في جوف المقابر حيث يزاحم الأحياء الأموات ..ويزاحم الأموات هوام الأرض .. عشة متواضعة تحيطها شواهد القبور ..طبلية طعام يتدلى فوقها مصباح كهربائي قديم ..أثاث متهالك تماماً ..مقاعد متناثرة غير منتظمة الهيئة والشكل ..مرآة نصف مكسورة ونصف مطموسة..و"جوزة" بالية من كثرة الاستخدام ملقاة جنباً إلى جنب مع موقد كيروسين و "لمبة جاز" ..يجلس على الطبلية "الريس شحات" وحوله أبناءه الثلاثة ..شحاتة وشحتة (غلامان دون الخامسة عشر) وشحتوت الرضيع بينما تنام الأم في إحدى الأركان وظهرها للجمهور ..الأب رث الهيئة والابناء الثلاثة أكثر رثاثة من أبيهم ..يتناولون الطعام ..كسرات خبز وإناء قديم يبدو أنه خاوي ..مع ذلك فالجميع يأكل وبصوت مسموع! شحات : مش عاوز حد يقوم نص بطن ..بدل ما اطلق امكم الليلة .. الأولاد (مذعورين) حاضر يابا..(يستمرون في الأكل ومد الأيدي داخل الإناء الخاوي) شحات : (يقسم كسرات الخبز) لو عايزين تاني ..اخطف رجلك ياواد يا شحاتة للفرن ف آخر المدفن ! شحاتة : الفرن اتشمع امبارح يابا ..عشان بيغشوا الدقيق بتراب الفرن .. شحات : (بانفعال) اتشمع عشان تراب الفرن؟ ..مش أحسن مايتعجن الرغيف بتراب القبر؟.. (يتراجع) معلهش ..كفاية ننام عليه (يضحك ضحكة جافة) ..كلوا يا عيال .. (يأكلون بينما يتراقص ضوء المصباح الكهربائي ..فينظر الجميع إلى أعلى في ضجر واضح) شحات : (يتأفف) هما كل يوم حيقطعوا الكهربا ..إيش حال لو مكناش واخدينها من العامود اللي ع الناصية !! (يسمع حفيف أقدام تتمشي على مهل ونحنة وسعال ..متناغمة مع رقصة ضوء المصباح) شحات (متهللاً يخاطب شخص غير موجود) اتفضل ياحاج بهجت ..(مطمئناً) الحمدلله ياعيال ..النور مش حيقطع ..دي طلعة عمكم بهجت ..خارج يشرب سيجارة وشوية راجع على طول ..والنور يبقى تمام شحتة (في سذاجة) هو احنا ليه مش بنشوف عم بهجت يابا .. شحاتة (يغمز أخيه هامساً) مش لما أبوك يشوفه الأول ؟ (يضحكان ) شحات : ( ينهرهما) اسكت ياواد انت وهو ..فال الله ولا فالكم ..أمكم بس اللي شافته ومن ساعتها وهي نايمة يجيلها سبع سنين زي مانتوا شايفين .. شحتوت الرضيع : هو عم بهجت ده ساكن معانا؟ ولا تحت مع اللي تحت؟ شحات :( في رفق) عمك بهجت مدفون تالت تربة شمال ياحبيبي ..بس هو مزاجنجي بيحب يتمشى في نور القمر ويشرب سيجارة ولا اتنين ويرجع قبره طوالي.. شحتوت (في براءة) هو في ميت بيشرب سجاير ويطلع يتمشى؟ شحات : (في حكمة متأثراً) مش كل الأموات بتحب ريحة الدخان يا حبيبي! (نفس صوت النحنحة ثم صوت سعال متصل يعلو بينما يتراقص الضوء أسرع) شحاتة وشحتة :(يصيحان في فرح ) عم بهجت شرق ..شرق ..شرق (يضحكان ويُضحكان أخاهما الصغير فيقوم الأب بضربهما ) شحات : (صائحاً) اخرسوا ..(صمت قصير ..يعود ضوء المصباح ثابتاً) شحات : ( في جدية) وانت من أهله ياحاج وحقك على راسي ..عيال بقا وانت عارف!..( لأولاده) كويس كده ..زعلتو الراجل .. شحتة (مندفعاً) ويحصل ايه لما يزعل ..ده ميت يابا ..ميت .. شحات : كده أمك حتصحى كمان عشر سنين كمان ياشحتة ..اقصر الشر يابني شحتة وشحاتة : (في صوت واحد) أحسن ..