع الأثرية، مؤكداً ان حفائر اثرية علمية تمت بين عامى 2007 و2008 فى المنطقة لكنها توقفت فجأة..ولم تكتمل لاسباب غير معلومة. ونظرا لتوسع النيابة الادارية فى كشف خطورة القضية، بعد التحقيق مع 37 موظفاً ومسئولاً فى المحليات والآثار، ومواجهتهم بمسئوليتهم وتورطهم فى اهدار آثار مصر وتسهيل عملية تربح على نطاق واسع وخطير ، قررت إحالة ملف القضية إلى النيابة العامة، وقالت فى حيثيات قرارها إن التحقيقات كشفت قيام المخالفين بتحقيق منفعة مالية للغير وتسهيل الاستيلاء على جزء من اراضى الدولة الأثرية ومخصصات الآثار بالتل الأثرى الكائن بناحيتى الصوة وخلوة أبومسلم التابعة لمركز ابوحماد بالشرقية، مما يعد اضراراً عمدياً بأموال وممتلكات هيئة الآثار المصرية، وعدم اتخاذ اى اجراءات قانونية لازالة التعديات وضمان حقوق الدولة، وفقا للقرار 1015 لسنة 2010، وضم المذكرة الواردة من المفتش محمد عبد النبى بشأن طلب ضم التصرفات الجنائية التى تمت فى المحاضر المحررة بشرطة السياحة والآثار لأصحاب الاكشاك ومزارع الدواجن التى اقيمت على الارض بمعرفة منى جميل ايوب وزوجها إلى القضية. وقالت النيابة ان الوقائع الواردة فى القضية تشكل جرائم عامة تحمل أرقام 115 و116 مكرر أ و213 و214 الواردة فى قانون العقوبات.. ورغم قرار الاحالة والوقائع الفادحة والخطيرة فى ملف نهب آثار مصر الواردة فى هذه القضية التى نكشفها هنا للمرة الاولى، الا ان احدا لم يتحرك لإزالة تلك التعديات والتحقيق فى اعادة الآثار المهربة من تلك الارض رغم مرور خمسة أشهر على سقوط الإخوان وأعوانهم.