· الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن حل مشكلة غزة في قبضة الجنرال عمر سليمان · دهشة إسرائيلية: عمر سليمان يعلق في مكتبه الجديد صورته بجوار صور المسئولين السابقين · مبارك يفضل توريث الحكم لابنه..والرفض الشعبي يفتح الطريق أمام الجنرال القوي في مصر · سليمان وزير بالحكومة الأمنية المصغرة..ومهمته حماية النظام وتأمين حياة الرئيس العالم كله يبحث عن حلول للوضع الإنساني المتفاقم في غزة..إسرائيل وحدها لا تهتم بهذه القضية الإنسانية. فعيون الإسرائيليين معلقة بشخص واحد فقط يعيش هنا في القاهرة. إنه الجنرال عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية. هذا ما يمكنك أن تستخلصه من التحقيق المهم الذي كتبه "يوسي ملمان" محرر الشئون الاستخبارية بصحيفة هاآرتس تحت عنوان: "رجل مصر القوي..عمر سليمان- جنرال لا يذرف الدموع". الصحيفة العبرية أولت اهتماما خاصا بالتحقيق الذي أعدته عن اللواء عمر سليمان. ووضعت له عناوين في صفحتها الأولي، كما بذلت جهدا في تجهيزه بالمعلومة والتحليل الملفت للانتباه. يبدأ التحقيق الصحفي بالتأكيد علي أن أنظار الحكومة الإسرائيلية معلقة بشخص مدير المخابرات العامة المصرية. ذلك الجنرال الذي لا يمكن الادعاء بأنه متعاطف مع إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه لا يحب الجماعات الأصولية الإسلامية. فعلي الرغم من أنه رجل متدين، وفي أكثر من مرة، أوقف المحادثات مع المسئولين الإسرائيليين لأداء الصلاة. لكنه يمقت "الإخوان المسلمين"، ويعتبرهم التهديد الرئيسي لأمن مصر. لكن عداءه للتطرف الإسلامي لا يجعل منه "محبا لإسرائيل". فهو، حسب شهادة مسئول رفيع بالاستخبارات الأمريكية (السي آي ايه): "لا يتعاطف مع إسرائيل أبدا، شأنه في ذلك شأن غالبية المصريين الذين لا يحبون إسرائيل، ويتعاملون معها باعتبارها أمر واقع..كما أن عمر سليمان يحب السخرية من قادة إسرائيل. وما زالت تل أبيب تذكر له تندره علي شارون بسبب نهمه الشديد للأكل..وجسمه القابل للسمنة". ما سبق كان تقييم مسئول بالسي آي ايه لمواقف مدير المخابرات المصرية من الجماعات الإسلامية، وإسرائيل. أما تقيييم مسئولي الاستخبارات الإسرائيلية، حسب هاآرتس، فيتلخص في أن عمر سليمان يحرص دائما علي أن يظل السلام بين القاهرة وتل أبيب "سلاما باردا" ولم يساند خطوات تعميق العلاقات الاقتصادية، رغم أنه كان ضالعا، من وراء الكواليس، في عقد اتفاقية الغاز بين الدولتين. وتنعطف صحيفة هاآرتس لتناول دور الوزير عمر سليمان في رأب الصدع خلال المرحلة القادمة. لتؤكد علي أن الحل والربط يبقي في قبضة الجنرال عمر سليمان الذي يعد بلا شك الذراع اليمني للرئيس محمد حسني مبارك. وتضيف: "سليمان كان مسئولا عن توقيع اتفاق التهدئة الذي وفر للمدن الواقعة جنوب إسرائيل حياة هادئة لمدة ستة أشهر انتهت في التاسع عشر من ديسمبر 2008. وفي مقابل ذلك، لم يفلح في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحماس وإطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط. ولم ينجح في إقناع ياسر عرفات وإسرائيل بإيقاف شلال الدماء الذي تفجر نتيجة اندلاع انتفاضة الأقصي، وألقي باتفاقية أوسلو في غياهب النسيان. وبالرغم من كل ذلك، ما زالت إسرائيل تأمل أن ينجح الجنرال المصري في مساعدتها للحصول علي "ترتيب ما" مع حركة حماس. "يوسي ملمان" محرر الشئون الاستخبارية بجريدة هاآرتس، ينتقل بعد هذه المقدمة لرسم بورتريه للسيد عمر سليمان بعد أن حدد مطالب تل أبيب التي ستوضع علي مكتبه. يقول "ملمان": "عمر سليمان شخصية معروفة جيدا لدي عشرات المسئولين الإسرائيليين سواء العاملين في أجهزة الاستخبارات، أو في وحدات الجيش، أو بوزارة الدفاع، أو رؤساء الحكومات، وبعض الوزراء بالطبع. فمنذ توليه منصبه الرفيع عام 1993، وهو يقيم علاقات مع غالبية رؤساء الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية مثل: الموساد، والشاباك، والمخابرات الحربية (أمان). وأحيانا كانت المحادثات بينهم تتطرق لموضوعات شخصية. فقد اعتاد سليمان أن يحكي لرئيس الموساد السابق شبتاي شافيط عن أسرته وافتخاره بها. لكن هذه العلاقات الطيبة لا تعني أن جدول أعمال الجنرال المصري يتماشي، بالضرورة، مع جدول الأعمال الإسرائيلي. "ينبغي ألا ننسي أنه في الأساس، رجل وطني مصري". هذه الجملة جاءت علي لسان مسئول رفيع بالمخابرات الإسرائيلية التقي عمر سليمان عشرات المرات. ويضيف المسئول الإسرائيلي: "أن