لا تستطيع أن تحجب الشمس وهكذا يشهد مهرجان برلين الذى يعقد 7 فبراير فيلماً جديداً للمخرج جعفر بناهى رغم أنه طبقاً للقانون الإيرانى صُدر ضده حكم بالحبس 6 سنوات وممنوع من مزاولة المهنة 20 عاماً قادمة. الفيلم الجديد اسمه «باردى» «الستارة المغلقة» وشارك بناهى فى إخراجه كامبوزيا بارتوفى. كيف صُنع هذا الفيلم والمخرج ممنوع عليه مغادرة منزله ينتظر حُكم الاستئناف فى الحُكم بسجنه؟ سبق لبناهى قبل عامين أن عُرض له فى مهرجان «كان» فيلمه «هذا ليس فيلماً» والذى كان عنوانه يحمل سُخرية ممن منعوه من ممارسة المهنة. المهرجانات العالمية تحتفى بجعفر بناهى وبزميله محمد رسولوف الذى واجه أيضاً حكما مماثلاً. ما هى الجريمة التى أدين بسببها المخرجان؟ لديهما موقف معارض للنظام الحالى بناهى كان مؤيداً لموسوى الذى رفع شعار الإصلاح بالإضافة إلى أنه شارك فى تشييع جثمان واحدة من شهداء الحرية الذين قتلوا فى المظاهرات الغاضبة بعد فرز نتيجة الانتخابات، إنه موقف إنسانى قبل أن يكون موقفاً سياسياً لا يستحق أبداً أن يدفع الفنان ثمنه من حريته.عندما زرت المتحف الإيرانى للسينما قبل أقل من ثلاثة أشهر أثناء زيارتى لطهران وجدت لجعفر بناهى مساحة متميزة فالرجل حاصل على العديد من الجوائز ولا يمكن تجاهل تاريخه، أفلامه مثل «الدائرة» و«تسلل» و«المرآة» وغيرها من فرط مصداقيتها صارت جزءًا من تاريخ الفن السابع فى العالم ولكنهم اكتفوا بالاحتفاء بإبداعه ووضعوه فى متحف. أراها مأساة إنسانية ليس مهماً أن تكون شاهدت أفلام هذا المخرج ولا يغير فى الأمر شيئاً أن تكون أو لا تكون حتى من عشاق السينما ولكن يكفى أن تمتلك مشاعر لتتعاطف مع إنسان لم يرتكب جريمة سوى أنه قرر أن يعبر عن موقفه وأن تتسق الشاشة التى يعرضها على الناس مع قناعاته الفكرية. فى اللقاء الذى ضم أكبر وفد فنى مصرى منذ أكثر من ثلاثين عاماً فى طهران كنا جميعاً حريصين على أن تعود العلاقات الثقافية مع إيران ولا يوجد أى مبرر لكى تعكر السياسة صفو القواسم المشتركة بين البلدين وكثيراً ما طالبت بذلك فى العديد من المقالات وبقدر ما أحرص على الإمساك بما هو مشترك بيننا وأن نعلو على تلك الخلافات السياسية والعقائدية بقدر ما أشعر بتعاطف مع جعفر بناهى وزميله محمد رسولوف. فى لقاء مع وزير الثقافة الإيرانى د. سيد محمد حسنين تحدث الرجل بكلمات عظيمة عن الثورات العربية وأشاد بالثورة المصرية وتتطلع إلى أن نعبر جميعاً فوق تلك السنوات العجاف بيننا وبينهم. كان سؤالى بالعربية وهو السؤال الوحيد الذى لم تتم ترجمته للفارسية وإن كان هناك من تولى الترجمة بصوت هامس للوزير الذى نفى تماماً أن تكون هناك أحكام صدرت ضدهما فقط قال إن الدولة منعت عرض فيلم أو أكثر لأنها تتعارض مع الدولة، ولم يكن هذا بالطبع حقيقياً لأن جعفر على سبيل المثال لن يستطيع حضور برلين مثلما لم يستطع قبل عامين حضور «كان». الإبداع له أسلحته وهكذا انتقل بناهى من مهرجان إلى آخر، بينما السلطة الإيرانية فى أعجب حُكم قضائى منعته من ممارسة المهنة 20 عاماً. نشر بتاريخ 21/1/2013 العدد 632