هل يدلني أحد علي جهد لم يبذله الإعلام المصري الجزائري - الحكومي وغير الحكومي - في استثارة كوامن العدوان في لاعبين ومشجعين في الجزائر ومصر توطئة للمباراة الأخيرة بين منتخبي الجزائر ومصر! بل بذلت كل الجهود بامتياز حتي أصبح الجميع علي أهبة الاستعداد لمعركة حاسمة - دموية وليست رياضية - للظفر بالفوز حتي لو رافق هذا وأعقبه كل هذه الأهوال التي لم تبرد نيرانها بعد من القاهرة إلي الخرطوم!، بل وشملت المعركة وأعقابها المدمرة كل بقعة تصادف فيها وجود مصري جزائري فبات الثأر الانتقامي رغبة عارمة ستظل بعيدة عن ساحات الملاعب، ولأن ساحات الإعلام مزدحمة بمن تربعوا علي استديوهاتها في الداخل والخارج، فقد وجد جيش من المعلقين والخبراء في فن الكرة وتشجيعها موسم عمل حاشدا كان لابد أن تنفلت فيه الألسنة وتطيح الأموال بالعقول فتطيش منفجرة بكل ما هو محرض علي الفتك والتوحش!، حتي أننا في الجزائر ومصر قد وجدنا مشجعين قد وصلوا إلي ساحة الملعب يحملون حجارة ذات طبيعة خاصة، وبلط وخناجر تسبق الحناجر والألسنة التي تنطلق بكل مفردات قواميس البذاءة، مما عرفته الجموع في عصورها البدائية الهمجية الأولي! أما الحكاية فأصلها علي بساطته أن هناك مباراة للكرة بين فريقين لبلدين شقيقين مفترض عند كل فريق ومشجعيه سلفا أن هناك فائزا وخاسرا، وغالبا ومغلوباً بقدر ما يتفنن هذا ويبدع ذاك!، ولكن الحكاية تاهت في مجرياتها عن تصورها البسيط هذا، ولم تعتد جموع المشجعين في مباريات الكرة أن النصر لأي فريق سيكون حليف الدهماء والغوغاء الذين يلاحقون فرقهم ويتبعونها أينما لعبت أو ذهبت!، وكان الأساس ومحور الجهود الإعلامية أن تعلو الأصوات كل منطق، ويذهب اللعب الجميل وإبداعات اللاعبين وخطط التدريب المحكمة إلي الجحيم الذي ذهبت إليه مباراة ونتائج موقعة الجزائر ومصر الكروية!، بل كان هذا الجحيم الذي لا نعرف حتي الآن كيف نطفئ نيرانه الدليل الأكيد علي أن المعلقين الإعلاميين في القنوات التليفزيونية والصحف هنا وهناك قد أبلي كل منهم بلاءه الحسن!، حتي وصلت العملية إلي ذروتها المخجلة التي توجب البحث عن طريقة يحاسب بها هذا الإعلام نفسه!، وأن يتأهل الذين يقودون التعليق الرياضي، ويتولون التحليل والتأريخ لكل مباراة قبل انعقادها وبعده كيف لا يكون دورهم في ذلك دور الذين يجعلون من الرياضيين ومشجعيهم حالات إجرامية في حاجة إلي علاج! وقد بات واضحا أن هذا الإعلام السوقي في تعليقاته وتحليلاته الرياضية مجرد محرض علي العدوان!، وأنه في سبيل دغدغة المشاعر الهابطة عند المتابعين له يضحي بمصالح أبقي وأهم، ولا أتحدث هنا عن الأخوة بين البلاد الشقيقة، ولا أتحدث عن مشاعر المحبة والمودة التي تعلي قيم المنافسة الشريفة، كما عرفتها الرياضة، وإنما أتحدث عن مصالح خالصة تتطلب أن يكون هناك مناخ لحياة العرب في بلدانهم أينما ذهبوا فيها وتجولوا وعاشوا وعملوا واستثمروا وخدموا.. مناخ لا تشتعل فيه ثأرات وأحقاد تنمو بحيث يصبح الوجود العربي في بعض أقطار العرب أقرب إلي إلقاء الأنفس في التهلكة كما رأينا ما حاق بالمصريين الذين اقتضت ظروف عيشهم الحياة في الجزائر!، وكما رأينا كيف اقتضت حركة اللاعبين والمشجعين الجزائريين حماية أمنية مكثفة حتي غادروا مصر!، رغم التجاوزات العدوانية التي مارسها بعض هؤلاء ضد أصحاب البلد وممتلكاتهم! فهذه محنة صنعها الإعلام هنا وهناك!، ليشحن النفوس بالبغضاء التي لا علاقة لها برياضة أو أي نشاط إنساني شريف!، وأي نذر مشئومة يحملها ما يفعله الإعلام الحكومي والخاص في مثل هذه المناسبات في بلادنا العربية!