من الممكن أن تقرأ هذا الخبر قريباً وهو استحداث قسم لأفلام المحمول فى أعتى المهرجانات السينمائية الكبرى.. لقد فعل مهرجان فينسيا السينمائى فى دورته الأخيرة شيئا قريبا من هذا عندما أنشأ لأول مرة قسما لأفلام اليوتيوب شارك فيه عشرات من شباب المبدعين من مختلف أنحاء العالم. انتهى قبل أيام فى القاهرة مهرجان سينما المحمول لم تكن هذه هى أول مرة يقام فيها مهرجان سينما الموبايل فى مصر فلقد سبق قبل نحو ست سنوات أن أقامت إحدى الجمعيات المستقلة مهرجان المحمول لمدة ثلاث دورات متتالية ولكن توقف المشروع لعدم توافر الميزانية بينما تحمست «إسعاد يونس» من خلال شركتها السينمائية وأقامت تلك الدورة من المهرجان وسوف تتواصل الدورات فى الأعوام القادمة.. وبالطبع حظى هذا المهرجان بتغطية إعلامية أكبر، حيث تمت الاستعانة بأكثر من نجم فى لجنة التحكيم مثل «بسمة» و«إياد نصار». عند إعلان الجوائز أقيمت احتفالية ضخمة حضرها عدد من النجوم وتلقى الفائزون مكافآت مالية مع وعد من شركة الإنتاج بأن يتقدموا بمشروعات سوف تتابعها الشركة لكى ترى هذه الأفلام النور والأهم من ذلك هو أن هناك ورشا للتدريب فى المونتاج «منى ربيع» و السيناريو «محمد حفظي» والإخراج «عمرو سلامة» والتمثيل «خالد أبو النجا» وهكذا لا ينتهى المهرجان بإعلان النتائج ولكن بانتظار نتائج أهم لما سوف تسفر عنه ورش التدريب فى التقنيات الفنية وكان المدير الفنى للمهرجان المخرج «أمير رمسيس» حريصاً على أن يتابع مدى إقبال الشباب على هذه الورش. «الموبايل» هو الشاشة الرابعة والتى تبدو الآن مثل جنين لم تتضح بعد ملامحه إلا أن المؤكد أنه على وشك أن يحدث له مخاض الولادة وبعدها تبدأ رحلته مع الحياة وتتحدد خلالها قواعده أيضاً فهو قادم لا محالة.. حيث إنه ومنذ نحو عشر سنوات تقام مهرجانات لأفلام المحمول فى العالم وإن كان العالم العربى لا يزال يتعامل بقدر من التحفظ مع أفلام الهاتف النقال!! الشاشات الثلاث السابقة على الموبايل وهى السينما، التليفزيون، الكومبيوتر أحدثت فى حياة الناس انقلاباً.. الإنسان قبل السينما التى بدأت عام 1895 ليس هو الإنسان بعدها.. التليفزيون والذى بدأت تجاربه الأولى أثناء الحرب العالمية الثانية ووقتها شعر السينمائيون بالتهديد أمام هذا الوليد القادم بقوة والذى يقدم أيضاً الصورة الدرامية.. لكن السينما طورت من نفسها على مستوى التصوير ودار العرض والفكر ولهذا شاهدنا الشاشات العريضة والألوان والصوت المجسم وسينما الأبعاد الثلاثة لنرى الصورة المجسمة وحالياً هناك تجارب متعددة لتقديم سينما البعد الرابع، حيث تلعب أيضاً حاسة الشم دورها فإذا كانت اللقطة فى حديقة فأنت تشم داخل دار العرض رائحة الزهور ولو كانت اللقطة الثانية على البحر فتشم رائحة اليود وذلك لإقناع المشاهد بأن يغادر منزله ويترك الشاشة الثانية – التليفزيون – ليعود إلى الشاشة الأم التى تقدم له ما يعجز عنه التليفزيون. الأقمار الصناعية لعبت دورها فى تعضيد قوة الشاشة الثانية «التليفزيون» وازداد سقف الحرية بالانتشار الفضائي.. لكن السينما لم تفقد جاذبيتها بعد.. الكومبيوتر الشاشة الثالثة طرحت نوعاً من الفردية فى التلقى كما أنها بقدر ما تعطى للفضائيات من أخبار وطرائف بقدر ما تأخذ منها أيضاً.. إذا كانت السينما جماعية فى مشاهدتها ومع جمهور مختلف فإن التليفزيون بطبعه عائلى حدوده الأسرة ويأتى الكومبيوتر بتلك الذاتية التى تحيل العالم إلى فرد واحد والفرد إلى عالم مترامى الأطراف والأجناس! شاشة المحمول أكثر ذاتية وخصوصية وهى شاشة قابلة للتطوير السريع مع التقدم التكنولوجى فى مجال المحمول والذى يراهن كل يوم على إضافة أكثر طموحاً. وكان المحمول ولا يزال أحد الوسائط التى تواكب ما يجرى فى الحياة ولم تمر مناسبة سياسية أو اجتماعية أو دينية إلا وأحالها المصريون والعرب إلى مساحة من تبادل الرأى عبر رسائل الموبايل وهو ما تجده أيضاً فى أغلب دول العالم ولكن مساحة النكتة والطرفة تزداد أكثر فى عالمنا العربي!! قبل ثورات الربيع العربى لعب المحمول دوره المحورى والعميق لرصد تجاوزات الأنظمة واستطاعت بالفعل كاميرا المحمول أن تؤدى دورها فى التمهيد لثورات الربيع لأنها كانت كثيراً ما تفضح ما يجرى داخل أقسام الشرطة وفى الشارع من تجاوزات فى حق الشعوب ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل تابعت كاميرا المحمول أحداث الثورة