لا حياة للإنسان بغير التفاهم بينه وبين مجتمعه، للاتفاق أو الاختلاف حول مختلف المفاهيم. ولا سبيل لذلك إلا بالنقاش والحوار ومقارعة الفكر بالفكر إلا أننا نجد منهجية التحاور والحوار تختلف من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى، ففى حين ينتهج البعض المنطق أساساً للحوار للوصول إلى صيغ مشتركة للتعايش والتفاهم تجد البعض الآخر يلجأ للجدل كآلة للمغالبة.
فالمنطق بحث عن الحقيقة، والجدل بحث عن المصلحة المتنازع عليها.
هذا هو الفرق فى أبسط صوره بين المنطق والجدل!
وبتعريف أشمل فإن المنطق علم يجمع الأصول والقواعد التى يستعان بها على تصحيح النظر والتمييز، فالمنطق بحث عن الحقيقة من طريق النظر المستقيم والتمييز الصحيح.
أما الجدل فهو البحث عن الغلبة والإلزام بالحجة سعياً لمكسب أو مصلحة متنازع عليها، ويرى الإمام ابن تيمية أن المنطق سليقة فى العقل الإنسانى، يستغنى عنه الذكى ولا ينتفع به البليد إذا جاء على غير سليقة أو استعداد.
ويقول الإمام الغزّالى فى كتابه «مقاصد الفلاسفة»: «أم المنطقيات فأكثرها على منهج الصواب، والخطأ نادر فيها»، وعن الجدل يقول فى الجزء الأول من الإحياء: «وأما المبتدع بعد أن تعلم من الجدل ولو شيئا يسيراً فقل ما ينفع معه الكلام وقدر عنده جواباً عنه، فإنك إن أفحمته لم يترك مذهبه، وأحال بالقصور على نفسه، وقد رأى عند غيره جواب ما هو عاجز عنه، وإنما أنت ملبس بقوة المجادلة، وأما العامى إذا صرف عن الحق بنوع جدل فيمكن أن يرد إليه بمثله قبل أن يشتد التعصب للأهواء، فإذا اشتد تعصبهم وقع اليأس منهم».
فطبيعة الجدل وشهوة المغالبة تؤثر المغالطة على المصارحة وتصرّ على المكابرة مجهلة بالحقيقة أو مكابرة فيها، وإذا تمكنت من أمة أثارت البغضاء والشحناء وأشاعت الخلاف بين الآراء وقسمت الأمة إلى شيع وفرق حتى لا تبقى فئة واحدة على رأى واحد.