مع اقتراب انقضاء المائة يوم الأولى على تنصيب الرئيس «الإخوانى» محمد مرسى العياط، بدت صورة الحكم فى مصر كأنها تعيد استنساخ الأيام الأخيرة لحكم المخلوع محمد حسنى مبارك. ولا تبدو من مفاجأة كبيرة فى القصة كلها، فالإخفاق كان متوقعا للرئيس مرسى ولحكم الإخوان، ولسبب جوهرى بسيط جدا، وهو أن إيحاء الإخوان بمعنى البديل نوع من الحمل الكاذب، وأنهم أقرب إلى معنى القرين لحكم مبارك، وقبل سنوات من خلع مبارك، كنت أقول دائما كتابة وشفاهة أن تناقض الإخوان مع حكم مبارك يبدو ظاهرا على السطح، وأنه لا يكاد يمر يوم بدون اعتقالات جديدة للإخوان من منازلهم غالبا، وكنت ألفت النظر إلى ما يبدو من عجب فى السلوك المباركى الأمنى الروتينى، فلم يكن الإخوان أبدا فى صف المعارضة الجذرية، ولا الدعوة إلى ثورة من أى نوع، بل كانوا أقرب إلى كتلة فيزيائية لا سياسية، وكان التناقض الفيزيائى أكثر ظهورا من التناقض السياسى، فقد كانت جماعة مبارك تشعر بأن جماعة الإخوان تزاحمها فى المركبة نفسها، وعلى ذات خطوط السير، وإن كانت الجماعة الإخوان هذه المرة تبدو أكثر حيوية من جماعة مبارك التى شاخت وفسدت وتيبست عضلاتها وبانت عليها علامات الموت، بينما جماعة الإخوان أكثر شبابا وصلابة وتماسكا، وكنت أقول إن بوسع مبارك أن يتحالف مع الإخوان فيكسب عشر سنوات إضافية، لكن حكم مبارك لم يكن يريد أن يفعل، وبسبب طابعه العائلى الاحتكارى، والذى كان قد صار على رأى المثل المصرى «زى الفريك لا يحب الشريك»، وقد أتاح ذهاب مبارك تجاوز هذه العقبة، فقد انخلع رأس النظام القديم، وقرر رأس النظام الجديد فى صورة المجلس العسكرى المضى فى طريق التحالف مع الإخوان، وصوغ الصورة الجديدة للنظام القديم نفسه فى ثوب ديمقراطى، وهكذا كان، وإلى الآن، وحتى إشعار آخر أو ثورة أخرى. وفى المائة يوم الأولى لحكم الرئيس الإخوانى، وقد سبقتها خمسة شهور من عمل البرلمان ذى الأكثرية الإخوانية، بدت صورة مصر العامة تكرارا لما كانت عليه فى العامين الأخيرين لحكم مبارك، وفى كل المجالات تقريبا، ومن سياسات الخارج إلى اقتصاد الداخل المتعثر المأزوم بشدة، وإن تفاقمت الأوضاع أكثر بتقادم الزمن، فانهيار المرافق والخدمات زادت سوءاته، وصار مألوفا أن تضاف ظواهر انقطاع وتسمم المياه إلى ظواهر الانقطاع الصيفى المتواتر للكهرباء، وأن تضاف ظواهر الانفلات الأمنى، وكان مرسى قد تعهد بحل خمس مشكلات فى المائة يوم الأولى بعد تنصيبه، وهى مشكلات المرور وطوابير العيش والنظافة والأمن والطاقة، ولا يبدو من تحسن ظاهر فى مجال الأمن رغم حملات ملموسة ضد جماعات البلطجة، فيما زادت طوابير العيش طولا، وتواترت حوادث سقوط المواطنين قتلى فى الزحام أمام المخابز، وتضاعف الشلل المرورى فى زحام خانق بالمدن الكبرى يضيع الوقت ويبدد الجهد، وعادت طوابير السيارات حول محطات البنزين والسولار والغاز، وزادت تلال القمامة فى كل مكان، والمحصلة: أن مرسى خسر رهان المائة يوم الأولى، ودعك من أسباب معوجة ساقها الإخوان تبريرا للفشل فى حل مشكلات لا تستلزم سوى الضبط الإدارى، فقد أزاح الرئيس مرسى سلطة المجلس العسكرى التى