وعندما عجزت كاميرات التليفزيون على الدخول إلى الأراضى الليبية والسورية لعبت كاميرا المحمول دورها فى نقل ما يحدث ولا تزال كاميرا المحمول تشكل أفضل الأسلحة فى نقل ما يجرى فى سوريا للعالم، حيث إن السلطات السورية تصادر الكاميرات التليفزيونية لكنها لم تستطع مصادرة المحمول!! أشهر تسجيل موبايل على مستوى العالم هو لقطات شنق «صدام حسين» ولولا المحمول ما كان من الممكن أن تحتفظ الذاكرة البصرية بتلك اللقطات فلم يسبق فى التاريخ أن تم تسجيل تلك اللحظات. وبعدها رأينا أثناء الثورة الليبية مشاهد إلقاء القبض على «معمر القذافي» ثم اغتياله التى أيضاً كان المحمول هو أداة توثيقها للتاريخ!! كاميرا المحمول كان يبدو فى البداية أنها فقط أداة إخبارية وليست إبداعية وهذا هو منطق وقانون أى آلة جديدة ولكن بدأنا نرى مع مرور الزمن إبداعاً خاصاً.. السينما فى البدايات كانت أقرب أيضا إلى الكاميرا الإخبارية.. الإخوة لوميير «لويس وأوجست» مخترعا السينما لم يقدما فى البداية إبداعاً ولكن مجرد صور متحركة لخروج العمال من المصنع أو انطلاق قطار من محطته.. التقنية الإبداعية ظهرت فيما بعد.. مع استخدام اللقطة القريبة والمونتاج ثم إضافة الخيال على الصورة مثل تلك اللمحات التى صاغها «جورج ميليس» وهو ساحر فرنسى قرر أن يحيل السينما إلى لعبة سحرية وقدم عام 1903 فيلمه الصعود للقمر الذى أعاد بالمناسبة. مهرجان كان عرضه قبل عامين فى احتفالية خاصة!! مهرجان أفلام المحمول عرفته مصر لأول مرة عام 2006 ولم تكن الأفلام المقدمة ترقى إلى ما يمكن أن نطلق عليه إبداعاً وكنت مشاركاً فى لجنة التحكيم، حيث شاهدنا حوالى 100 فيلم من بين ألف فيلم تقدمت للمهرجان.. كانت هناك بالفعل محاولات لتقديم رؤية تحمل قدراً من التعبير الدرامى أقرب إلى الفيلم القصير هناك خطوط درامية يحتويها زمن الفيلم بما لا يتجاوز ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، أما فى مهرجان هذا العام فلقد تقرر السماح للأفلام بالمشاركة يبدأ زمنها من دقيقة وحتى 20 دقيقة!! فى العديد من دول العالم وكما تقام مهرجانات لأفلام الديجيتال المصورة بالكاميرا الرقمية فإن هناك مهرجانات لأفلام المحمول.. وبالطبع فإن المصور هو المخرج وهو أيضاً الكاتب فى العادة وهذه التجارب قابلة للتطوير الذاتى وبالفعل هذا العام شاهدنا تجارب أكثر نضجا ووضح فيها تعدد الوظائف الفنية ما بين كاتب وممثل ومصور ومخرج.. التجربة هى التى سوف تسمح بالتطور لتخلق من رحمها حالة أكثر نضجاً.. إمكانيات المحمول فى التصوير لن تعرف مع الزمن حدوداً.. خيال من يمسك بكاميرا المحمول سوف يتحرر من الأفكار التقليدية.. أفلام المحمول سوف تعثر على قواعدها الخاصة.. نعم المحمول فى كل يد، بل أن بعض الأيادى تضع بدلاً من المحمول الواحد اثنان وثلاثة إلا أن الإبداع الفنى لن يكفى فيه أن تمتلك محمول المهم ما الذى تقدمه عبر شاشته الرابعة.. وأن يخضع ما تلتقطه عين الفنان لقاعدة إبداعية. كان الكاتب الكبير «عباس محمود العقاد» من أنصار المدرسة التقليدية الكلاسيكية فى كتابة الشعر ولهذا كان يقول إن الفارق بين الفن والادعاء هو تحديداً الفارق بين المشى والرقص.. كل الناس تمشى كما يحلو لها لكن الرقص يشترط أن تضع القاعدة الإيقاعية وكما أنه ليس كل من تحمله قدميه قادر على الرقص حتى وإن كان قادراً على المشى فإن من يقدم فيلم المحمول ليس من يمتلك الجهاز ولكن من يحيل الصورة إلى إبداع.. ولهذا بعد مرور ستة أعوام على انطلاق أول مهرجان لأفلام المحمول فى مصر فأنا أتصور أن هذه الدورة حملت ما هو أفضل وأصبح المشى رقصاً ورأينا شاشات المحمول وقد صارت ترقص إبداعاً!! هل تستمر المسيرة فى مهرجانات المحمول لنرى فى عالمنا العربى العديد منها؟ أتصور أن شاشة المحمول تعدنا بالعديد من المفاجآت ولا أستبعد أن تسرق الكاميرا من المهرجانات السينمائية لتصبح أفلام المحمول لها مساحة ثابتة فى أجندة المهرجانات فى العالم إنه رهان الحرية التى استطاعت كاميرا المحمول انتزاعها ولن يستطيع أحد أن يصادر الحرية بعد أن أصبحت فى أيادى الناس. مهرجانات المحمول قادمة لا محالة والموبايل فى اليد لم يعد فقط أداة للتواصل الاجتماعى ولكنه يحمل قيمة إبداعية جمالية عثرت على مكان خاص فى الخريطة الفنية وسوف تحتل مكانة قريبة وتقول للمهرجانات فى عالمنا العربى نحن هنا نشر بالعدد 617 بتاريخ 8/10/2012