عندما أعلن الامام الخمينى رحمه الله تعالى، فى 14 فبراير 1989 فتواه الشهيرة بقتل الكاتب الملحد سلمان رشدى جزاء على كتابه التافه الشهير، «آيات شيطانية» إنتفض الغرب دفاعا عما يسميه حرية الرأى والتعبير، وإتخذ من الاحتياطات ما أمكنه لحماية وحراسة سلمان رشدى أينما كان، حتى عندما كان يتحرك إلى ندوة أو الى مكان قريب، كان يستخدم سيارة خاصة ذات زجاج مسلح لا يخترقه الرصاص. صور الغرب المشكلة على انها صراع بين التنوير والعقلانية والحوار والتسامح والعلمانية من ناحية وبين الراديكالية الاسلامية أوالاسلام الراديكالى من ناحية أخرى، وإتهموا الاسلام بالإرهاب والثيوقراطية، وهو ما يحاوله البعض اليوم، خصوصا مع دول الربيع العربى التى نجح فيها الاسلاميون فى الوصول الى السلطة، إذ يلحقونهم بالاسلاميين الراديكاليين،وبأنهم يسعون الى إقامة دولة دينية حتى لو أكدوا أنهم يؤمنون بالدولة المدنية ويسعون الى إقامتها. اتهم الغرب كذلك وقتها إيران بأنها دولة إرهابية، وبعض الكتاب الغربيين اليوم يرون أن إيران لاتزال دولة تسير فى طريق الإرهاب ، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية من خلال برنامجها النووى السلمى لكى تحقق الشعار الذى يطلقه الإيرانيون: الموت لإسرائيل، وخصوصا فى احتفالات يوم القدس العالمى الذى يأتى آخر جمعة من شهر رمضان كل عام. وهذا الاحتفال اختراع خومينى بحت، يساعد كثيرا فى إبقاء القدس فى عقول وقلوب المسلمين عموما بعد أن كاد الكثيرون وخصوصا بين العجم، ينسون القدس بعد طول مدة الاحتلال. إذن إيران متهمة بالفتوى ومتهمة بالبرنامج النووى، أما إسرائيل فبريئة من كل إثم. تجديد التذكير بهذه الاتهامات فى الغرب، لإيران وللقاعدة فى دول شمال إفريقيا، بسبب التظاهر أمام السفارات الأمريكية فى معظم بلاد العالم العربى وفى بعض الدول الاسلامية من العجم مثل باكستان وإندونيسيا وكشمير المحتلة وبعضها عاطفى جدا وعنيف يؤكد كراهة الشراسة الامريكية، أما مظاهر العنف التى صاحبت التظاهرضد إنتاج الفيلم المسيء فى أمريكا عن النبى صلى الله عليه وسلم، فكان أمراً متوقعا بسبب حب النبى صلى الله عليه وسلم، وبسبب كراهية معظم المسلمين لامريكا من اجل دعمها لإسرائيل واحتلال وتدمير أفغانستان والعراق والتربص بإيران. الغرب يحلو له أن يتهم من يشاء إذا شعر بالإهانة أو الإساءة وذلك لسببين، أولهما تقديرا لمواطنيه واهتماما بهم أينما كانوا، وهذا جميل وياليت العالم العربى والاسلامى يتعلم ذلك من الغرب فترتفع قيمة المواطن فى بلادنا، ولكن الغرب كذلك يوظف ذلك الاهتمام لتحقيق مصالحه الاستراتيجية والانتقام الشديد ممن يعارضون مصالحه، وليس العقاب العادل أو أخذ الحق الذى يدعونه وبالطرق الحضارية التى يطالبون المسلمين أن يأخذوا بها. بعض الكتاب الغربيين ومنهم – مايكل إيجاتيف – كما كتب فى الفايننشيال تايمز يوم الأحد 16 سبتمبر 2012 يقول: (الحياة الديمقراطية سوياً أمر شاق يحتاج الى مساومة، كل منا المسلمون المؤمنون والليبراليون العلمانيون يودون، إن كان الآخر مختلفاًعما هو