(يضحكان) (فجأة ينطفئ المصباح تماماً ويبدو الجميع تحت ضوء القمر أشباحاً ناطقة بينما تنساب موسيقى كلاسيكية خافتة) شحات :شفتوا فقركم ..النور قطع .. شحتة : يابا كل يوم النور بيقطع وكل يوم بتشتمنا ! شحات : طب ولع لمبة الجاز وبلاش لماضة.. شحاتة : وكل يوم تقولي ولع اللمبة واقوللك مفيش جاز يابا .. شحات : طب حد يخطف رجله لأم سيد ويرجع لنا بشوية جاز.. شحتة : أم سيد سابت المدفن من تلات سنين يابا ..واشترت عشة تمليك في القلعة .. شحات : (في حيرة) يعني ايه؟ حنفضل في الضلمة كده؟ شحاتة : يابا احنا كل يوم عايشين في الضلمة ..حتى بالنهار عندنا ضلمة.. شحات (يقوم ويجثو على ركبتيه ثم يصرخ) منك لله ياللي كنت السبب..الهي ربنا يخرب بيتك ..الهي ربنا ... (يُضاء المسرح مرة واحدة فنرى نفس الأشخاص ولكن يظهر شخص يقف إلى جوار شحات الجاثي على ركبتيه ..هو الفوهرر هتلر بملامحه المعروفة وبلباسه العسكري وعلامة النازي المثبتة على ذراعه ..يضع يده في وسطه وينظر إلى شحات شذراً بينما ينكمش الصبية خوفاً وتظل الأم نائمة بلاحراك) شحات (يواصل ابتهاله غير منتبه) حتى لو النور ..حفضل ادعي عليه! ياكشي ...(ينتبه فجأة فيرى هتلر ..لحظة صمت واندهاش ..يصفعه هتلر على قفاه فينطرح أرضاً ..) شحات : ( يتأوه) طب تصدق بحق الخمسة اللي نزلوا على قفايا دول ..انا عارف انك انت اللي بتقطع النور والمية كل ليلة ..اقطع براحتك ياباشا (يقوم فيصفعه مرة أخرى لينكفئ على الأرض) شحات : (يتأوه) ياباشا اللي يشوفك بتخطب في الراديو ميقولش إن ايدك طرشة كده ..ليه ياباشا ..ليه انت مش انت؟ (ينتظر إجابة ولكن هتلر لايجيب ) شحات : (يقوم من الأرض وينظر لهتلر الذي لم يغير نظرته الشذراء) بس دي خطوة عزيزة يا باشا ..المكان مش قد المقام بس انت اللي هليت فجأة تشرب معايا معسل؟ هتلر:...... شحتة (لأخيه شحاتة) هو ليه مش بيرد .. شحاتة (مندهش) يمكن مسمعش ! تعالى ( يتناول شحاتة جريدة قديمة من الأرض ثم يقتربان بحذر حتى يصيرا خلف هتلر تماماً ) شحات (يواصل حديثه ) انا عندي جوزة ملوكي ..مش بتطلع غير للملوك اللي دماغاتهم عالية زي جنابك تمام.. هتلر :......( يقوم شحتة بحمل أخيه الذي يصنع من الجريدة قرطاس ضخم ويضع طرفه على أذن هتلر ويصرخ هو في الطرف الثاني ..يقفزان في محاولة للهرب لكن يستوقفهما أن هتلر لم يتأثر بينما شحات يهم بالهرب هو الآخر ثم يتوقف مذهولاً) شحتة : ده مبيسمعش .. شحاتة :ولا بيتكلم .. شحات : (في حكمة) كفاية يقطع النور..ويضربني على قفايا ..(ينتبه هتلر كأنما تذكر فينهال صفعاً على شحات وركلاً ودفعاً ) شحات : (يتأوه وهو مطروح أرضاً) اضرب كمان ياباشا (يضربه ويركله) اضرب.. شحاتة : (يجذب أخاه من يده للخارج) تعالى نلعب عسكر وبلطجية .. شحتة : حنرجع لهم إمتى .. شحاتة (يفكر) نرجعلهم بعد جمعة ..يكونوا تعبوا وناموا.. (يخرجان ويتركان شحتوت الصغير يتابع الموقف بعينين زائغتين بينما الأم نائمة بغير حراك ويُسمع من جديد حفيف أقدام ثم نحنة وسعال الحاج بهجت ..ضوء المصباح يتراقص خافتاً بينما يواصل هتلر ضرب شحات ..ثم يحل الظلام التام) ستار