قيل إنها معيقة لدوره، وجمع فى يده السلطات كلها، وشكل حكومته بمعرفته ومعرفة مكتب إرشاد جماعة الإخوان، ولم يلمس المواطن العادى أى تحسن، وزاد إحساسه بالإحباط، وهو ما دفع حزب الإخوان نفسه إلى انتقاد ما يجرى، وإن توجه بالنقد أساسا إلى الحكومة لا إلى الرئيس، وفيما بدا كمحاولة للحد من تدهور ملموس فى شعبية الإخوان. وفى جوهر السياسات المتبعة، يلاحظ المراقب تطابقا كاملا فى اختيارات السياسة والاقتصاد، كان مبارك يتصرف بالبلد كأنها «عزبة» لعائلته، بينما يتصرف مرسى فى الدولة المصرية كأنها غنيمة لجماعته، وباستثناءات قليلة لعل أهمها تعيين القاضى الجليل هشام جنينة رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات، تكاد لا تجد لتعيينات مرسى معنى مختلفا عن تعيينات مبارك، فالقاعدة العامة هى كما كانت، وملخصها إحلال الأسوأ من أهل الثقة، كان معيار الثقة أمنيا فيما مضى، وصار المعيار إخوانيا هذه المرة، فالأولوية لكفاءات درجة عاشرة من الإخوان، أو من زرافات «المتأخونين» جريا على عادة النفاق للسلطة أى سلطة، وبدا الأمر أشبه بفواجع وطنية شوهت سمعة مصر فى العالمين، ويكفى أن تطالع تشكيلات من نوع «الهيئة الاستشارية للرئيس»، أو «المجلس القومى لحقوق الإنسان»، أو «المجلس الأعلى للصحافة»، أو حكومة الدكتور هشام قنديل، فليس ممكنا تصور ما هو أسوأ من هذه الاختيارات، وكلها محكومة بقاعدة «الفلول والإخوان يد واحدة»، فالتشكيلات غاية فى الركاكة والضعف، فوق اتباعها لاختيارات سياسة المخلوع نفسها، فالاختيار الاقتصادى مثلا محجوز لرأسمالية المحاسيب، ومع إعادة تشكيل فريق جماعة مليارديرات المال الحرام، وبحيث يتصدرها ملياردير إخوانى هذه المرة، فقد حل مكتب إرشاد الإخوان كجهة اختيار محل لجنة سياسات جمال مبارك، ومع اختيار «اقتصاد الريع» وقبول وصاية صندوق النقد والبنك الدوليين، تبدو رغبة الإخوان جامحة لتوثيق علاقة التبعية لأمريكا وأهلها فى المنطقة وممالك الخليج، وتبدو السلطة كما كانت أيام مبارك من النوع الذى «يسرقنا ويشحت علينا»، ولا مانع عندها من تكرار سياسات التضييق على الإعلام وحركة الشارع، وصرف عشرات المليارات من خزينة الدولة المنهكة على تليفزيونات وإذاعات وصحف النفاق البائس، وتجديد الدعوة لإعلان حالة الطوارئ، وابتذال التعامل مع مفاهيم الإسلام، وإلى حد قولهم إن ربنا وضع «الطوارئ» فى القرآن الكريم (!)، ولا تنس بالطبع مهرجان صلاة الجمعة التى يؤديها الرئيس وسط حشود أمنية مكثفة تكلف الدولة ثلاثة ملايين جنيه أسبوعيا (!)، ويحرم بسببها آلاف المواطنين وآلاف عناصر الأمن من أداء صلاة الجمعة فى المساجد التى يقع عليها اختيار فريق الرئيس (!). وبالطبع، فليس لقضية الثورة حس ولا خبر فى اختيارات حكم الإخوان، فهم قوة تنتسب إلى معنى الثورة المضادة بامتياز، بينما لاتزال قضية الثورة فى خانة المقاومة، وفى احتجاجات الشارع الاجتماعية والسياسية، وفى ائتلافات ثورية قوية تظهر عزمها على منازلة الإخوان فى أقرب انتخابات، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون. تم نشره بالعدد رقم 615 بتاريخ 24/9/2012