تتعدد أساليب وطرق المحادثة بين شخصين أو فريقين، فنجد أمامنا مصطلحات القول/المجادلة/ المناظرة/ المكابرة/ الخصومة/ الحجاج/ المراء/ المناقشة/ المحاورة.. إلخ. ورغم كثرة تلك المصطلحات إلا أن كثيرا منها يتقارب مع بعضها البعض، لذلك اكتفى القرآن الكريم بالمصطلحات الثلاثة التى تميز كل منها عن الآخر وهى مصطلحات الحوار، والمجادلة، والمراء. ونحاول معرفة معانى ومفاهيم تلك المصطلحات. -1- كثيرا ما استخدم القرآن لفظ «القول» و«قال» و«يقول» و«قلنا» إلى آخر مشتقات هذا اللفظ، حيث وردت أكثر من 1400 مرة فى القرآن. أما لفظ «تحاور/تحاوركما» فقد جاء فى القرآن 3 مرات لا غير، أحدهما جاء فى قصة المرأة التى ذهبت إلى الرسول (ص) تشتكى إليه ما أصابها من مفارقة زوجها لها. وقد استعمل القرآن فى تلك القصة ألفاظ (تجادلك/ تشتكي/ تحاوركما)، وهكذا يتضح أن هناك اشتراكا جزئيا فى المعنى بين لفظى (جدال/حوار). ويتبين من تلك الآية أن شدة إلحاح المرأة فى بحثها عن حل شرعى لمشكلتها قد جعلها تكثر الحجج وتكرر القول مما جعل القرآن يمسى قولها «جدلا» تريد أن تصل من خلاله إلى حل لمشكلتها، فذلك هو الجدل ولكن الرسول (ص) لا يبادلها الجدل بجدل مثله لأنه (ص) (..بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، بل يسمعها ويرد عليها يخبرها أن الله لم ينزل تشريعا لما تسأل عنه. لذلك وصف القرآن ذلك الحديث بأنه «حوار» حيث قال تعالى: (.. وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا..). وحين إذ ندرك أن كل حديث لا يتعمد أحد طرفيه أن يغلب الآخر أو ينتصر لرأيه هو حوار يبحث عن الحق ويحاول الوصول إليه. -2- أما الجدل والمجادلة ومشتقاته فقد ورد 29 مرة فى القرآن، وهكذا يتضح أن الجدل نوع من القول يختلف عن الحوار، فبينما يبحث المتحاور عن الحقيقة، أو يحاول كل منهما التعبير عن نفسه فإن المتجادلين يحرص كل منهما أن يفوز على الآخر ويغلبه. وقد استعمل القرآن لفظ «الجدل» ووصفه بوصفين نبدأ فى التعرف عليهما، فالقرآن يأمر الرسول (ص) بدعوة الناس إلى الله ويسمح له أن يجادلهم إذا هم جادلوا ورغم جدالهم للرسول فقد فرض الله أن يكون الجدل معهم كما قال (..وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ..) وهذه الصفة تبين أن من الجدل ما هو حسن وما هو أحسن، وهذا هو الجدل الذى شرعه الله لمن يحتاج إلى إظهار حجته مع الآخرين فلنا أن نناقشهم ونظهر لهم قصور رأيهم ولكن بألفاظ رقيقة وبهدوء وبحرص على عدم إرهاقهم والتغلب عليهم. ورحم الله إمامنا الشافعى حيث يقول: «ما جادلت أحدا إلا دعوت الله أن يظهر الحق على لسانه هو حتى يتمسك بالحق ولا يغضب». والصفة الثانية التى وصف القرآن بها الجدل هى: (..وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ..) فها هو الجدل يستدرج صاحبه إلى الباطل فيكذب أو يخفى الحقيقة. وذلك هو الجدل المنهى عنه، وأقرب اسم للجدل بالباطل هو المصطلح القرآنى «المراء». وقد وصف القرآن الإنسان بقوله(.. وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا)، كما ذكر القرآن أن الملائكة قد جادلت ربها ساعة خلق آدم إذ قالت (.. أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..). ولكن الملائكة سرعان ما أذعنت للحق بعد أن عرفوه فقالوا (..سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، لكن إبليس اللعين قد جادل ربه متكبرا بنفسه رافضا أمر ربه بالسجود لآدم فجادل مغرورا وقال(.. أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وأصر على موقفه دون مبرر. فذلك هو الجدل المرفوض.