أخبار مصر اليوم.. مصادر مصرية: حماس تعتبر مقترح غزة بداية الطريق للحل الشامل ووقف التصعيد العسكري    الرئاسة الفلسطينية: مصر منعت تهجيرنا وتصفية قضيتنا.. ونقدر تحملها لهذا العبء التاريخي الكبير    عبر تقنية زوم.. أوسكار رويز يجتمع مع رؤساء اللجان الفرعية    ندوات توعوية للطلاب وأولياء الأمور بمدارس الفيوم حول نظام البكالوريا المصرية    حبس المتهم بالتعدي على زوجة شقيقه بسبب لهو الأطفال في الشرقية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    نائب رئيس جامعة القاهرة يستعرض الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ضمن فعاليات معسكر «قادة المستقبل»    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعاطي سائق نقل ذكي المخدرات وضبطه بالقاهرة    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    إيهاب توفيق وفرقة كنعان الفلسطينية يضيئون ليالي مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء    «قد تصل لسنة».. رئيس تحرير الأهلي يكشف مستجدات شكوى بيراميدز لسحب الدوري    مدينة إسنا تجرى إصلاحات شاملة لطريق مصر أسوان الزراعى الشرقى    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    قرار جمهوري بمد فترة حسن عبد الله محافظًا للبنك المركزي لعام جديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    «الأول عبر التاريخ».. محمد صلاح ينتظر إنجازًا جديدًا في الدوري الإنجليزي الممتاز    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد دار إيواء المستقبل (صور)    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    وكيل الأزهر: مسابقة «ثقافة بلادي» نافذة لتعزيز الوعي ونقل صورة حقيقية عن مصر    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    سبورت: بافار معروض على برشلونة.. وسقف الرواتب عائقا    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    نابولي يعلن إصابة لوكاكو.. وتقارير تتوقع غيابه لفترة طويلة    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    آدم وارتون خارج حسابات ريال مدريد بسبب مطالب كريستال بالاس ودخول مانشستر يونايتد على الخط    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    وزير المالية: مستمرون في دفع تنافسية الاقتصاد المصري    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    يحتوي على غسول للفم.. كيف يحمي الشاي الأخضر الأسنان من التسوس؟    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «غضب ولوم».. تقرير يكشف تفاصيل حديث جون إدوارد داخل أوضة لبس الزمالك    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    كلية أصول الدين بالتعاون مع جمعية سفراء الهداية ينظمون المجلس الحديثى الرابع    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وردة من الماضى
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 05 - 2010

كان دائما ما يقول لنفسه: «أليس مدهشا أننا- بعد كل هذه الرحلة التى قطعناها معا- لم يصارح أحدنا الآخر بكلمة واحدة!». لكنه كان يعلم أنه يدّخرها، لحظة المصارحة التى تتوج الحب، مثلما يدخر الطفل قطعة الحلوى المفضلة لآخر النهار!.
كان كلاهما يستمتع بالوقت، باكتشاف المناطق المجهولة فى ذات الآخر، بالماضى المحجوب قبل أن يلتقيا. كان يعذبه بعض الشيء أنه لم يعرفها فى أيام الصبا. ويخامره– حينما كانت تحكى عن تلك المرحلة- إحساس غامض بأنه قد خدع! فاته الشيء الكثير حين لم يكن معها فى هذا الوقت.
التقيا معا فى قطار الحياة. لقاؤهما الأول كاد يدعوه صدفة، لولا أن الأيام علمته أنه لا وجود للصدفة فى هذه الدنيا. أقدارنا يسيّرها قانون غامض، لا ينقص من إحكامه أننا لا نعرف الكثير عنه.
فى اليوم الأول لم يلاحظها، فى اليوم الثانى عرف بوجودها، فى اليوم الثالث شwعر بالألفة لملامحها وكأنه يعرفها طول العمر. رؤيتها جعلت صباحه عيدا. غامر بالابتسام حين وجدها تنظر إليه نظرة غريبة طويلة غامضة، وكأنها تعرفه طيلة عمرها. فكر أن يسألها إن كانت تعرفه، لكنه استشعر المهابة وخشى مغبة الإحراج. فى الصباح التالى بادرته بالتحية، سألها عن وجهتها بعد أسبوع. تبادلا الهاتف بعد شهر. لم يتعجل أحدهما اللحظة القادمة. سألت الشمس الزهرة: «هل تحبيننى؟»، قالت الزهرة فى حياء: «وجودك ينير حياتى».
كان لها طابعها الجذاب المحير. عيناها اللامعتان اللتان تشع منهما اللهفة، وابتسامتها التى تشرق منها الشمس. أصبح مألوفا أن يقضيا اليوم معا. سألت الشمس الزهرة: «وما علامة حبك؟»، ردت الزهرة: «إننى أدير وجهى حيثما ذهبت!».
حينما شاهد صورتها القديمة ارتسم على وجهه ألم مفاجئ، وكأنه يتحسر على فوات حظه. راح ينقل نظره بين صورتها وبينها محاولا أن يعثر على الخيط الغامض الذى يربط بينهما. لماذا تبدو الصور القديمة كأنها روح اكتسبت وجودا ماديا يمكن أن تحسه وتلمسه!. آه لو كان ممكنا أن يعبر الأزمنة ويعيش معها أيام البراءة الأولى!.
فى كل صباح يطلب صورها القديمة، ويستزيد من ذكرياتها، حتى أصبح فى قلب الصورة، وعرف تقريبا كل شىء عنها. أين كانت تذهب وهى صغيرة، طقوس الصباح عندها، طريقها الذى كانت تسلكه للمدرسة. سألها يوما وهو جاد: ترى لو تقابلنا ونحن صغار هل كنت ستحبيننى؟. ابتسمت ولم ترد. إحساس غامض راوده أنها تخفى عنه سرا. كانا يجلسان فى مقعدين متجاورين ويأمل أن يظلا كذلك فى قطار الحياة، لولا الشعور المحير بسر تحجبه عنه، وتبتسم بغموض كلما سألها عنه.
