كان يتحاشي السير في الشوارع والطرقات المزدحمة، التي يرتادها الناس.. كان يخشي أن يقرأ قصته في عيونهم.. أو يقرأونها في عينيه. فيتملكه احساس غامض بالرعب أن يفتضح أمره حين يقفون علي تفاصيل مأساته المحفورة في ملامح وجهه كحروف «برايل» التي يقرأوها العميان بسهولة..!! يجد راحة قصوي في أن يقضي الليل بطوله هائماً بين الحارات الضيقة والأزقة المهجورة حيث تخلو من المارة حين يهجع الليل.. يطارده هاجس يكاد لا يفارقه أبداً.. متخيلاً حبيبته التي أحبها وأحبته بجنون، وهي بين زراعي زوجها الذي يكاد «لا يفلتها أبداً»..!! فيشفق عليها من ذلك «الوغد الأخنف الألثغ»، الذي اختطفها من حياته بثرائه الواسع وامكاناته وسطوته الكبيرة..!! بينما فقدها هو لقلة حيلته وضيق ذات اليد.. يد والده المطحون، ويده هو أيضا كعاطل بشهادة يقولون عنها «مؤهلات عليا» لم يكن يريدها «غنيمة» كما أرادها الوغد الأخنف «ينهش لحمها، ويعجز عن إدارة شئونها»!! كان يحلم بها «وطناً» يسكن إليه ويذوب فيه. تسمرت قدماه بجوار شرفة مغلقة بأحد بيوت الزقاق الضيق الذي «حشر نفسه فيه»! تلك الشرفات الرطبة المتهالكة، التي تكاد تلامس الأرض، وتنبعث من داخلها رائحة عطنة وبصيص ضوء خافت يوحي بما خلفها من سكون. أو بما يتم خلفها في سكون..!! تناهت إلي سمعه عبر النافذة المنخفضة.. تأوهة مؤلمة.. لكنها تبدو أنها من ذلك الألم «المريح»، الذي ينتاب المرء أحياناً 0 عندما يشعر بأنامل الطبيب تضغط برفق موضع جرح قارب الشفاء..!! تجسد أمام عينيه مشهد حبيبته «المخطوفة» تحت ستار زواج غير «شرعي» يفتقد الرضا والقبول.. حيث يعتصرها «الوغد الأخنف» بلا رحمة ويكاد لا يفلتها أبداً!! بلا وعي.. عبث في جيبه مسلوب الإرادة.. أخرج شريطاً مستطيلاً مرصعاً بأقراص متناهية الصغر.. أفرغها جميعاً في كفه. ثم أفرغها مرة أخري دفعة واحدة في فمه..!! في الصباح الباكر.. عثر سكان الزقاق الضيق علي «جثة هامدة» لشاب وسيم فارع الطول «قتله تخاذله» أسفل نافذة رطبة متهالكة، تكاد تلامس الأرض «وتفوح منها رائحة عطنة»..!!