عليه حاليا، ولكننا لن نكون كذلك، والحياة سوياً تتطلب منا ان نقبل من الآخر ما لا نقدر على تغييره، ثم يقول: الإيمان ليس له ميزة ولا حقوق حصرية وكذلك المنطق العلمانى، نحن قررنا أن نكون مع بعضنا البعض، وعلينا عبء تبرير ما نقوم به فى الحياة الحرة، ومحاولة إقناع الآخر أن يتغير بعيدا عن الكراهية والعنف وهذا هو ما تتطلبه الحياة الديمقراطية. هذا الموقف الفكرى، والتحليل العلمانى واضح،الايمان ليس له ميزة، والغرب لا يعادى الاسلام وحده بل الدين كله الا قليلا، أهم مقدساتالغرب ليست فى الدين بل فى القوة والوفرة والهيمنة والمصلحة، وهذا المبدأيجب أن يكون مقبولا للحياة سوياًمع الآخر المختلف عقيدة وفكراً ومشروعاً دون كراهية أو عنف ولكن، أنَّى هذا والاحزاب اليمينية لا تريد أن ترى هذا الآخر فى الغرب. وقد كتب «مايكل» ذلك ربما لمن يعيشون فى الغرب من الاقلية المسلمة ولكنه فى ذات الوقت يصلح ايضا للتعايش فى الدول ذات الأغلبية الاسلامية مع احترم الآخر ومعتقداته، وهذه هى الفطرة الانسانية السليمة، قبول الآخر والحريات الكاملة والكرامة الانسانية التى أجملها القرآن الكريم فى شأن الخلق ( ولقد كرمنا بنى آدم ). وهنا نأتى الى تحليل الموقف الأمريكى من التظاهرات فى العالم الاسلامى ضد الفيلم المسيء المنتج والمعروض فى أمريكا، يتلخص الموقف فى مجموعة من النقاط المهمة. تحرك أمريكى سريع تمثل فى التصريحات والاتصالات الهاتفية التى أجراها المسئولون الامريكان وعلى رأسهم أوباما مع المسئوليين فى مصر وليبيا وغيرهما، وفى مقدمة الذين تم الاتصال بهم الرئيس مرسى، وطلب أوباما التعاون فى حماية البعثات الدبلوماسية والافراد الامريكان والسعى والتعاون لتقديم الارهابيين، كما تسميهم وتعنيهم أمريكا لتقديمهم الى العدالة، وأمريكا لا تتساهل فى قضية من تصفهم بالارهاب، بل إنها تخطف حتى بعض الرؤساء وما حدث مع رؤساء أمريكا الجنوبية من قبل، يمكن أن يقع فى العالم العربى، ( قصة نوريجا معروفة للجميع ). تحرك أمريكى آخر تمثل فى اتهام القاعدة فى دول شمال إفريقيا بالعدوان على السفارة الامريكية فى بنغازى، وهذا الاتهام لا تتضح مقتضياته ولا مستحقاته اليوم، لأن أمريكا مثل الجمل معروف باختزان الاساءة، والأمريكان يدرسون حاليا كيف يكون عقاب من فى ظنهم انه إعتدى على السفارات الامريكية فى ليبيا ومصر واليمن وتونس وغيرها، ومن قتل الدبلوماسيين الامريكان فى ليبيا، الاتهام بالإرهاب من جانب أمريكا يحتمل الاحتلال للآخر. تحرك آخر تمثل فى تحريك الطائرات والسفن الحربية ومشاة البحرية الامريكية الى مواقع اختارتها أمريكا لتكون قريبة من موقع الاحداث، وانتظاراً للأوامر الامريكية من البيت الابيض او من البنتاجون، وقد يكون توظيف هذه القضية فى الانتخابات الامريكية امرا قائما ومهما. تحرك رابع تمثل فى نشاط مؤسسات الاستخبارات الامريكية وفى مقدمتها ال FBI وال CIA وغيرهما، لتقدير الوضع وجمع المعلومات عن الوقائع التى ترى امريكا أنها أهانت كرامتها وهى القوة العظمى الوحيدة اليوم فى العالم. أما على المستوى