الازمة وقعت خلال حفل افتتاح دورة لندن الاوليمبية علم 1908، حين فوجئت البعثة الرياضية الأمريكية بعدم وجود العلم بين اعلام الدول المشاركة فى الدورة والمرفوعة فوق استاد«وايت سيتي» الذى جرت عليه مراسم حفل الافتتاح! احتج الوفد الامريكى وكاد ينسحب وبرر البريطانيون موقفهم بأن السفارة الامريكية فى لندن لم ترسل علماً بالحجم المناسب لادارة الدورة، فكان عذراً أقبح من ذنب، فقرر الامريكيون الرد على طريقتهم وجاء الرد بطريقة لا تخطر على بال، فوفقاً لمراسم الافتتاح فإن حامل علم بلاده الذى يتقدم طابور العرض ويطوف بالاستاد ينبغى أن ينكس العلم حين يصل قبالة المقصورة الرئيسية وذلك احتراماً لملك الامبراطورية البريطانية العظمى التى لا تغرب عنها الشمس!. فهكذا فعل حاملو الاعلام كلما مروا أمام المنصة الرئيسية، إلا أن حامل العلم الامريكى توقف أمام المقصورة واستدار فى مواجهة الملك إدوارد السابع ورفع العلم لاقصى ارتفاع بكلتا يديه وصرخ قائلاً: «هذا العلم لا ينكس لملك بشرى فى هذا الكون»! تكهرب الجو فى المقصورة الرئيسية، والتفت الملك يسأل «البارون كوبرتان» مؤسس الالعاب الاوليمبية.. هل طقوس ومراسم الدورة تقضى بإهانة الملوك؟ فالتفت كوبرتان إلى السفير الامريكى وسأله تفسيراً لسلوك حامل العلم الامريكي، فقال إن الدستور الامريكى يمنع تنكيس العلم لمخلوق ولا يستثنى جلالة الملك!. وفى اليوم التالى شنت الصحف البريطانية حملة فى صفحاتها الاولى على رعاة البقر الأجلاف الذين لم يتحضروا بعد ولم يتعلموا شيئاً من الحضارة البريطانية!، وردت الصحف الامريكية بحملة شرسة للبريطانيين العبيد الذين ما برحوا يعبدون ملوكهم ولم يتعلموا من الديمقراطية الامريكية شيئاً!. الازمات السياسية ايضاً كانت سبباً فى اسناد اولمبياد 1948 إلى مدينة لندن!، ففى عام 1945 لم تكن سحب البارود قد انقشعت بعد من سماء أوروبا جراء الحرب العالمية الثانية حين اجتمعت اللجنة الاوليمبية الدولية لتقرير مصير الدورة القادمة عندما تقدم الزعيم البريطانى «ونستون تشرشل» بالتماس إلى اللجنة راجياً أن تقوم بلاده بتنظيم أول دورة اوليمبية بعد الحرب!، وقال فى الحيثيات لعلها ادنى مكافأة للشعب البريطانى الذى عانى ويلات الحرب وانقذ العالم من ويلات النازية!. ويقول المؤرخون إن دورة برلين الاوليمبية عام 1936 كانت البوابة الملكية لتسييس دورات الالعاب الاوليمبية، فحين تولى هتلر السلطة عام 1933 كانت ميزانية الدورة ثلاثة ملايين دولار زادها عشرة اضعاف لتصبح ثلاثين مليوناً وكان هذا الرقم خيالياً!. وعهد بالرعاية لها لوزير دعايته «جولبز» وطالبه بأن تكون دورة برلين «فاترينة عرض» للايدولوجية النازية!. وقبل ثلاثة شهور من افتتاحها هددت اللجنة الاوليمبية الدولية بإلغاء دورة برلين الاوليمبية، أما السبب فهو الظواهر العنصرية التى اتسمت بها الاستعدادات للدورة!، فقد ذهب وفد من اللجنة الاوليمبية لتفقد آخر الاستعدادات وتوقف اعضاء الوفد أمام لوحات نحاسية بين الردهات المؤدية لدورات المياهالخاصة بالقرية الاوليمبية!، تقول: «ممنوع دخول الطلاب واليهود» وطلب الوفد مقابلة الزعيم النازى ادولف هتلر وقال له رئيس اللجنة الاوليمبية «هنرى لاثور»: إن هذه اللوحات الإرشادية تعد انتهاكاً صارخاً للمبادئ الاوليمبية لانها مؤذية لعيون الناظرين من ضيوف الدورة، فقال هتلر: سيدى الرئيس حين تكون مدعواً إلى عشاء فى بيت صديق فليس من اللائق أن تفرض عليه ما يضعه فوق حوائط بيته!، فقال رئيس اللجنة الاوليمبية الدولية هنرى لاتور: سيدى المستشار حين تبدأ الدورة الاوليمبية ويرتفع العلم الاوليمبى فوق استاد برلين، فلن نكون فى المانيا وقتئذ، وانما سنكون فى القرية الاوليمبية!. ولم تكن هذه أول ولا آخر الازمات السياسية فى دورة برلين، فقد آثار هتلر غضب الامريكيين حين فاز البطل الزنجى الاسطورى «جيسى اوينز» بأربع ميداليات فى العاب القوى لاول مرة فى التاريخ فبدلاً من تهنئة البعثة الامريكية قال هتلر: إن «القارة الافريقية» السمراء لها أن تفخر بانجاب مثل هذا البطل الفذ!، أما الازمة السياسية التى وقعت بسبب هذا التصريح.. فتلك قصة اخرى نشر بالعدد 607 تاريخ 30/7/2012