هل سيفعلها، ويقدم المجلس العسكري علي انقلاب عسكري صريح، أم أنه سيواصل رحلة الانسحاب العسكري من السياسة، ويترك الجمل بما حمل لجماعة الإخوان وأخواتها. تبدو الأمور غاية في التأزم، وقد وصلت إلي نقطة الحرج، وتحدد موعد بدء الترشح للانتخابات الرئاسة في 10 مارس المقبل، وربما يجري تبكيره مع تزايد الضغوط والإضرابات ودورات العصيان، وهو ما يعني أن انتخابات الرئاسة سوف تجري بالتوازي مع إعداد الدستور الجديد.. وفي سياق «العك السياسي» المتصل، ومع خلاف ظاهر في تحديد هوية النظام السياسي، وهل سيكون رئاسيا علي طريقة دساتير سبقت، وعلي طريقة الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في معية الإخوان، وهو ما لايبدو مرجحا، فالإخوان وقد صاروا أصحاب الأغلبية البرلمانية النسبية، وأجنحة لابأس بها من السلفيين وغيرهم، كل هؤلاء لايفضلون النظام الرئاسي، ويميلون إلي نظام رئاسي- برلماني مختلط، وبتوازن حرج أقرب إلي المثال الفرنسي، وربما بصلاحيات أقل للرئيس من الحالة الفرنسية، وعلي نحو قد يقترب من النظم البرلمانية الصرفة، وهو ما يعني أننا قد نكون بصدد رئيس بروتوكول، أو رئيس بركة، لايهش ولاينش، وليس بوسعه تقديم غطاء سياسي لتصرفات «الدولة العميقة» في المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات. وتبدو خطة الإخوان ظاهرة، فقد حصلوا علي الأغبية البرلمانية، ويسعون إلي اختيار رئيس من خارج الجماعة، وعلي أن يكون في وضع «البطة العرجاء»، لايقدم رجلا ولا يفرك يده دون مشورتهم، ويختبئون خلفه، وعلي طريقة سلوكهم المعتاد أيام مبارك في انتخابات النقابات المهنية، كانوا يختارون نقيبا من غير الإخوان، ويسيطرون علي مجالس النقابات، ويحولون النقيب المنتخب إلي «نقيب زائر»، يكون آخر من يعلم ومن يفتي، وتماما كالرئيس «الزائر» الذي يسعون الآن لاختياره، وبدواع معلنة من قبلهم، أبرزها ألا يكون شخصا ثوريا مثيرا لأعصاب الغرب، ولا مستفزاً لغضب أمريكا بالذات، ومن السهل أن تعرف الاسم المختار في قوائم المرشحين المعلنة إلي الآن، وإن كانت قصة اختيار منصور حسن- كمرشح إضافي- قد وصلت إلي نهاياتها علي ما يبدو، فالرجل يبدو شاكرا ممتناً، ومعتذرا عن قبول عرض الترشح، ومكتفيا بدوره الاستشاري في رئاسة المجلس الاستشاري، ومخيبا لظنون المجلس العسكري الذي يحبه، وللإخوان الذين لايمانعون في اختيار شخصه، ولو ترشح عبر حزب الوفد. أكثر من ذلك، يواصل الإخوان خطة الهجوم، وعلي طريقتهم المفضلة جدا، والتي يضعونها في مقام الكذب الأبيض، فيصرح أحدهم، ثم ينفي الآخر، ويطلقون بالونات الاختبار، وإلي أن تستقر الصورة، وعلي طريقة إعلانهم العزم علي تشكيل الحكومة، ثم سحب التصريح وإبراز النفي، ثم التأكيد علي عدم رغبتهم في سحب الثقة من الحكومة الحالية، ثم يقولون إن لديهم خططا لتشكيل حكومة إئتلافية بقيادة مرسي أو الشاطر، يسلكون سلوك التاجر الشاطر، يبيعون بضاعة لايملكونها، ويقبضون الثمن مقدما، فهم يعرفون- يقينا- أن البرلمان لايملك سحب الثقة من الحكومة الحالية، وأن الإعلان الدستوري لايتيح، وإلي أن تتم كتابة الدستور الجديد، وإلي أن يجري انتخاب رئيس، وهو ما سبق أن التزموا به علنا وسرا، وصرحوا به مرارا، لكنهم يفعلون ويكذبون، وعلي سبيل الخض والرج، والإيحاء ببسط النفوذ الإخواني، والتحكم في عملية اختيار رئيس علي مقاس إخواني يفضله الأمريكيون، مع أن جماعة الإخوان لاتملك في انتخابات الرئاسة ما كان لها في انتخابات البرلمان، وقد حصلت في انتخابات القوائم النسبية علي أقل كثيرا من 40% من الأصوات، أي أنهم في الاختيار السياسي لايملكون سوي ما يزيد قليلا علي ثلث إجمالي الأصوات، وفي انتخابات الرئاسة تختلف الصورة، فالمرشح الفرد هنا هو البطل، وبطريقة تجاوز حدود الثقة في تياره السياسي، وهنا يبرز سلوك التاجر الإخواني ثانية، والذي يبيع بضاعة لايملكها، ويختار