الاقتصادى فقد جمدت أمريكا المحادثات الاقتصادية مع مصر، وتأجل تنفيذ الوعود بشطب مليار دولار من الديون المصرية، وهنا ستلعب إسرائيل المحتلةلفلسطين دورها الإجرامى والضغط بالاقتصاد على الفقراء والمحتاجين من خلال البنك الدولى والمساعدات وغيرها، لعبة إسرائيلية أمريكية معروفة. هذه بعض أهم التحركات، فضلا عن تصريحات المسئولين الامريكان الذين يرون أن الفيلم وإنتاجه يدخل ضمن إطار حرية التعبير، كما هو رأى «أنجيلا ميركل» فى ألمانيا وغيرهم من المسئولين فى أوربا. وهذا الموقف من المسئولين الامريكان يوضح بما لا يدع مجالا للشك الثنائية المتباينة أو المواقف المزدوجة تجاه الاحداث والوقائع المهمة إذا تعلق الامر بإسرائيل. سأذكر هنا ثلاث حالات تؤكد وتبين ما أقول وأزعم عن الازدواجية أو الثنائية الغربية، أولا: واقعة قتل بل دهس الناشطة الحقوقية الامريكية «راشيل كورى» بالجرافات الاسرائيلية على أرض فلسطين عندما سافرت راشيل إليها لتدعم أهل غزة ضد العدوان الاسرائيلى الاجرامى، لم تفعل أمريكا شيئا تجاه العدوان على المواطنة الامريكية ودهسها. ماذا كان سيكون موقف امريكا لو أن العكس هو الذى حدث؟ ماذا لو أن الذين سحلوا أو قتلوا أو دهسوا راشيل ولو بالخطأ كانوا فلسطينيين؟ أما الأمر الثانى الذى يوضح ان الغرب وخصوصا امريكا أصحاب نظرة مزدوجة متعارضة يتمثل فى قوانين تحريم إنكار التشكيك فى المحرقة او الهولوكوست الذى ضخمته الصهيونية كثيراً وألحقت به ما ليس منه وتطلب من الجميع القبول بما يقولون، وأحيانا الاحتفال بذكر، أهبل إن الادارة البريطانية ضغطت على المسلمين فى بريطانيا وخصوصا المجلس الاسلامى البريطانى الذى يمثل المسلمين أمام الحكومة، مراراً وتكراراً لحضور الاحتفال بالهولوكوست سواء رغبة او رهبة، ضغطاً أو طواعية، ولم يكن هناك مجال لحرية الرأى وحرية التقدير والتعبير وحرية اتخاذ الموقف الملائم، ديكتاتورية تونى بلير ومن ورائه كانت تصل الى حد التفريق بين المسلمين والآخرين وخصوصا اليهود،فى الحقوق والامتيازات فى شتى مناحى الحياة، أما ديكتاتورية رومنى إذا جلس فى البيت الابيض فستنسينا جرائم وديكتاتورية من سبقوه. أما الأمر الثالث فيتعلق بتهمة معاداة السامية وكأنهم دون غيرهم، كما يزعمون كذبا أنهم شعب الله المختار، لى أصدقاء من حركة ناطورى كارتا اليهودية التى تعادى قيام اسرائيل وتعادى مفتريات الحركة الصهيونية، ويتعرضون لكثير من الضغط حتى فى أمريكا، لأن امريكا ترى ان اسرائيل والحركة الصهيونية خط أحمر ولكنها ترى أن الدين كله وخصوصا الاسلام خط اخضر. أخشى ان يكون وراء الفيلم التافه وما هو بفيلم، والعدد القليل جدا من أقباط المهجرالسيئين والقس جونز والقتل والتدمير العدوان على السفارات الامريكية وغيرها، من يحرك هذه القضايا ليكونوا مخلب القط لتطبيق الاستراتيجية الامريكية ضد ما يسمى بالارهاب فى بلادنا. قلت مرارا إن السفيرة الامريكية فى القاهرة آن باترسون جاءت من منطقة قلاقل لتعمل فى منطقة قلاقل جديدة. والله أعلم بالنتائج تم نشره بالعدد رقم 615 بتاريخ 24/9/2012