وفجأة خطر بباله خاطر مذهل: أتراها تعرفه من قبل؟ هل التقيا فى زمان آخر؟ شاهدها وشاهدته! لماذا بدت ملامحها مألوفة منذ اللحظة الأولى؟! ولماذا تقبلت وجوده فى حياتها كقدر، كشيء مفروغ منه؟!
كان القطار يهتز بعنف، وكانت تبتسم ابتسامتها الغامضة، أحس بدوار مفاجئ، وعيه ينسحب تدريجيا، حاول أن يستنجد بها، لكن ملامحها اكتسبت غرابة قبل أن يفقد الوعى.
.............
انتبه فوجد نفسه فى مكان آخر. اختفى القطار كأن لم يكن. قام مشوش العقل لينظر فى المرآة فشاهد وجهه القديم منذ عشرين عاما، حين كان طالبا فى المدرسة الإعدادية.
عاد إلى بيته القديم، زمانه القديم، لا يدرى كيف!. آخر ما كان يذكره أنه كان فى القطار معها، حين اعتراه شعور غامض أنه يعرفها منذ عهد بعيد. أوشك أن يصرخ، أو يضحك، أو يبكى، أو يفعل أى شىء ليكسر حالة الذهول. تسلل من الغرفة فى بطء، وجد أمه فى المطبخ تعد الطعام، مذياع المدرسة مفتوح على الأغنية القديمة «بالسلامة يا حبيبى بالسلامة». مرت به أمه وهى تحمل الطعام وتؤنبه على تأخره على المدرسة. أحس بدوار فاستند إلى الحائط المجاور. وجلس يمضغ الإفطار فى ذهول.
ارتدى ملابسه بسرعة، وجد حقيبته مرتبة ومُعدة سلفاً. خرج إلى الطريق فصافحه نسيم الصباح البارد، وأسراب الظباء فى مدرسة البنات يضممن حقائبهن إلى صدورهن، الوجوه النضرة والعيون اللامعة والقامات الرشيقة، وقلبه يتواثب فى صدره حين يفكر فيها. إنها الآن فى طريقها إلى المدرسة، تمشى مع صديقتها كما أخبرته. وجدها بالضبط كما شاهدها فى الصور القديمة، تعقص شعرها، تحمل حقيبتها التى تحتوى شرائط ملونة وأقراص نعناع. خفق قلبه فى عنف. سيتحدث إليها حالا، ويخبرها أنه فارسها القادم من المستقبل، الرجل الذى ستحبه بعد عشرين عاما.
امتلأ قلبه باللهفة، أحس بلذة المغامرة. شعر بسعادة غامرة، ولكن كيف يقدم لها نفسه وبماذا يخبرها؟، وهى لا تعرف شيئا عن القصة، كزهرة لا تعرف بهجة الضوء قبل شروق الشمس!.
كانت تسير فى طريقها غير ملتفتة إليه. ناداها باسمها فالتفت فى دهشة. ناداها بالاسم الذى تدللها بها جدتها فذهلت، أخبرها عن أقراص النعناع فى حقيبتها فتوقفت، أنشد أشعارها القديمة فارتبكت. راح يلاحقها وهو يتوسل إليها أن تسمعه، فلديه ما يقوله لها.
الشارع كله يتفرج عليهم، صديقتها تكتم ضحكتها دون جدوى، هى تحاول أن تبدى استياءها، وهو يحكى القصة فى يأس، يخبرها أنهما سيلتقيان بعد عشرين سنة. صاحبتها تتلكأ فى فضول وتحاول أن تسمع الحكاية، وهى تشدها مبدية الغضب، ثم انسلت بسرعة من بوابة المدرسة. حزنت الشمس يوما فسألتها الزهرة عما أحزنها؟، سألت الشمس بحرقة: «هل يمكن أن يأتى يوم ولا تعرفيننى؟». قالت فى دهشة: «وهل كفت الزهور يوما عن عشق الشمس!»
المدرسة تغلق أبوابها فى بطء. وقف يائساً وسط الطريق لا يدرى أين يذهب. ارتبك فى زحام الأزمنة، اشتبك ماضيه بالمستقبل وأمسه بالغد. لكنه صمم على المغامرة، تسلق سور المدرسة بسرعة، قطف وردة بيضاء لها عروق صفراء من حديقتها، لونها مثل ابتسامة الشمس، كصفاء آدم قبل الخطيئة الأولى، مثل أسنان طفل أسمر، مثل موج البحر يغمر الرمل.
وفجأة وجدها أمامه ترنو بعينين مأخوذتين. فتش عن صوته فلم يجده، عن قدميه ليقترب منها، تقدمت منه كالمسحورة، أعطاها الوردة، قبل أن يتكلم وجد المكان يدور به، يتصبب عرقاً، يخترق الأزمنة، يغيب عن الوعى.
.......................
حينما استيقظ على اهتزاز القطار وجدها تهمس له: « لماذا تأخرت؟ لقد انتظرتك طويلا»، ثم أخرجت وردته البيضاء القديمة فى صمت وقدمتها إليه، لم يكن ممكنا أن يخطئ فيها، هى هى بابتسامة الشمس، تحسسها فوجدها محتفظة بنضارتها الأولى رغم مرور السنين.
سألت الزهرة الشمس: «كم مرّ علينا من العمر؟». قالت الشمس فى ثقة: «عمرنا يوم واحد، عشناه كله للحب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.