هذا رجل طيب، ينحدر لأسرة إغريقية، جاء من التاريخ، حيث المدينة الفاضلة، ليكون حاكمًا للبلاد التى نهبها اللصوص وأفرغوا خزائنها، واستولوا على ثرواتها وافسدوا عبادها! فجلس يفكر فى وسيلة لإصلاح العباد واستعادة ثروات البلاد فاهتدى لطريقة سهلة وغير تقليدية لاتتطلب مشقة، ولاسعيًا فى الأرض ولا أخذًا بالأسباب! وهى توجيه دعوة كريمة لفصائل اللصوص الشرفاء مصحوبة بنداء الواجب الوطنى، لإعادة ثرواتهم المسروقة، وإيداع مدخراتهم المنهوبة فى البنوك لحساب ضحاياهم من جموع الفقراء والمسحوقين! وكانت الدعوة مصحوبة بمواعظ أخلاقية لإيقاظ ضمائرهم، والتطهر من آثامهم قبل يوم الحساب! اختمرت الفكرة العبقرية فى ذهن الحاكم اليوتوبى، المنتمى للمدينة الفاضلة وراح يتخيل النتيجة مع مجموعة من كبار مستشاريه، وقرر تشكيل ورشة عمل وغرفة طوارئ تعمل على مدار الساعة لمواجهة وتذليل المعوقات التى ستصادف اللصوص الشرفاء الذين سيبادرون لتلبية نداء الواجب الوطنى، ويتزاحمون أمام شبابيك البنوك لإعادة ثرواتهم التى جمعوها على مدة ثلاثة عقود! فى اليوم التالى وصلت سيارات اللصوص النصف نقل المحملة بالأوراق النقدية والمجوهرات، وواجهت البنوك أزمة نتيجة تدافع طوابير اللصوص الشرفاء وتزاحمهم أمام شبابيك الإيداع، وواجهت البنوك مشكلة أخرى وهى عدم كفاية الموظفين القائمين على جرد أطنان أوراق البنكنوت والتى وصلت للبنوك فى ذات اليوم! ووقعت خناقات جراء التزاحم لأن حشود العملاء الجدد أرادوا التنازل عن ثرواتهم فى أسرع وقت ممكن، بعدما أعلن الحاكم خبرًا خطيرًا وهو أن أحدًا من لصوص المال العام لن ينجو من عذاب جهنم، وأن يوم القيامة بات قريبًا وأن الموت الذى يفاجئ البشر، لن يستثنى أحداً من اللصوص، الذين تاجروا بقوت الشعب، واستولوا على مقدراته، وإزاء هذه المعلومات الخطيرة والمرعبة التى أذيعت لأول مرة فى القنوات الفضائية عبر بيانات رسمية، كان التدافع شديداً، وبدأت غرف العمليات تتلقى شكاوى العملاء، الذين وقفوا فى الطوابير لساعات طويلة، حتى أغلقت الشبابيك وانصرف الموظفون دون أن يتمكنوا من التخلص من أموالهم! وهدد بعضهم بإشعال النار فى نفسه مالم تقم الحكومة بواجبها إزاء اللصوص المتطهرين بتوفير منافذ لتسليمهم ثرواتهم لئلا يباغتهم الموت فجأة فيكون مصيرهم النار! وطمأنت غرف العمليات أصحاب هذه المشكلة، بأن وصولهم للبنوك بصناديق الفلوس المسروقة هو إعلان حسن نوايا ودليل توبة وتطهر من شأنه أن يدخلهم الجنة، تحت قاعدة أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك به، وتأسيسًا على حالة الرجل الذى قتل مائة نفس، وقرر التوبة، ونصحه أحد الأولياء الصالحين بالتوجه إلى المدينة الفاضلة لكنه مات فى منتصف المسافة، وتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فكان من نصيب ملائكة الرحمة ودخل الجنة! «فئة» أخرى من اللصوص الشرفاء الذين قرروا رد ثرواتهم المسروقة هددوا بالاعتصام أمام البنوك حتى تقوم رئاسة الجمهورية بتلبية مطالبهم الفئوية، واستلام كراتين الفلوس الكثيرة التى فى حوزتهم، وهددوا بنثرها فى الهواء من أعلى برج القاهرة مالم تُحل المشكلة خلال 48 ساعة! فى اليوم التالى ظهر الرئيس «اليوتوبى» المنحدر لأصول إغريقية، يعلن على شاشات التلفاز حصيلة اليوم الأول من مال اللصوص وهى مائة مليار جنيه، وفى ذات الوقت يبدى أسفه وينعى إلى الشعب وفاة خمسة من اللصوص الشرفاء، الذين لقوا حتفهم فى طوابير التوبة، ويؤكد أن مآلهم جنات الفردوس، وأن الدولة ستصرف لذويهم إعانات عاجلة! وفى ذات البيان أعلن الرئيس خلو البلاد من لصوص المال العام، وأن مصر باتت جمهورية فاضلة! ثم استأذن الرئيس المشاهدين وعاد إلى التاريخ وصفع الباب خلفه! نشر بالعدد 622 بتاريخ 12/11/2012