أثارت حلقة الإعلامي الساخر "باسم يوسف" الأخيرة في برنامجه "البرنامج" ردود فعل صاخبة، علي مستوي الكثير من المستويات؛ كونها الأولي بعد عزل الرئيس "محمد مرسي" في الثالث من شهر يوليو الماضي، والقائمة علي فكرة انتقاد الأوضاع المجتمعية، ومعالجتها بشكل كوميدي ساخر في طريقة اقرب إلي الكاريكاتير السياسي، منها إلي التحليل الموضوعي الرصين، وقد حظيت الفكرة بعد ترويجها عبر الانترنت علي نسبة إقبال عالية؛ ما جعل الكثير من القنوات الفضائية تسعي للتعاقد مع صاحب الفكرة، فكانت البداية التليفزيونية في قناة "ONtv" الفضائية، ثم انتقلت إلي قناة "CBC" الفضائية. ويلاحظ أن الحلقة التي انتظرها الكثيرين ثلاثة أشهر بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين؛ حظيت بجدل كبير انطلاقا من أنها الأولي في عهد المجلس العسكري الحالي بقيادة الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء، وقد تباينت حدة الآراء بشأن مضمون الحلقة، فالكثير من المتابعين كان يراهن علي عدم جرأة مقدم البرنامج علي انتقاد المجلس العسكري بقياداته، خاصة المؤيدين والمتعاطفين مع الرئيس السابق، الذي طالما تعامل مع البرنامج بشكل قضائي أكثر منه سياسيا، ما جعل الكثيرين يراهنون علي عدم احتمال المؤسسة العسكرية ذلك النقد، وأنها سوف تتعامل معه سياسيا، وما دعم فكرتهم في ذلك، تسريب شبكة "رصد" فيديو للفريق "السيسي" وزير الدفاع في اجتماع مع أشخاص من القوات المسلحة، منذ أسبوعين يناقش فيه كيفية مواجهة انتقادات وسائل الإعلام، والسيطرة عليها، ومن الأرجح أن ذلك الاجتماع كان في عهد الرئيس السابق "مرسي". وعلي الرغم من المؤشرات التي دل عليها فيديو وزير الدفاع، إلا أن حلقة "يوسف" جاءت مخيبة للآمال المنعقدة من قبل مؤيدي الرئيس "مرسي"، حيث إنها أذيعت في الميعاد الذي أعلن عنه، كما أنها جاءت أيضا مخيبة من وجهة نظر محبي برنامج "يوسف" والمؤيدين بشكل كبير للفريق "السيسي"، فبينما عالجت أكثر من ثلثي مضمون الحلقة نظام الأخوان وطريقة تعاملهم مع الواقع الجديد، بانتقادات كوميدية ساخرة، إلا أن الحلقة تطرقت أيضا للمؤسسة العسكرية والرئاسة الحالية بانتقادات، كان الأعنف منها من نصيب الفريق "السيسي"، وفي نظرة تحليلية سريعة لمضمون الكثير من الصحف المصرية والمواقع الاجتماعية وبعض القنوات الفضائية، يلاحظ وجود غضب عارم يجتاح اغلب مضامين تلك الوسائط الإعلامية، نتيجة الانتقاد الساخر الذي وجهه "يوسف" عبر برنامجه، سواء علي مستوي المقدمين أو الضيوف أو الجمهور المستهدف، وبنظرة أخري ولكن ميدانية يلاحظ أيضا سخط كبير بين أوساط مصرية كثيرة، تري في المؤسسة العسكرية والأمنية وقياداتها خط احمر لا يجب تعديه، مؤكدة أن علي "يوسف" أن يقدم اعتذار عما بدر منه، وفي خطوة أخري جريئة منه أعلن "يوسف" والمسؤولين عن البرنامج عن عدم اعتذاره لأحد، وانه سوف يتعامل مع الأمور قانونيا، وهو ما دفع البعض إلي اتخاذ إجراءات تتعدي مجرد النقد الشفوي إلي تنظيم بعض المظاهرات المنددة