مهمة عمر سليمان الرئيسية، وربما الوحيدة، هي حماية النظام المصري، وتأمين حياة الرئيس". في 26 يونيو 1995، وضعت هذه المهمة موضع الاختبار. ففي تمام الثامنة والربع صباحا، غادر موكب حسني مبارك ومعه عمر سليمان، مطار أديس أبابا، متجها إلي وسط العاصمة الأثيوبية لحضور مؤتمر القمة الأفريقي. فجأة تعرض الموكب لوابل كثيف من النيران. ولقي عدد من حرس الرئيس مصرعهم. لكن قبل الحادث بيوم واحد، أصر سليمان علي شحن سيارة مرسيدس مدرعة تابعة للرئاسة علي متن طائرة متجهة إلي أثيوبيا. وبفضل إصراره نجا الرئيس مبارك من محاولة الاغتيال، وبفضل التجربة الصعبة التي عاشها الرجلان توطدت علاقات الصداقة بين الرجلين. في أعقاب محاولة الاغتيال أصدر سليمان تعليمات لرجاله باتخاذ خطوات قوية وحازمة ضد الجماعات الإسلامية، دون أن يضعوا في اعتبارهم أية عقبات قانونية أو أخلاقية. وبالفعل جري اعتقال الآلاف من أعضاء الجماعات الإسلامية وعائلاتهم. وتمكن عمر سليمان بقبضته الحديدية من تصفية خلايا الإرهاب الإسلامي في فترة وجيزة. صورة علي الجدار ولد عمر سليمان عام 1935 بمحافظة قناجنوبي مصر. واشتهرت قنا بكونها معقلا للجماعات الأصولية الإسلامية. وكتبت الصحفية الأمريكية "آن ماري ويفر" منذ خمس سنوات بمجلة أتلانتيك: "في قنا هناك طريقان فقط للحراك الاجتماعي؛ إما أن تصبح ضابطا في الجيش أو رجل دين منتمي للإخوان المسلمين. وقد اختار سليمان الطريقة الأولي". فور بلوغه التاسعة عشر من عمره غادر قنا، وتوجه للدراسة في الكلية الحربية بالقاهرة. ومنذ ذلك الوقت وعلي مدار حوالي خمسين عاما، ظل عسكريا محترفا ومنضبطا. سافر في الستينيات لاستكمال دراساته العليا في الاتحاد السوفيتي. لكن هناك ندرة في المعلومات المتوافرة عن خدمته العسكرية، وتسلسله في السلم القيادي بالجيش. ويعلق علي ذلك مسئول بالاستخبارات الإسرائيلية قائلا: "عمر سليمان لم يتحدث معنا أبدا عن خدمته في الجيش، ولا عن خبرته في الحروب العربية ضدنا. وقد رأينا أنه يتحاشي ذكر ذلك، ولم نرغب في أن نثقل عليه". هاآرتس حاولت الحصول علي إجابة لهذا السؤال: في أي الحروب بالتحديد اشترك عمر سليمان في المواجهة ضد إسرائيل، وعلي أي جبهة؟ وطرحت السؤال علي معارفه الإسرائيليين؛ فلم يتفقوا علي إجابة واحدة. قال أحدهم إنه خدم في سلاح المهندسين، وأجاب آخر: لقد كان في سلاح المدفعية، ورد ثالث: لا لقد خدم في المدرعات. لكنه تولي عام 1991 منصب مدير المخابرات الحربية، وبعد عامين تولي رئاسة المخابرات العامة. وفيما بعد حصل علي منصب وزير، وعضو في الحكومة الأمنية المصغرة. وهي مناصب لم يحظ بها شخص قبله. الشعب المصري لم يكن يعرف شيئا تقريبا عن عمر سليمان قبل ست سنوات. لكنه صار شخصية معروفة فور خروجه من وراء الكواليس، وظهوره علي المسرح الدبلوماسي. يقول ضيوفه الإسرائيليون: "في مكتبه الجديد بالقاهرة يعلق صورته بجوار صور المسئولين الذين سبقوه في المنصب. وهذا تقليد غير متبع، وربما يريد أن يقول بذلك إنه لا يعتبر منصبه الحالي نهاية المطاف. ففي السنوات الأخيرة تم طرح اسمه في بورصة المرشحين لخلافة الرئيس مبارك. والحقيقة أن مبارك يفضل أن يرث ابنه جمال الحكم من بعده، لكن لو توصل لنتيجة مفادها أن هذه الخطوة ستواجه رفضا شعبيا واسعا، ستتزايد فرص الجنرال عمر سليمان. فهو علي كل حال الرجل القوي في مصر. كل من التقي بعمر سليمان خرج بانطباع مثير بسبب الهيبة والاحترام المشمول بدلالات السلطة والنفوذ. يروي أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية قصة تثبت ذلك: "منذ بضعة سنوات، كنا نجلس مع مندوبي السي آي ايه بأحد الفنادق. وفجأة رسم عمر سليمان بأصابعه حرف "واي". فانشقت الأرض عن أحد مساعديه..ووضع السيجار بين أصابع رئيسه". وفي نهاية التحقيق الصحفي تشير هاآرتس إلي أن غالبية المسئولين الإسرائيليين يمتدحون حكمة عمر سليمان، ورؤيته الاستراتيجية، ويتفهمون دوافعه. فسواء هو أو الرئيس مبارك لم يفرحا بتعاظم قوة حماس ونفوذها علي الحدود المصرية. لكنهما، في الوقت نفسه، لم يرغبا، حقيقة، في وقف تهريب السلاح عبر الأنفاق. فقد استخدما الأنفاق كورقة لعب جيو-استراتيجية لدي توسطهما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ناهيك عن أن الأنفاق وسيلة لتفريغ الضغوط التي تمارسها المعارضة الإسلامية في مصر التي تتهم النظام بالوقوف في الجبهة المعادية وقت الهجوم الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني.