نعتز جداً بجيشنا المصرى العظيم، لكننا لا نريد حكما عسكريا للسياسة، ولا قيادة الجيش تريد. ونعرف أن الجيش ضمانة مصر النهائية ضد تفكيك دولتها، أو الانزلاق إلى حرب أهلية، أو تهديد وجود البلد، كما نعرف أن مصر فى خطر حقيقى غير مسبوق، وأن حكم الإخوان يهدد وجودها، ويتخبط فى عجزه وغباوته الخلقية، ويريد تطويع الدولة وأجهزتها لصالح مليارديراته، ويريد تفكيك الجيش، وإحلال ميليشيات إرهاب، ويتحرك فى الاتجاهات كلها لتحقيق الهدف، يكلف قياداته أو المتحولين لخدمتهم، وينشر شائعات لتبديد معنويات قادة الأجهزة الحساسة المسئولة عن الأمن القومى، نعلم أنه أى حكم الإخوان يحلم بتحطيم الدولة، وإقامة دولة موازية تحل محلها، تأتمر بأمر المرشد العاجز، وتحل أطفال الجماعة عند المفاصل الرئيسية، وتحول مصر إلى دولة كرتون، وتتصالح مليارديرات الإخوان مع مليارديرات المخلوع مبارك، وبهدف المشاركة فى الثروة المنهوبة، وتكوين قوة ضغط موازية لنفوذ الجيش الوطنى، والذى يراد له أن يتحطم وتتحطم معنوياته، نعرف أن حكم الإخوان يريد مصر خاضعة ضعيفة مترنحة، وعلى سبيل الوفاء بتعهداته لرعاته الأمريكيين، وهى التعهدات ذاتها التى تورط فيها المخلوع مبارك، ويسير على دربها المجزوع مرسى المنتدب من مكتب إرشاد الإخوان إلى قصر الرئاسة، وقد عانى الجيش المصرى من حملة إضعاف متصلة منذ عقد ما تسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتى تبعتها المعونة الأمريكية الضامنة، والتى فرضت بموجبها الوصاية على تسليح الجيش المصرى، ونشر فيروس «البيزنس» بين قياداته، وهو ما ظهرت آثاره الوبيلة فى سلوك مجلس طنطاوى وعنان، والذى سلك بعض جنرالاته سلوك الهاربين من شرطة التاريخ بعد الثورة، وسهلوا للإخوان سعيهم إلى الحكم، وبحسب أوامر الراعى الأمريكى، وفى مقابل صفقة الخروج الآمن لطنطاوى وعنان، والتحصين ضد المحاكمات والاستدعاءات اللاحقة، لكن القيادة الجديدة للجيش المصرى تبدو مختلفة، فالفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام يبدو مثقفا بامتياز، ويبدو واعيا بدور الجيش المصرى فى لحظة الخطر، ويجهد فى البحث عن مخارج آمنة لتسليح الجيش المصرى، ويعمل على تطوير الكفاءة القتالية، واستعادة حيوية الجيش المصرى، وفى ظل قيادة مقتدرة نزيهة بعيدة عن أى شبهة فساد، وبروح الحرص على رد اعتبار الجيش، ومسح الأذى الذى لحق بسمعته زمن حكم طنطاوى وعنان، واستعادة شعبيته الراسخة فى نفوس المصريين، وإحباط خطط الإخوان للاقتراب من حرم الجيش، وتقديم بروفات وتجارب ملهمة لحسن الإدارة، وكفاءة التحرك، وعلاج الأزمات الطارئة، واستعادة العروة الوثقى بين رجال الجيش وناس الشارع، وكما جرى فى مدن القناة الثلاث المتمردة على مرسى، وفى بورسعيد بالذات، والتى صارت واحة هدوء لافتة فى مصر المضطربة، وبفضل ابتعاد قيادة الجيش بمسافة كافية عن تخبطات «الرئيس» الإخوانى المجزوع. نعم، ثمة عملية إعادة بناء كاملة فى الجيش، وتلك ضمانة كبرى لإعادة بناء الأجهزة الحساسة، فقد جرت عملية إضعاف وتجريف لقلب الدولة الصلب فى زمن المخلوع مبارك، وجرى نشر فيروس «البيزنس» فى صفوف القيادات، وأدى البقاء الطويل للقيادات إلى ركود النشاط، واختفاء الهمة والتطوير وحوافز الواجب الوطنى المقدس، وبسبب نظرية «إحلال الأضعف» التى تبناها مبارك، ثم زادت المخاطر مع قدوم مرسى الإخوانى وحكمه الافتراضى، والذى بشر بالضعف والجزع والهلع، ويسعى لتطبيق نظرية «إحلال الأقرب» من أهله وعشيرته، وفى ممارسة جهولة، لا تقيم وزنا للفرق بين معنى الدولة ومعنى الحكومة، فالدولة فى مصر هى الحقيقة الكبرى، ولا يصح لطرف حتى لو فاز فى انتخابات أن يقيم دولة على مزاجه، أو بحسب ميول جماعته، فقط يحق للفائز