ب"يوسف" ومؤيده ل"السيسي"، ناهيك عن رفع بعض القضايا التي اتهمت "يوسف" بتكدير السلم الاجتماعي، وبعض القضايا التقليدية الأخرى من قبيل "العيب في الذات الرئاسية" وأهانت "المؤسسة العسكرية، وقياداتها"، وبردة فعل جديدة من نوعها، ومناقضة تماما لموقف "يوسف"، كما أنها لم تصدر في عهد الرئيس السابق "مرسي"، كانت ردة فعل قناة "CBC" الفضائية صاحبة البث، التي أصدرت تصريح رسمي بمثابة "اعتذار" تبرأت فيه من تناول "البرنامج" الساخر للفريق "السيسي" و "الرئاسة" و "القيادات الأمنية"، وبافتراض جدلا أنه ربما تحتكم إدارة القناة في ذلك إلي قواعد أخري دعتها إلي ذلك "الاعتذار"، يمكن أن تكون قواعد ربحية، إلا أنه وبالتأكيد لن يكون الدافع الوطني كما يعتقد الكثيرين في صميم أولوياتها، وإلا قد راجعت تلك القواعد في عهد الرئيس السابق "مرسي"، والذي ناله نصيب وافر من الانتقادات الكاريكاتورية، والآن- ما يدعونا إلي التساؤل هو إلي أي مدي أصبحت ازدواجية المعايير تحكم اتجاهاتنا؟، والي أي مدي أصبح التقييم العاطفي يطغي علي العقلانية والمنطق في تقييم الأحداث والقضايا؟، فبمقارنة بسيطة بين ردة فعل الكثيرين الآن علي "يوسف"، وردة فعلهم أيضا عليه سابقا في انتقاده لنظام "مرسي"، يعطينا مؤشرا على صناعة "فرعون" جديد، ربما يكون "السيسي" حاليا، فما بالنا إذا ترشح للرئاسة فعليا، وإذا لم يحدث، فبدون شك أن "المؤسسة العسكرية" سينالها نصيب الأسد لاحقا ما بعد "السيسي"، وبالنظر إلي السيناريوهات المستقبلية ل"البرنامج"، فيمكننا أن نراهن على ثلاث سيناريوهات تنتظره، الأول: يتعلق بأسوء الظروف وهو غلقه بقرار سياسي وقد حدث ذلك سابقا في عهد المجلس العسكري السابق بقيادة المشير "طنطاوي"، عندما أغلق برنامج "صباح دريم" لمقدمته "دينا عبد الرحمن"، إلا انه في النهاية يظل خيار غير مستبعد تماما، إلا ان ما يوازيه هو محاولة حفاظ النظام علي حرية الرأي والتعبير المجبور عليها بحكم الزخم الثوري (يناير، يونيو)، في ظل ضغط دولي واسع، يري أن انفتاح الإعلام مؤشر ضروري علي مدي انتهاج الدولة للمسار الديمقراطي، والثاني: يتعلق بالضغط على إدارة القناة لمحاولة إثناء مقدم "البرنامج"، أو حتى تخفيف النقد اللاذع الموجه إلي المؤسسة العسكرية، ومجلس الوزراء في ظل أدائه السيئ، ويمكن أن يكون ذلك قانونيا، بالقضايا التي ترفع بشكل رسمي علي "البرنامج"، وهو أيضا خيار ليس مستبعد تماما علي الرغم من مؤشرات رد الفعل لمقدم البرنامج، وفريق عمله، والثالث: يتعلق بمحاولة تفهم وتساهل المؤسسة العسكرية وقياداتها لطبيعة المرحلة الثورية الحالية، والتأقلم مع الواقع الإعلامي الحالي، وترك التعامل مع "البرنامج" للضغوط الشعبية علي مقدمه، وهو خيار اقرب أو يتماشي مع العقلية التي ظهر بها الفيديو المسرب ل"السيسي"، بشأن كيفية السيطرة على الإعلام، إضافة إلي أن اللجنة التأسيسية للدستور تعكف الأن علي صياغة مادة تتعلق بعدم إغلاق أو الضغط علي أي وسيلة إعلامية، إلا في حالة التعبئة العامة للحرب.