رئيسا لايملك فرص نجاحه. هكذا يسلك الإخوان الذين حالفهم المجلس العسكري، ودخل معهم في صفقة اضطرار لا صفقة اختيار، وأثبت غباوته المفرطة، وجعلهم يمتصون قوته الرمزية، ويحولونه إلي «خيال مآتة»، يعاديه جمهور الثورة، ومعهم الحق كله، فقد أثبت المجلس العسكري، وباستثناءات محدودة في عضويته، أنه رأس الثورة المضادة، ثم إنه لايجد في الإخوان - حليفه الشعبي السياسي- سندا عند الحاجة، اللهم إلا بضعة تصريحات تطلق في الهواء، ثم تجري التوبة عنها مع أول صلاة، أومع أول اجتماع لمكتب الإرشاد الإخواني، والذي يتصرف في مصر الآن بحرية المالك فيما يملك، ويعد بتحصين أعضاء المجلس العسكري، وعلي طريقة تحصين البرلمان اليمني للشاويش علي عبدالله صالح، ومقابل أن يترك المجلس العسكري للإخوان كل شيء بدءا من لحظة انعقاد البرلمان، وأن يتولي مكتب الإرشاد عملية اختيار الرئيس، والترويج لانتخابه، وعلي أن يكون منزوع الصلاحيات إلا قليلا. وعلي غير ما يبدو من ظاهر أمور المجلس العسكري هذه الأيام، وصمته المتصل إلا قليلا، وحركة «شئونه المعنوية» الجديدة علي صفحات الفيس بوك، وانشغالها بالتحريض علي دعاة الإضراب والعصيان والتسليم الفوري للسلطة، وإلي آخر الكلام الذي يشبه الصمت، والذي لايمثل سوي القمة الظاهرة من جبل الثلج المخفي، فثمة حركة مدروسة تواترت إشاراتها في الأيام الأخيرة، إشارات ورسائل إلي عنوان آخر، ومضمونها ناطق، وهو أن المجلس العسكري - بمراكز التأثير فيه- يوصل رسالة للداخل المحتقن وإلي الخارج القلق في وقت واحد، مضمون الرسالة يقول «نحن هنا»، ففي يوم واحد، عقد قضاة التحقيق في قضية منظمات التمويل الأمريكي مؤتمرا صحفيا عالميا مطولا، وفي نهاية اليوم كانت قوات الجيش تنزل إلي كل الميادين، وكل الشوارع، وكل المحافظات، وبطريقة غاية في الاحتراف والاستعداد العسكري المقتدر، وكأنها بروفة انقلاب عسكري، في رسالة السياسة قصد المجلس العسكري أن يقدم دليلا علي وطنيته، وأن يتظاهر بالمقدرة علي تحدي النفوذ الأمريكي،وأن يقدم علي مغامرة وطنية محسوبة بتفاهمات باطنة مع واشنطن، وأن يعبر عن ضيقه باتصالات الأمريكان مع الإخوان، والتي تهدد الزواج الرسمي لواشنطن بالمجلس العسكري، وتحل محله وعلي حسابه «زواجا عرفيا» بالإخوان، وفي رسالة السلاح بدا المعني موصولا، فالتصرف الخشن مع منظمات التمويل الأمريكي ينعش شعبية المجلس العسكري المنهارة، والتصرف المقتدر بالسلاح يصعد بشعبية المجلس العسكري في الداخل المتدهور أمنيا، ويصور بقاء المجلس كما لو كان ضرورة ل«حماية الشعب» بنص التعبير الملصق علي العربات العسكرية، ويستثير حماسا خفت لعبارة «الجيش والشعب إيد واحدة» التي ظهرت هي الأخري علي جوانب العربات العسكرية، وطبيعي جدا أن يلعب تصرف السلاح - بالذات- دورا في كسب رضا قواعد شعبية واسعة، بعيدة بظروفها ومعاناتها اليومية عن الوعي الأرقي بقضية الثورة وحقيقة دور المجلس العسكري. وقد لا تغامر بتوقع استطراد تصرفات مماثلة بالسياسة والسلاح، فالمجلس العسكري يبدو محشورا في الزاوية، جمهور الثورة يعاديه، والإخوان ليسوا من أصدقائه المؤتمنين، ونوايا الغدر عندهم لاتخفي، واستقوائهم بتطمينات الأمريكيين والخليجيين ظاهر، ورغبتم في الحلول محل «المجلس العسكري» أكثر ظهورا، بينما يبدو «المجلس العسكري» في حالة تنبه أخيرة، ويجري بروفات سياسة ومناورات سلاح، ولا تبدو كتلته موحدة في الآراء وانتظار المصائر، فالمشير طنطاوي يبدو في حال الاستغناء، والفريق سامي عنان في حال الاستقواء، وقد لايفاجأ أحد إن جري انقلاب عسكري قبل أوان الرئاسة، أو أن يجري الانقلاب في صورة انسحاب، ويخلع أحدهم بزته العسكرية، ويتقدم بالترشح لانتخابات الرئاسة وبترتيبات تجري مع قيادات إسلامية خارج الاخوان وباحتمالات فوز لايستهان بها أو هكذا تظن وليس كل الظن إثماً في بلد مفتوح علي رياح الخطر . [email protected]