أن يشكل حكومة، وأن يظل تنظيم أجهزة الدولة الحساسة يجرى طبقا لقواعد ومعايير الكفاءة والتراتب والانضباط السارية بحكم قوانينها، فالحكومات قد تتغير فى أى عملية ديمقراطية، لكن الدولة تظل ثابتة بقواعدها، ومملوكة لعموم المصريين، وتظل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والرقابية مستقلة تماما، وبعيداً عن أى هوى أو غرض حزبى، وعن «صوابع» مكتب الإرشاد التى تلعب «جوه» رأس مرسى، وإلا وقعت مصر فى خطر التفكيك والتفتيت، وهو ما يراد لها الآن من جماعة الإخوان، والتى يشكل وجودها غير الشرعى فى ذاته خطراً على أمن مصر، وينبغى أن يتم حلها وتفكيكها تماما، والسماح فقط بحزب سياسى للإخوان كما غيرهم، ويحق له أن يشكل حكومة لو فاز بالأغلبية فى انتخابات نزيهة وشرعية تماما، ولم يحدث شىء من ذلك إلى الآن، فقد حصل الإخوان على أكثرية أقل من النصف فى انتخابات برلمانية سابقة، ثم جرى حل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية، وهو ما يعنى ببساطة أن الإخوان ليس لهم أغلبية ولا أكثرية الآن، وليس من حقهم تشكيل حكومة، ولا إدخال أشخاصهم دون غيرهم كوزراء فى أى تشكيل حكومى، وهو ما يعنى أن وجود وزراء للإخوان دون غيرهم باطل ومنعدم تماما، ويدخل فى جرائم إهدار المال العام، تماما كمجلس الشورى الذى منحوه سلطات التشريع كلها، مع أنه فى حكم المنحل تماما كمجلس الشعب السابق، وجرى اختيار ثلثى أعضائه الحاليين بسبعة فى المائة فقط من هيئة الناخبين، ثم أضاف له مرسى تسعين عضواً آخرين بالتعيين كلهم من الأهل والعشيرة والمتحولين والمستأنسين، يرهقون خزانة الدولة الخاوية برواتبهم وبدلات جلساتهم، بينما وجودهم ووجود مجلسهم كله غير شرعى تماما، وهى الحالة نفسها السارية فى تعيين آلاف من الإخوان فى جميع أجهزة الدولة، وفى حملة غزو تتارى لقوافل من الجاهلين ومعدومى الكفاءة، وبهدف تحطيم الدولة تمهيداً لأخونتها وفى عملية سرقة علنية لميزانية الدولة، وإضافتها إلى مليارات الإخوان المريبة فى مصادرها، والتى تستخدم فى تمويل بناء دولة موازية تحل محل الدولة المصرية، وتسعى لغزو الجيش نفسه والمجمع العسكرى الأمنى الأكثر حساسية. وبالجملة، يسعى الإخوان، وهم جماعة بلا شرعية ولا أغلبية ولا أكثرية، يسعون إلى تشكيل دولة لا إلى مجرد تشكيل حكومة، وهذا هو جوهر الانقلاب الجارى على الشرعية والثورة والديمقراطية، وبدعوى أن محمد مرسى الإخوانى جرى انتخابه كرئيس، وقد كان هذا صحيحا وقت انتخابه، ووقت اضطرارنا إلى انتخابه على طريقة أكل الميتة ولحم الخنزير، ولمجرد تجنب إمكانية فوز أحمد شفيق رجل المخلوع مبارك، وظل مرسى رئيسا بشرعية انتخابية لشهور قليلة، وإلى أن أقدم على فسخ عقده الضمنى مع الناخبين، وتجاوز حدود سلطته كرأس للسلطة التنفيذية، وتحول إلى حاكم مطلق بإصدار إعلانه الدستورى المنكود فى 21 نوفمبر 2012، ومن وقتها، صار مرسى فى وضع المغتصب للسلطة، واعتمد دستورا لم يحصل على موافقة سوى عشرين بالمائة من هيئة الناخبين، أى أننا صرنا بصدد رئيس فقد شرعيته مع دستور غير شرعى، وبصدد حالة من البطلان الكامل أكدها حكم القضاء الأخير بإلغاء قرار مرسى بتعيين نائب عام إخوانى الهوى والسلوك، وانعدام شرعية مرسى يعطينا الحق الكامل والشرعية الكاملة فى خلعه، والخروج السلمى عليه بانتفاضات الشارع، ودون أن نتورط فى طلب انقلاب الجيش رداً على انقلاب مرسى، فنحن نثق فى وعى الشعب المصرى، وفى قدرته على إزاحة الطواغيت، وأيسر سبيل لخلع الإخوان هو انقلاب الشعب، والتقدم إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، وبحكومة محايدة، وبضمان تأمين الجيش، وفتح الباب لبديل ديمقراطى ينهى حكم الإخوان نشر بتاريخ 1/4/2013 العدد 642