كان يتجول ببطئ في ميدان «فينسيا» بروما، يبدو كأنه أستاذا جامعيا، أو مايسترو شهير، ولم يشك أحد ممن رآه أنه أعظم مدربي الكرة في إيطاليا، وأنه يحمل رأسه على كفيه وهو يتحدي أقوى ديكتاتور في العالم «موسوليني». كان «موسوليني» يعتبر المنتخب الإيطالي رمزًا للسيادة الوطنية، ودليل على سمو الجنس الإيطالي، فيما يراه المدرب فيتوريو بوزو، مجرد فريق كرة قدم. قبل انطلاق مباريات كأس العالم عام 1934، أحضر الديكتاتور الإيطالي المدرب «بوزو» وقال له: «أريد أن يشترك لاعبو المنتخب في حفل أنظمه من أجلهم، يجب أن نكرمه نظير خدماته للوطن»، فرد المدرب: «لا داعٍ لذلك.. الحفل سيتعبهم، وهم مقبلون على مباريات شاقة في كأس العالم»، فأصر «موسوليني» على رأيه، وأصر «بوزو» هو الآخر على رأيه. تختفي ابتسامة «موسوليني» ويصرخ: «إني أمرك»، فيرد «بوزو» بهدوء كعادته: «سيكون لاعبو المنتخب في الحفل، لكن مع مدرب آخر، أنا أدير ما أستطيع التحكم فيه»، فغضب الديكتاتور: «حسنًا يا سنيور بوزو، لكن ليساعدك الله إن لم تحصل على كأس العالم». كان «بوزو» يمتاز بجرأة هائلة، وروح تجديد هادفة تنشد أفضل سبل الفوز، استبعد أفضل لاعبي إيطاليا «روزينا» و«كاليجاريس»، ولم يكن أحد يجرؤ على مسهما، لكن «بوزو» كان جريئًا، فاستغنى عنهما، كانا لاعبين كلاسيكيين، وكان هو يريد تطعيم الفريق بدم جديد يؤمن بالتكتيك الحديث للعبة، وضم «ومونتي» الذي لعب للأرجنتين عام 1930، كان وقتها انتقل لفريق يوفنتوس، ووضع «ونريجليو» و«اليماندي» في خط الظهر، لم يكونا ملائكة، بل عُرف عنهما الميل للعنف، ولكنها الحرب، حرب كأس العالم التي يريدها «موسوليني» بأي ثمن، ويريدها المدرب ليثبت جدارته، وتؤيده في موقف التحدي من الديكتاتور. يقول الناقد الرياضي نجيب المستكاوي في كتابه «قصص مثيرة من كأس العالم»: «فازت إيطاليا في قبل النهائي على المجر بهدف، وكانت المبارة النهائية أمام تشيكوسلوفاكيا، كان مسرح المباراة يزخر بالأعلام الفاشية وخوذات الجنود اللامعة، وحضر موسوليني المباراة». ويضيف: «تقدم منتخب تشيكوسلوفاكيا بهدف، ويتبقى على المباراة 8 دقائق، دقات قلب (بوزو) تقول إن الحياة دقائق وثوان، إلى أن سجل رايموندو أورسي هدف التعادل لإيطاليا، والدقيقة 7 من الوقت الإضافي أثبت أنجيلو سكيافيو أن الطليان من جنس أعلى وسجل الهدف الثاني». عقب المباراة قرر «موسوليني» أن يتجول الفريق الإيطالي في الملعب محاطًا بحرسه الخاص، لكن اللاعبين ذهبوا ل«بوزو» مهندس النصر، وحملوه على أعناقهم، لتختفي الابتسامه من علي شفتي الديكتاتور، الذي خسر الرهان.
